د. عزمي بشارة في مقابلة شاملة لـ "يديعوت أحرونوت": لن أسمح لنفسي ولا أريد أن أكون متهما صغيرا لديهم

لا يقبل أن يحقق معه الصغار: هو الذي يحدد قوانين اللعبة، ويهاجم الصحافة العبرية ويصفها بالقبليّة. ويؤكد أن التجمع قوي بما فيه الكفاية لمواجهة التحديات.

د. عزمي بشارة في مقابلة شاملة لـ

هذا ما قاله الدكتور عزمي بشارة في مقابلة مُطولة تنشرها معه صحيفة "يديعوت أحرونوت" في ملحق "7 أيام"، وهو أول حديث صحافي لبشارة مع وسيلة إعلام عبرية منذ مغادرته البلاد أواخر آذار الماضي والتهم الأمنية الخطيرة التي بلفقها جهاز "الشاباك" ضده. وأجرى الحديث، بناءً على طلب الصحيفة العبرية، الزميل أسعد تلحمي، محرر "فصل المقال" سابقاً ومراسل "الحياة" اللندنية في إسرائيل. وتمت المقابلة في العاصمة الأردنية عمان، الأسبوع الماضي.

وتابع بشارة: "لن تستطيع شرطة إسرائيل أن تحيك لي ملفّا. فالسمعة تُبنى على مدى سنوات وسنوات، والجميع يدرك صفائي واستقامتي الاجتماعية". وزاد: "ليتني كنت أعرف كيف أفيد بيتي ماديًا. ليست لي أملاك ما عدا دار اشتريتها بواسطة قرض إسكان ("مشكنتا"). لستُ ضد مستوى معيشة عال، ولكن مستوى معيشتي عادي. إذا كنت أخشى شيئًا، فهي الأجواء التحريضية ضدّي، والتي يمكنها أن تدفع أشخاصًا للتصرّف والعمل".

وأكّد بشارة أنّ المؤسسة الإسرائيلية "عبر ذراعها المخابراتية تحاول أن تحيك لي ملفًا، وأن يحوّلوا أمورا بديهية مثل محادثات شخصية وأقوال قلتها بشكل شخصي إلى تهم خطيرة. إنهم يبغون تحويل تصريح سياسي كأنه إعطاء معلومات". وسخر بشارة من الادعاءات بأنه "قدم المساعدة للعدو أثناء الحرب"، وقال: "لست رجل أمن، ولست رجل تنظيم سري ولا أنتمي لحركات مُسلّحة، فالحديث هنا عن أكاديمي ورجل فكر ونصوص ومحاضرات وكتب".

وجاء في التقرير، تلخيصًا لأقوال بشارة، أنّ "مفهوم الواقع لدى بشارة ثنائي اللون، أبيض وأسود. إنه ممثل الأقلية العربية المغبونة والمسلوبة. من الناحية المقابلة تقف المؤسسة الصهيونية، عظيمة الجبروت، فارغة الصبر، وهي تلاحقه في الأعوام السبعة الأخيرة، والآن قررت أن تجرد الحساب معه". وعن تلفيق شبهة "العميل الأجنبي" قال بشارة: "بإمكانهم أن ينعتوا من يريدون عميلا أجنبيًا، لكن أية معلومات أمنية أملك؟ إذا كان لا بدّ، فإنّ بإمكان "حزب الله" أن يبيعني معلومات، حيث أنّ لديه معلومات كثيرة عن أمن إسرائيل، أكثر بكثير مما يعرفه عضو كنيست عادي- بالأحرى إذا كان عضو كنيست عربيًا مُقصىً عن معلومات كهذه".

وأضاف: "قلت في المكالمة التي سجّلوها: كيف تسقط الصواريخ على قرى عربية؟ إننا نفهم، من وجهة نظر "حزب الله"، أنه يهاجم حيفا، لكن لماذا يطلقون على قرى عربية، ماذا يحدث هنا؟ إنه حديث يومي تبادله كل عربي وعربي في تلك الأثناء. فهل هذا نقل معلومات لـ "حزب الله"؟ ألم يعرف "حزب الله" أنّ صواريخ تسقط على قرى عربية؟ عندما أتحدث مع صديق هو صحافي أيضا، فكيف يجب أن أتكلم معه؟ لقد حكى لي عمّا يحدث في صور وصيدا وأنا نقلتُ له ما يجري هنا، وبغضب أحيانا. وهنا هم تنصّتوا، ومن خلال اختراقهم لأموري الشخصية حوّلوا الغضب الشخصي إلى غضب علني. ما هذا الهراء"؟
وكشف بشارة أنّ هناك إسرائيليين عملوا في الصحافة الإسرائيلية وفي صحافة أجنبية تحدّثوا من كريات شمونة مع صحافيين لبنانيين ونقلوا مهاتفةً معلومات لم يكن مسموحًا النشر عنها في تلك الساعة".

