23/03/2016 - 13:12

كرسي الشيخ المتحرك/ المتوكل طه

لا شيءَ يُغري في نيسان الآتي! تردّدُه؟ ثَمّة تردّدُ الحَرْبَةِ على جذع دير ياسين، والسّكينِ على مَذْبَحِ الرُضَّعِ والطّيور،

كرسي الشيخ المتحرك/ المتوكل طه

 لا شيءَ يُغري في نيسان الآتي!

تردّدُه؟

ثَمّة تردّدُ الحَرْبَةِ على جذع دير ياسين،

والسّكينِ على مَذْبَحِ الرُضَّعِ والطّيور،

وتردّدُ الأجنادِ على صَدرِ أرضِ السّواد،

وتردّدُ القلب في بكائه.. أمّي،

وتردّدُ الجراح في القَسطل البَعيد،

وتردّدُ الكذبةِ الحقيقة...

.. نيسانُ شهرُ الغيابِ الأعمى.

***

كَبُرَ الولدُ، في نيسان الحالي، عامًا حزينًا كاملًا ؛ يحضنُ أمّه، ويربتُ بيده الصّغيرةِ على خَصرها، ويرجوها ألاّ تبكي ثم يقول لها: ها أنذا رجلٌ لا أبكي، غير أن عينيه تغرورقان بالدّموع، ولمّا تقول له أمه: لا تبكِ يا رجل! يحضنُها أكثرَ ويقولُ لها: قالوا لنا ألاّ نبكي أمامَك، لكنّنا عندما نخلدُ إلى النّوم نبكي وحدنا حتى لا تريْنا نبكي.. ويبكي فتبكي ونبكي

انتبهوا:

كم طفلًا في فلسطين يبكي عندما يخلدُ إلى النّوم؟

السّؤال برسمِ لا أحد!

*

وربّما أُعاتب مَنْ ذهبَ إلى الموتِ مختارًا، لأنني أخشى أن يكونَ موتُه مجانيًّا، لكنك أيها الميْتُ خارجَ العِتاب.

***

أكاد أَشُمُّ عبقَ الماسةِ الوضّاءة، وهي تذهل عتمةَ المحيط.

والظُّلمةُ قلبٌ بحجم الكوكبِ، كثيفٌ، له لزوجةُ الدّمِ الباردِ، وبلادةُ الحسابات.

وأقفزُ فوق صمت الأعماق الرّخوةِ، علِّي أجدُ صلابةَ تلكَ الماسةِ لأَحُطَّ عليها، وآخذَ موقعي، وزينةَ قوتي، لأقذفَ هذا الوحلَ بعيدًا في هيولى الفراغ الكوني.

وأكادُ أضعُ قوامي على اشتعالها الخالص، فأستوي.. وأرى!

يأتي طفلٌ مهجونيٌ ينسلّ من عَرْشِ الأحجارِ، ويرفع يديه الشّجرتين، ويصوّح بعينيه، فتنفتق عروقُ ساعديه، ويحمل الكوكبَ من أُذنيه ويَقْلبُهُ، فتتقطَّع الزّبدةُ الحمراءُ الشّائخةُ.. وتسّاقطُ في البعيد. وعلى مرمى نبضةٍ أو اثنتين تكشفُ المرأةُ عن نَهرين محفورين فتنجلي الأرضُ تَمامًا، وتشرقُ الماسةُ على البذرةِ هُناك.

ويكادُ العشبُ أن ينفجرَ، صغيرًا، لِبْلابًا، طاهرًا مثلَ قلبِ الصّغير، لكنّ الطفلَ يفختُ بسكّين كفِّه جلدةَ الأرض من طرفها، ويسلخُها، فتنكشفُ شرايينُ خريطةِ تشبه سنَّ القلمِ أو خنجرَ الذي فجّروه.

انتبهوا: إذا خلعتم جلدَ التاريخِ فستجدونَ شرايينَ القدس.

***

صُورةٌ مكتملةٌ تكادُ أن تكونَ في اكتنازِها جنّةً مذهلة! بَحرٌ زَجَليٌ طويل، وثلجٌ مثل بطنِ العروس، ورملٌ نَخّلتهُ الريحُ من ذهبِ الأساطير، وملوحةٌ استخلَصَتْ دموعَ الأنبياءِ على مَنْ أسرفوا في الزمان. صورةٌ اسمُها فلسطين.

انبذلَ حولَها ولها ما ينقذُ الدّنيا، لكنّه تبدَّدَ بفعلِ غامضٍ مُريب. وهبطَ المنادون من منصّةِ الحقِّ درجةً إثرَ أُخرى.. حتى وصلوا قاعَ الاستجداءِ والتمنّي.. وتفرّق المنادون أيدي سبأ، حتى أضحى التّذكيرُ بالصّورةِ كاملةً.. مهزلةً!

وصار امتلاكُها حرفًا أو حُلمًا.. مدعاةً للسّخريةِ أو رذيلةً بائسةً لا واقعية! والمطلوبُ أن تُخيطوا أكفانَكم بأيديكم، وأن تكونوا ضحيّةً سلبيّةً، لأن الضّحيّةَ الإيجابيّة التي تردُّ على موتِها بالموتِ سَيُبْهِظُها الأقوياءُ المعتدون.

انتبهوا: إذا تبأّرتُم في الخطاب فستجدون استنـزافَ الصّورة.

واذكروا أن ما يُطالبُ به أيُّ دمٍ هو ألاّ يُسْفَك.

*

وثَمّة صورةٌ أخرى...

***

لا تعترفوا، فإنني سأعترف ملءَ القاعةِ التي يفثأُها الجوّالُ الملوّن، بأننا آثرنا السّلامةَ أو التّعالي أو الصّمت، أو اتخذنا موقفًا يقومُ على قراءةٍ مُسْتَتِرةٍ، يشعُّ ظاهرُها، وقبرٌ داخِلُها.. لنؤثرَ السّلامةَ من جديد.

فهل ثَمّةَ مثقفٌ كبيرٌ أو كبيرٌ يعلنُ إضرابًا ليومٍ واحدٍ عن الطّعامِ، أو يحملُ كلمتين على مفترقِ الصّحافةِ الفضوليّة، ليقولَ العالَمُ إِن في فلسطين مَنْ يرفضُ موتَها الصّعبَ، أو تقولُ الملائكةُ في قارعةِ السّماءِ: هناكَ مَنْ يجوعُ يا الله!

شكرًا للذين ماتوا، وللذين اعتُقِلوا، وللذين سيظلّون على ظهورهم مُقْعَدين، بعد الذي قتلوه مُقْعَدًا، وقد صلّى وأناب.

انتبهوا: إذا جمعتم كُرسيًّا متحركًا فستجدون ضلوعَ الأندلس.

***

كيف تقول انتصرنا، والخطابُ أبيض؟!

انتبهوا:لم نرفع الرّايةَ البيضاءَ، لكننا جعلنا، في ميثاقنا، بياضًا كثيرًا..

وما زال الوالي يطارد الهواء!

اقرأ/ي أيضًا | بضاعة إسرائيلية لبروكسل../ رامي منصور

 

 

 

 

التعليقات