19/05/2015 - 18:36

حين غصت مطارات العرب بفلسطيني وابنه الصغير../ ناصر السهلي

لكن مهلا، فنحن العرب، أصحاب كل الشهامة والكرامة الممزوجة بالكرم الحاتمي وإغاثة الملهوف، مضطرون لأن نعيد صياغة ما فعلناه... وما قلناه..

حين غصت مطارات العرب بفلسطيني وابنه الصغير../ ناصر السهلي

"نحن العرب"، استذكرناه في ذكرى نكبته بكثير من الكلام، وبقليل مما دلقناه في وجوه أحفاد النكبة عن أنفسنا... نتغنى بذائقة شعرائهم ونتفاخر بصمودهم وصلابتهم...

لكن مهلا، فنحن العرب، أصحاب كل الشهامة والكرامة الممزوجة بالكرم الحاتمي وإغاثة الملهوف، مضطرون لأن نعيد صياغة ما فعلناه... وما قلناه..

الفلسطيني يجب أن يكون ذلك الكائن "الخانع"، القابل لقدره، فهو سلعتنا حين أردناها، ونقمتنا حين أردنا أن نعلم أجيالنا ما سيحدث لـ"قليل أدب" تجرأ على أن يعتبر نفسه جزءا من إنسانية إغاثة الملهوف..

الدرس بسيط، في ألف باء الكرامة لا يجب عليك سوى أن تنتهي بمثل ما انتهى إليه خالد بكراوي وحسان حسان وسميرة وهايل وبقية القائمة المتحولة إلى هياكل عظمية تذكرنا بمن نكون... إن هي مارست عروبتها الفلسطينية في مخيم أوسع من حدود السماء... إنها نهاية كل من تسول نفسه أن يعتبر نفسه واحدا من تلك البلاد التي تقول:

 "نحن العرب.."

 هل أكره عروبتي؟

معاذ الله أن اساوم عليها... أو أن أرمي عني أوجاعها... لكنني ككل البشر يقتحمني الشك في سؤال عن عروبتي تلك، أهي التي تذبح عربا آخرين باسمي؟ ام هي تلك التي غصت بأخي وابنه في مطاراتها؟

مع أخيك أنت تعيش الذهول عينه في طفولتك مع غسان كنفاني، فهو سمعك كثيرا تعيد عليه درس عروبتك... تقاسم الكرامة، وعنوان حريتنا، وخزانات الأرض نقرعها في وجه أجيال في عبثية أخبار جثث لا يخرج مها سوى "تذكرة إقامة مؤقتة"... بعد 67 سنة ما يزال أبي وأحفاده يحملون تلك التذكرة..

 تمحص العقول في ذهول، أن تضطرك عروبتك لتستعين بكل تعويذات الحياة لكي لا يصبح طفلا لم يعرف من حدود دنياه التسع سوى حدود المخيم في سبع ومشردا في اثنتين... وثمانية عشر يوما في عراء فرجة على أرض مطار عربي..

أي ذهول هذا الذي لا تريده أن يشبه عجوزا فلسطينيا، يردد بحرقة ما ردده ذات يوم وهو يطالب أخذه إلى "اليهود"..

 وما هي الجريمة يا سادة؟

فلسطيني مثل غيره تجرأ على شيئين: أن كان مخيمه حدود السماء لغيره... وتطاول على مطارات العرب بجواز سفر صادر عن سلطة فلسطينية..

جريمتان تستدعيان أن يعرض فلسطيني وابنه الصغير إلى كل الدروس: سنربي بك غيرك... ممن يتطاول على عروبتنا... وأي درس أفظع من أن تزرع في طفل صغير كل صدمات اللقاء بـ"شهامة عروبته"..

 قد لا يراها المنشغلون بما وراء "حفلات التضامن" مع المنكوبين... لكنها بذور تروى بعلقم مستقبل كدرس أول لأسنان لبنية تشيع ولو بين مئة ممن عرفوا ذلك الطفل..

أفظع ما في دروس "الشهامة العربية"، من النوع الذي يغص بطفل يرى غيره يدخلون مطارا عربيا بابتسامة شقراء، أنه عليك الصمت... الصمت لكي لا تؤذي في دروس السحق تحت ثقافة الأحذية غيره... وأن لا تصيبه هو بنفسه بسهام التسول باسمه..

 وفوق هذا كله، كم من الغثيان يصيبك وأنت تشكو فيأتيك الجواب أن "هات من الآخر"... وبنبرة صوت "مثقف" يقال لك: لا تكتب... لا تؤذي أخيك... ولا طفله..

أي عقل هذا الذي يعرف بأن أبجديات الأذية لطفل بسبب كلمة يمكن أن تفتح كوة جهنم عليه؟

لا عتب يا سيدي... لا عتب... فسؤال محام غربي صعقني بابتسامة خبيثة: ولماذا مطلوب منا نحن في الغرب أن نقدم له حلا لمشكلة يمكن أن يحلها ببساطة عرب مثله؟

لا عتب لأننا صرنا بحق، نحن الفلسطينيين هذه المرة، فرجة لجامعي الصور... ولسنا وحدنا في نكبتنا... كثيرون معنا... حتى أننا نحن الشعوب المنكوبة نتنافس على الخيمة... حتى في جيبوتي وموريتانيا وليبيت والسودان والبرازيل والسويد وهولندا..

كان منظر مائير كهانا وهو يشير بيده إلى رمزية الذبح قد حفر في عميقا ذات يوم، ومثله فعل عوفاديا يوسف وهو يصف عربنا بالصراصير والأفاعي... لم أكن أمر مرور الكرام على فعلة وايماءة موشي ليفنغر، وبظني كثيرون حول مخيمات "شعب الخيام" لم يفعلوا... ولكن، يا سيدي نحن لسنا أنبياء... وذلك الطفل تتعاظم فيه النقمة..

ويا أسفي على من؟

أقسى من كتابة محرر رأي جوابا يرفض النشر قائلا: "الرجاء عدم الإحراج" هو أسئلة أطفالك المكتومة بعربية غربة في أقصى الشمال: أهي تلك التي كنت تعلمنا لغتها وثقافتها؟

أي هول أن تحيل مثل تلك العروبة علاقتك إلى صمت متبادل مع دمك ولحمك؟

 

التعليقات