06/06/2015 - 15:50

دعاء الرصيف../ طارق عسراوي

طِبتِ أيتها الجدّة الشجرة، وطاب قلبُكِ المكتظّ بالحب و الحياة، لو أستطيعُ أن أكون شفاؤكِ لأعتصرتُ لَكِ من قلبي زيتونة كاملة!

دعاء الرصيف../ طارق عسراوي

كنتُ أحسبني خشن الفؤاد شحيح التأثر بحكايات الأرصفة و دلالاتها، إلا أن إمرأة، جدّة، أوقفتني بثوبها البنفسجي المُشجّر وزنار خصرها المشع بالأحمر والأصفر، وتبدو على وجهها تجاعيد زمن يرمز إلى كَبَدِ عمرٍ تقطعت فيه الأمنيات على وضم سنوات النكبة والخيبة، مدّت يدها في جرابٍ تزمّه بيسراها واستلّت منه زجاجة صغيرة من زيت الزيتون، وقالت وهي تمدّها نحوي "تشتريها يمّا مني بدي أشتري دوا".

- سلامة عُمرِك يمّا ، إدعيلي، قلتُ.

ففاضت عليَّ كغيمة مشبعةٍ بمزن الدعاء: "الله يبعد عنك شر الناس، ويظلم اللي ظلمك، ويحميك باسمه الرحمن و ينوّر دربك بالقرآن".

يا الله، كيف مسّت كل ما في القلب من وجعٍ، وكيف بيدها المتعرّقةِ من جفاف الدهر فجّرت ما فيّ من حاجة للكلماتِ الدعاء!

وكيفَ أينعت في عروقي خُضرَة سنابل القمح والأمل، و دفعت في جسدي دفء شمسّ تشرق من عينيها، ومسّدت حزني بزيت فاتر حتى لانَ في قلبي الحزن وهان!

هُنّ جداتنا/ أمهاتنا اللواتي نلقاهُنّ صدفة على رصيفِ الدعاء، وحدهنّ من يستمعن لنعيب القلب ويشعرن بما تجرحت أرواحنا من مخالب الأيام.

أقولُ ماذا لو أن "كاليغولا" وقف على رصيف روما يبيع زيتا ليجني شفاء علّته من سحر "دروسيلل" أما كان سيلمس وجع المدينة، ويخرج من بساط الدولة الأحمر إلى ما هو أهمُّ من الصورة، وربما عاد عن نفي "أغريبينيا".

نعم، نضحك في الشوارع لأننا نقتنص ما يفلت من أمل وفرح من حواجز التفتيش، وتغوّل فِرق المشاة في ليلنا المُراقب حتى فِعلُ الحب! 

نضحك لنواري عن أبنائنا ثِقَلَ البلاد، ونربطهم في هذه الأرض بالرصد المجنون، فلا يفتكّون منها إلا أرواحا متحررة من ثقل الأجساد الفائضة، وإقحوانا مُشبعاً بالربيع، ونركض خلف خبز الأمل بحرية قلوبنا، لا لأنّا اعتدنا العَدْوَ منذ النكبة فرارا من يد الغول، بل لأنّ فينا غزلانا تجري لعين الماء كي يزداد المشهد انسانيّة و جمالا فنُعِدُّ أنفسنا على الأحياء! 

نحنُ الذين نؤمنِ بإسطورة اصطياد الموت كي نحيا، فلا نخافَهُ ونلحقهُ من حلم إلى حُلمٍ، ويفرُّ منا لنُكمِلَ صورتنا الأخيرة!

طِبتِ أيتها الجدّة الشجرة، وطاب قلبُكِ المكتظّ بالحب و الحياة، لو أستطيعُ أن أكون شفاؤكِ لأعتصرتُ لَكِ من قلبي زيتونة كاملة!

 

التعليقات