11/02/2015 - 16:56

من يعرف دلال أبو آمنة، ليقل لها شكرًا../ طارق عسراوي

أفرغ تذمري بالبحث عن لا هدف محدد بين إذاعة وأخرى حتى انبعثت نغمة طار منها سربُ حمام، صوتٌ كبراعم الزهر البري تفتّح بين جنباتِ تختٍ شرقي من موسيقى وترية تغسل الروح من كل هذا الركام الإسمنتي

من يعرف دلال أبو آمنة، ليقل لها شكرًا../ طارق عسراوي

كان مثقلا بالمزاج السيء هذا الصباح، و لم تكن ليلةُ الأمس قد سلّت أظافرها منه بعد. 

مَا الذي أيقظ كل هذا الزحام في شوارع رام الله؟

ما زالت السابعة والنصف صباحا، كيف اختنقت المدينة بكل هذه المركبات في دقيقتين؟ مركباتٌ تشتُم الإسفلت الضيق، أخضر - أحمر - أخضر - تتقلبُ إشارة المرور والمركبات لا تسير، تتسرب فوق الجزيرة الوسطية وتنفثُ سبابها على مسامعي، أغلق الشبابيك، يا الله كيف ارتكبتُ هذا الجرم الصباحي وأصبت روحي بعطب النهار دون أن احصنها بفنجان قهوة عذراء الهال! 

اي طعم سيبقى للقهوة بعد هذا السُعال المفرط لأبواق المركبات! 

أدير توليفةَ الراديو، أكبسُ مجددا، دعاية، مجددا، مذيع يقيء في أذنيّ تذمره من عدم قيام مسؤول بواجباته، أتمتم ( يا زلمه شو غير إشارة المرور اللي شغال بكل البلد )، مجددا أكبس زر البحث، أخضر - أحمر – أخضر.. 

رام الله غابةٌ من الأسمنت و المركبات ..

الراديو، مكتظ بالقنوات الفارغة، أقّلبُ، فضاءُ الضفة كأرضها فائض بالمستوطنات، من يستمع لكل هذه الترددات الناطقةِ بالعبرية في سماء الضفة!

أفرغ تذمري بالبحث عن لا هدف محدد بين إذاعة وأخرى حتى انبعثت نغمة طار منها سربُ حمام، صوتٌ كبراعم الزهر البري تفتّح بين جنباتِ تختٍ شرقي من موسيقى وترية تغسل الروح من كل هذا الركام الإسمنتي، من صاحبةُ هذا الصوت التي تصدحُ بهذه الرّقة، خليني في بالك إذا بخطر على بالك ..، لم أسمع هذا الصوت من قبل، أجوليا بطرس؟ لا، تتشابهان في بعض القفلات ونهايات الجمل الموسيقية إلا أن الفرق واضح.

من هذي الغزالة التي تتقافزُ فوق مكعبات الضوضاء وتحيلُ الصباح الإسمنتي زهرا كمدادة المجنونة التي تفترشُ جدارا فتبدله من رمادية الإسمنت إلى الأرجوان والليلك، أهيمُ بهذا الانسياب المتجانس بين الصوت الغض ورقة الموسيقى وروعة الكلمات، أجتاز الإشارة، انطلقُ متعديا الاختناق، وتسبحُ روحي إلى هدوئها مغسولة مما علق بها من شوائب.

أدخل الشبكة العنكبوتية وأبحث عن أغنية الصباح الفريدة، ها هي الأيقونة، دلال أبو آمنة تغني 'خليني في بالك'، أستمع للأغنية مجددا، مرةً، مرتين، يا سلام، يروي روحي هذا الصوت العذب، كيف لا ترتوي روح ترابها من مرج ابن عامر إذا ما هطل عليها صوتٌ نصراويٌ كالمطر! 

شكرًا دلال، لقد أنقذتنا من نهارٍ رديء الشكل والعاطفة..

التعليقات