31/12/2014 - 16:33

"إحلم كبير"../ عامر حليحل

نشتاق لضمتك المحبة دائماً، نشتاق لتسامحك معنا دائماً، نشتاق لضحكتك التي كانت تملأ الأمكنة وتدخل البهجة الى قلوب من سمعوها. نشتاق لحزمك وشجاعتك وإصرارك، نشتاق لتوبيخاتك المحقة في معظم الأحيان ونشتاق أكثر ما نشتاق، إليك

هناك أشخاص يدخلون حياتك ويمكثون بها فترة ثم يغادرونها، وكأنهم لم يكونوا فيها، وهم كثر. وهناك قلة قليلة من الناس تدخل حياتك وتمكث بها فترة من زمنك ثم يغادرونها جسدياً الى الأبد، لكن عن مغادرتهم دنياك تعرف وتتيقن كم تركوا من الأثر عليك وعلى حياتك. هكذا كان الصديق المغدور جوليانو مير خميس مثلاً، وهكذا كانت الدكتورة روضة عطا الله – بشارة، التي دخلت حياتي منذ ما يقارب العشر سنوات، ومذ تلك اللحظة لم تتركها، لقد لعبت دور الأم من أول لقاء وظلّت تلعبه كل الوقت، ومن عرفها شخصياً يعرف أنها تصرفت مع كل من أحبتهم هكذا وبدون تفرقة. وما أصعب أن تفقد أمّاً.

لعل أكثر ما يخطر في بالي في هذه الأيام، أني كم كنت أود لو ألتقيها مرةً كي أعتذر لها عن كل المرات التي تهرّبت من مكالماتها عندما كانت تضغط علي كي أقوم بعمل ما أو أنتج مشروعاً معيّن، لم أتهرب منها لأني أردت التهرب، بل بسبب تقصير في أداء واجبي تجاه نفسي أولاً، وتجاه التزاماتي ثانياً. لكن إصرارها الدائم الدؤوب، المضني أحياناً في دفعك نحو الهدف لم يجعلها يوماً تدير ظهرها لك وتغضب منك أو تخاصمك، بل العكس تماماً كانت كلما حادثتك تعبر لك عن حبها الكبير لك وتوبخك توبيخاً حنوناً قلقاً عليك.

كانت دائماً تقول لي، لماذا أنت منشغل دائماً في مشاريع صغيرة متواضعة، إحلم كبير، إن حلمت صغيراً ستبقى صغيراً ولا تحاول إقناعي بأسباب واهية تتعلق بوضع البلد والمجتمع والاحتلال وكل مبررات الكسل هذه. أعترف انني كنت أنظر اليها وهي تقول هذا الكلام مراراً وأسال نفسي: ماذا تريد مني هذه المرأة أن أفعل؟ ماذا يمكنني أن أغيّر؟ وقد استغرقت وقتاً حتى فهمت أنها لم تطلب مني أن أغير الظروف، بل طلبت مني أن أغير نفسي، وأن اتجاهل الظروف وأنحيها جانباً.

أريد أن أعترف للدكتورة روضة اليوم لأنني لم اعترف لها من قبل أنني تنازلت عن كلمة 'محلي' في قاموس حياتي، لم أعد أستعملها، صدقت عندما قلت لي: لا تفكر محلياً لأنك ستبقى محلياً، فكر أوسع وأكبر، فكر بشكل حر'. نعم، اليوم أنا ألغيت مصطلح 'فن محلي' من قاموسي، وأقول لك إنني منذ تلك اللحظة التي بدأت أنتج 'الفن' بدون أي صلة في مكان وزمان، بدأت أعمالي الفنية تصبح عربية أكثر، فلسطينية أكثر، منفتحة أكثر، ولا يحكمها إلّا جمالياتها ومضمونها، وأصبح انتشارها أوسع وأكبر.

أخيراً، نشتاق اليك نحن الأبناء، ونفتش عنك في فعالياتنا وأمسياتنا وبرامجنا، نقول لبعضنا البعض، لو أن روضة كانت هنا في هذه اللحظة لقالت كذا وكذا، ولو أنها شاهدت فلاناً يقول ما يقول الآن لتصرفت هكذا وهكذا.

نشتاق لضمتك المحبة دائماً، نشتاق لتسامحك معنا دائماً، نشتاق لضحكتك التي كانت تملأ الأمكنة وتدخل البهجة الى قلوب من سمعوها. نشتاق لحزمك وشجاعتك وإصرارك، نشتاق لتوبيخاتك المحقة في معظم الأحيان ونشتاق أكثر ما نشتاق، إليك.

التعليقات