وأوضح بشارة أنّ رفضه تقديم تسويغات لموظفين صغار تطاولوا على قائد ومفكر هو ما يدعوه إلى إرجاء العودة، مؤكدًا أنها أكيدة وأنّ مكوثه في الخارج لن يدوم سوى بضعة أشهر. وأضاف: "تفاجأتُ من الهجوم والنشر عنّي. شكل الحملة ضدي هو ما خلق لديّ أفكارًا بعدم لعب هذه اللعبة. وفي الحقيقة، عندها بدأت أفكر بتأجيل عودتي إلى البيت". وتابع: "هناك 20 صيغة ممكنة كيف سأعود إلى البلاد، لكنني لن أعود أبدا كمجرم أمني يسوغ مواقفه إزاء التهم الموجهة ضده. عليهم في إسرائيل أن يواجهوا أفكاري، ومناقشتها وانتقادها، وأنا أناقش وأنتقد أفكارهم. إنّ محاولة الضرب تحت الحزام وتحويل علاقاتي الثقافية-السياسية-الشخصية مع العالم العربي لعلاقات أمنية، هي محاولة لفرض شكل آخر للعبة، ليضمنوا بموجبه فوزهم في الحلبة التي يعتقدون أنهم سيفلحون بها. ولذا، فإنني أمسك بزمام المبادرة، وكذلك أختار الحلبة، فأنا أيضا أحسن اختيار الحلبة".

وتطرق بشارة إلى المتطاولين عليه وقال: "إنني أعرف مدى الشجاعة الروحانية، السياسية والفيزيائية، لدى كل أولئك الذين يهاجمونني وما هو مستواهم. لقد شرع هؤلاء في الحديث "أن هرب أو لم يهرب"، وينتظرون أن أشرع في تبرئة نفسي والدفاع. إنهم لا يدركون مع من يتحدّثون". وعن السّجال الإسرائيلي الداخلي في قضيته قال بشارة: "لتفتح أسوار الغيتو قليلا. لينظروا حولهم. يتحدّثون العبرية، ويقرؤون العبرية، يتكلم الواحد مع الآخر، يصنعون تاريخًا، ولا ينتبهون إلى أنّ أحدًا لا يسمعهم. إن الأمر، ببساطة، لا يصدّق كم أنّ عالم هؤلاء صغير. يظنون أنه إذا ما تحدثوا فيما بينهم وأقنع أحدهم الآخر بأنّ الشخص السيء هو بشارة، علمًا أنّ كل العالم يدرك أنّ السيئين هم من قتلوا الأطفال في لبنان في بداية الحرب. كثيرون في العالم يعتقدون أنّ النقاش هو ليس فينوغراد وما إذا كانت إسرائيل لم تربح الحرب بسرعة أو أنها لم تنتصر أبدا ومن المسؤول عن هذا، إنما على من قتل الأطفال في جنوب لبنان ولماذا. هذا هو النقاش الحقيقي".


وعن الصحافة العبرية قال بشارة: "إنها بوق قَبَليّ. أرِني أين الرأي الآخر في وسائل الإعلام الإسرائيلية. متى سمع رأي آخر في زمن الأزمات؟.. في الإعلام العربي ظهر الكثير من الآراء في زمن الحرب. مع وضد "حزب الله". لقد نضجنا منذ أكتوبر 2000. يتبارى الصحفيون اليهود في ما بينهم أيهم يخلق عدم شرعية العربي العدو أكثر. وكذلك التحذلق. تحول كل واحد، هكذا فجأة، إلى فيلسوف في الجيش ويقترح ماذا يجب عمله. كل هؤلاء الحكماء يساوون قرشاً، الذين يظنون أنه مسموح لهم كونهم يكتبون، أن يقولوا كيف يجب محو بنت جبيل. أما الآن، فليشتغلوا بعزمي بشارة، وليقولوا كيف يجب عليه أن يجلس وإذا كان سيأتي بالقيود أم بدونها. إنهم يتعاملون معي كعدو، وليس كجزء من المجتمع. من يتعامل معي كعدو أعامله كعدو. الحملة ضدي كلها غير ديمقراطية بل تقترب إلى الفاشية".


"لا أعتقد أنهم سمعوا في الكنيست عرضا للقضية الفلسطينية بهذا الشكل الواقعي. هكذا أدركتُ أنّ المسألة ليست في عدد الخطابات وإنما نوعية تأثيرك وكم هي مهمة أقوالك.

