في محاضرته في جامعة دمشق؛ د.عزمي بشارة: كل القدس أقصى وكل فلسطين قدس

"قضية فلسطين قضية عربية وليست قضية الفلسطينيين، والعقلية التي تقول إنها قضية الفلسطينيين هي نفس العقلية التي تقول إن الفقر قضية الفقراء.. هذه العقلية لا تبني أمة"

في محاضرته في جامعة دمشق؛ د.عزمي بشارة: كل القدس أقصى وكل فلسطين قدس
في محاضرته في جامعة دمشق، أكد المفكر د.عزمي بشارة على أن الدفاع عن الأقصى هو مهمة وطنية، وأن الصراع على الأقصى هو صراع بين المحتل وبين الواقع تحت الاحتلال على السيادة السياسية. كما أكد على أن "كل القدس أقصى، وكل فلسطين قدس". كما تناول في محاضرته عملية تهويد القدس والتطهير العرقي للفلسطينيين فيها فور احتلالها عام 1967. وتناول مطالبة إسرائيل في السنوات الأخيرة بالاعتراف بها كدولة يهودية، وورقة المصالحة المصرية باعتبارها ليست ورقة وحدة وطنية، وإنما ورقة للتوجه إلى الانتخابات. وأكد في نهاية محاضرته على أن قضية فلسطين هي قضية عربية وليست قضية الفلسطينيين، وبالتالي فهي قضية الأمة العربية.

وبدعوة من صالة رفيا، وعلى هامش معرض "ما وراء الحدود" ألقى المفكر د.بشارة محاضرة في جامعة دمشق - قاعة رضا سعيد، عن القدس كرمز وقضية، بحضور عدد من الوزراء السوريين وشخصيات فلسطينية إضافة إلى جمهور كبير من المثقفين والإعلاميين والمهتمين بالشأن الفلسطيني والعربي، حيث غصت القاعة بعدد كبير من الحاضرين الذين تابعوا باهتمام بالغ محاضرة المفكر العربي عزمي بشارة، التي اختتمت بتوقيع كتب من مؤلفات المفكر د.بشارة نزولا عند رغبة الجمهور.

بدأت المحاضرة بكلمة ترحيبية ألقاها الفنان بسام كوسا، جاء فيها: "عزمي بشارة، لا نستطيع تقديم سيرة ذاتية نضالية لهذا الرجل ولا نحن بصدد ذلك. لقد كان عرب 48 مجهولين بالنسبة لنا إلى حد كبير، إلى أن جاءت الفضائيات فاكتشفتهم واكتشفتنا! فكانوا في ذهننا إما مغلوبين على أمرهم أو خونة لأنهم يتعاملون مع المؤسسات الإسرائيلية، فكان للشيزوفرينيا العربية التي قدمت المتعاملين مع المؤسسات الإسرائيلية كخونة بسبب هذا التعامل، أن قدمتهم هي نفسها كمناضلين للأسباب ذاتها، بالمقابل كان فلسطينيو 48 ينظرون إلينا نحن العرب وكأننا على أهبة تحرير بلادهم (بلادنا) ولكن مع احتكاكهم بالواقع لم يروا المسائل كما كانوا يأملون أو يتخيلون أيضاً، في هذه اللحظة، لحظة الاكتشاف المتبادل أي بين عرب 48 والعرب في الدول المحيطة، ظهر عزمي بشارة كصيغة تعيد النظر بكل ما سبق، وكصيغة تطرح رؤية للظرف الفلسطيني العربي للتعامل مع عدو لا بد من مواجهته، ظهر عزمي ومن ثم طرد ليتحول إلى لاجئ بذنب هذه المرة وليس بغير ذنب، كما لم تكن لديه أوهام برؤية العدو كما لم يتوهم برؤية الصديق وحاله وظروفه، فبدأ السؤال يطرح نفسه، هل كانت هناك أكثر من فلسطين؟! واليوم هل هناك أكثر من أكثر من فلسطين؟ هل تحولت فلسطين إلى فكرة؟ هل تبدو القدس بخير إذا حافظنا على الأقصى بعيداً عن التدنيس؟ عزمي بشارة الذي رأى وجهي العملة بوضوح قد يستطيع الإجابة عن أسئلة هي في علم الأمل! فالواقع مخيب إلى حد الفجيعة، فنحن نتعامل مع يأس أرعن ولا عقلاني، ومع ذلك ليس لنا من عمل إلا الخربشة على جدران الظلم والخديعة، فالأجوبة ليست وصفات للتحرير بل هي محاولة للحفاظ على الجذوة التي تحركنا وتجعلنا نعيش إلى الغد. عزمي بشارة، هذا الباحث في شؤون الأمة والألم يبدو دائماً متدفقاً وكأنه يريد أن يلحق قبل أن تفلت الأمور، فالصراع المتحول من عربي-إسرائيلي إلى عربي-عربي، وفلسطيني-فلسطيني، يعطينا فكرة حقيقية عن إمكانيتنا الثقافية والحضارية وحتى الأخلاقية، حيث يبدو عزمي بشارة وأمثاله كائنات فضائية تصرخ في البراري. دعوني أرحب بالباحث الفلسطيني والمناضل عزمي بشارة".