"هناك لاحظوا خطري. بعض الأعضاء في الكنيست هناك هم عديمو المعرفة، لا رائحة لهم ولا طعم. ليس مريحا التعامل معهم أو استعداؤهم. هؤلاء لا يملكون شيئا سوى الذمّ والشتم والهراء. خلقت موقعا يمكن منه رؤية المشروع الصهيوني الذي أرى إليه مشروعا كولونياليا، كما أرى إلى تلوّن اللبراليين في داخل المؤسسة، وكذلك الديمقراطية التي رأيت فيها ديمقراطية قبلية - إثنية".

".. ليس فقط في الحرب، كذلك في الأشهر الأولى للانتفاضة لم أشأ أن أكون في الكنيست. إنك تجلس مع أشخاص يديرون حربا مع الفلسطيني في الضفة والقطاع، وتراهم والدم على أياديهم يتحدثون عن الدم على الأيدي الفلسطينية. كذلك فإنّ هنالك صعوبة فيما يتعلق بالرموز، فنشيد "هتكفا" هو عبء، والصعود إلى المنصة لإلقاء اليمين هو عبء، لكنني كنت أعرف أن هذه هي بطاقة الدخول.

"لا أظن أنّ دخولي إلى الكنيست هو أمنية حياتي. لا أريد أن أكون وزيرًا. والتجمع الوطني لا يبغي أن يكون جزءًا من الإئتلاف في حكومة إسرائيل. يظنون أنّ كوني أجلس في الكنيست يدلّ على تسامحهم، وكوني أحصل على مواطنة إسرائيلية كأنني ضيف عندهم ويجب أن أتصرف بموجب ذلك. إنهم لا يفقهون أنّ حقيقة قبولنا الجلوس في نفس المكان الذي يتواجد فيه أناس قتل بعضهم أشخاصا بأيديهم هو تنازل منّا".


"مستقبل "التجمع" لا يجب أن يكون متعلقا باستقالتي أو بالتحقيقات ضدي. لن يحصل للتجمع ما حصل لأحزاب عربية أخرى. يسعدني أن يتواصل السير في طريقي والعمل بأفكاري ولكن هذا ليس واجبًا. أتوقع أن يحاولوا ثانية منع "التجمع" من خوض الانتخابات القادمة. إذا ما اختارت دولة إسرائيل ألا تتيح للتجمع خوض الانتخابات، فإنها في الحقيقة تدفع بالجماهير العربية إلى خارج البرلمان."


"إنني أقول إنّ المجازر وقتل المواطنين ليس الاستثناء إنما هو السائد في الإستراتيجية الإسرائيلية. ويتحدثون برغم ذلك عن طهارة السلاح. منذ العام 1948، ومنذ العمليات الانتقامية للوحدة 101 والتي هي المثل الأعلى للمحارب العبري. إنه أرئيل شارون. المسّ بالمواطنين لردع الآخرين عن تأييد المقاومة أو الفدائيين. معاقبة المواطنين هي استبداد، وهو مستمر في المناطق الفلسطينية المحتلة، بيت حانون مثلا".

"في سورية ولبنان لنا ثقافة مشتركة وقومية مشتركة. نحن شعب واحد ونريد أن نطوّر علاقاتنا معهم لتصبح علاقاتٍ خاصة وليس جسرًا للسلام بالتحديد بل جسر إنساني-إنساني، وقومي-قومي. معظم أعضاء الكنيست اليهود يتحرّقون للزيارة هناك. العلاقات بيننا والرئيس بشار الأسد مؤسسة على احترام متبادل. أجالسه لأنه متواضع بما فيه الكفاية ليسمع آراء أخرى. إنّ قدرته على توقيع اتفاق سلام مع إسرائيل أكثر بكثير من أولمرت، هذا واضح، فهو أقوى كثيرًا مما كانه براك ومما كانه نتنياهو. إنه زعيم أصغر سنّا منهم، مؤهّل ومنفتح ولديه ثقة بالنفس تجعله يتخذ قرارات مصيرية أكثر منهم. التضامن مع هذه الدولة ضد الاحتلال الإسرائيلي هو أمر مستوجب.

"لا يطيق الإسرائيليون لقاءاتي هذه. فبالنسبة لهم لا يجوز للعربي أن يطمح بأكثر من أن يكون نائبا لوزير، أو مساعدًا لبروفيسور إسرائيلي، أو عضو كنيست يؤيّد أحد مرشّحي حزب "العمل" للانتخابات التمهيدية."

التعليقات