بدأ د.بشارة محاضرته مشيرا إلى اهتمامه بالمضامين والحديث عن القدس في سياقها الموجود، رغم أن المناسبة هي "القدس عاصمة للثقافة العربية"، ومؤكدا، ناهيك عن أن موضوع القدسية هي مسألة إيمان وعقيدة وتؤخذ كما هي، فإن كون القدس محتلة يجعلها أساسية أكثر في عقيدة الأمة، وبحق، لأنه لا يوجد صراع قومي وطني تحريري إلا واستخدم الرموز المتوفرة لديه.

وتناول د.بشارة مسألة تهويد القدس ومصادرة الأراضي وهدم البيوت ونشاط الجمعيات الاستيطانية، وتركيز النقاش حول البقعة المسماة "الحرم المقدسي الشريف" ومحاولات سياسيين صهاينة علمانيين تحشيد الرأي العام اليهودي بواسطة ما يسمى بـ"جبل الهيكل". وأكد في هذا السياق إلى أن المسألة ليست حوار ديانات، وليست كونه مسجدا، وإنما المسألة هي لمن السيادة السياسية على الأقصى، وبالنتيجة فإن الحديث عن مفهوم سياسي حديث ليس له علاقة بالديانات، وأن الصراع على الأقصى هو صراع بين المحتل وبين الواقع تحت الاحتلال، وبالتالي فإن الدفاع عن الأقصى هو مهمة وطنية للجميع، وما ينطبق على الأقصى ينطبق على كل فلسطين، فـ"كل القدس أقصى، وكل فلسطين قدس".

وفي حديثه عن تهويد القدس بدأ بقانون ضم القدس وإخراجها من دائرة المفاوضات، بعد شهرين من احتلالها عام 1967، وتحويل سكانها إلى رعايا قاطنين، كأجانب على أراضهم، بحيث يمكن سحب "بطاقة قاطن"، في إطار التطهير العرقي، بمجرد الانقطاع عن زيارة القدس لثلاث سنوات.

كما تطرق إلى تشكيل "اللجنة الوزارية لشؤون القدس" التي وضعت قرارا بعدم تجاوز العرب المقدسيين نسبة 20% من السكان فيها، وبدأت إجراءات التضييق، لدفعهم إلى مغادرتها وسحب هوياتهم، وفي الوقت نفسه خلق أغلبية يهودية من خلال الاستيطان، وضم مسطحات إلى نفوذ بلدية الاحتلال في القدس.

وقال د.بشارة: "إن كل المفاوضات الجارية بأنماطها المختلفة من خارطة الطريق إلى غيرها دليل على عقمها، ولابد أن يكون هذا العقم وراؤه عجز ووهن عربي وخطط إسرائيلية، لكن كل خطط المفاوضات مبتكرة ولا تستند إلى الانسحاب حتى حدود 67 ولا تشمل أيضاً حق العودة. ليس صدفة أن حق العودة والقدس خارج الصورة، وهذا ما فعله جورج بوش الابن في رسالة الضمانات إلى أرئيل شارون بأن الولايات المتحدة تتفهم عدم إعادة الوضع إلى سابق عهده، أي عدم عودة اللاجئين".

ولفت إلى تقلص المفاوضات فيما يسمى زورا وبهتانا بـ"عملية السلام" إلى الاختلاف حول الحرم القدسي المسمى بـ"الحوض المقدس".

كما تطرق إلى مطالبة إسرائيل في السنوات الأخيرة إلى الاعتراف بها كدولة يهودية، مشيرا إلى أن إسرائيل تعرف نفسها بأنها "دولة لكل اليهود في العالم، وهي دولة كثير من الناس (اليهود) ليسوا مواطنين فيها".

وأكد في هذا السياق على أن مطالبة إسرائيل بالاعتراف بها كدولة يهودية تأتي لسببين؛ الأول يعني التنازل عن حق المطالبة بالعودة، والثاني اعتراف الأمة العربية بالصهيونية وبحق الدولة اليهودية وبدولة يهودية شرعية اسمها إسرائيل.

وحول الانقسام الفلسطيني، قال د.بشارة إن المسألة ليست صراعا بين أخيار وأشرار، بل تكمن المسألة في أن فريقا يتصور أن عملية السلام تؤدي إلى دولة فلسطينية عاصمتها القدس. وقال: "الآن وبعد 17 عاماً ألم يحن الوقت للتوقف عن هذا الاعتقاد. فالاستيطان ازداد ثلاث مرات، القدس تخرج من الصورة، والتخلي عن الكفاح المسلح جعل إسرائيل تتمادى كثيراً، المقترحات الأمريكية لن تصل إلى حدود 67، ولا تشمل حق العودة".

وأضاف د.بشارة أن هناك طبقة سياسية نمت لها مصالح مرتبطة بما يسمى بـ"العملية السياسية"، ولا تستطيع أن تستمر دون العملية السياسية، وهي مرتبطة بها كما كانت مرتبطة بأنظمة عربية، والآن هي مرتبطة بما يسمى نظام عملية السلام، وهو ذو تمويل أوروبي واحتضان من محور دول الاعتدال العربي وإسرائيل.

واعتبر ذلك ليس مبررا لحرب أهلية، وأكد أن النقاش ليس بين "ظلاميين" و"متنورين" أو بين التدين والعلمانية، وإنما القضية هي من مع الاحتلال ومن ضده. وأشار في هذا السياق إلى أن الورقة المصرية المطروحة ليست اتفاقا للوصول إلى الوحدة الوطنية، وإنما المطروح هو إجراء انتخابات، رغم أنه لا يوجد شعب تحت الاحتلال يذهب إلى الانتخابات في اتجاه معين أو المساومة على لقمة الخبز، وبالتالي لا يمكن الذهاب إلى الانتخابات ليفوز فيها طرف بالاتفاق مع العالم بواسطة الحرب والحصار.

وفي ختام محاضرته قال د.بشارة: "قيادة تحترم نفسها بالحد الأدنى تقول إنه تريد ضمانات من الرباعية؛ الولايات المتحدة وروسيا والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة، وتشترط أن تعترف بنتائج الانتخابات مهما كانت". لافتا إلى أنه من غير المعقول أن الشعب الفلسطيني لا يريد حق العودة والقدس. وأكد بالتالي على أن الالتزام يجب أن يكون بالوحدة الوطنية وليس الذهاب إلى الانتخابات.

وخلص إلى أن "ما نعيشه هو تحصيل حاصل لوضع الأمة العربية، قضية فلسطين هي قضية عربية وليست قضية الفلسطينيين، وبدون أن تكون قضية فلسطين عربية لا تكون قضية فلسطين، وتكون قضية الفلسطينيين..ففلسطين برمتها هي القضية، وليست القدس فقط، العقلية التي تقول أن القضية الفلسطينية هي قضية الفلسطينيين هي نفس العقلية الحاكمة في الدول العربية، والتي تقول أن الفقر هو قضية الفقراء، والصحة قضية المرضى، هذه العقلية لا يمكنها بناء أمة".

التعليقات