د. بشارة يحذر من الالتفاف على مطالب الثورة في إسقاط النظام والتحول الديمقراطي

المؤسسة الأمنية غير مؤتمنة على التحول الديمقراطي وحتى لا تتحول الثورة إلى اعتصام يجب مناقشة التصعيد وتثوير قطاعات شعبية أخرى فالثورة قطعت نصف الطريق والنظام يترنح

د. بشارة يحذر من الالتفاف على مطالب الثورة في إسقاط النظام والتحول الديمقراطي
حذر المفكر د. عزمي بشارة مساء اليوم، السبت، من محاولات الالتفاف على الثورة المصرية ومطالبها المتمثلة في إسقاط النظام والتحول الديمقراطي، كما حذر من أن المؤسسة الأمنية غير مؤتمنة على التحول الديمقراطي، مؤكدا على ضرورة دراسة تصعيد الثورة وتثوير قطاعات شعبية أخرى ووضع استراتيجية ماذا بعد حتى لا تتحول إلى مجرد اعتصام.
 
واعتبر د. بشارة، في حديثه مع قناة الجزيرة، استقالة قيادات الحزب الوطني الحاكم أنها ناجمة عن الثورة والزخم الجماهيري، وبالمنظور التاريخي فهي تراجع من قبل المؤسسة حيث أدركت أنه لا يمكن التعامل مع الناس بالأدوات القديمة. ومن ناحية أخرى فإن ذلك يعني أن هذا الجناح قد ضعف والنقمة الجماهيرية انصبت عليه، خاصة بعد استقالة الحكومة الجناح الثاني، وبقي الجناح الثالث وهو المؤسسة الأمنية بقيادة عمر سليمان.
 
ويضيف أن سليمان، وهو أحد أركان النظام الحالي، يستغل الثورة لكي يعزز نفوذه، مشيرا إلى أنه ليس ديمقراطيا، كما أنه سبق وأن عمل ضد حركات التحرر والديمقراطية في المنطقة. وهو يستغل صلاته وعلاقاته ببعض القوى السياسية ليظهر بمظهر النظيف، ويتم بذلك التضحية بالآخرين بضمنهم شخصيات لم يسمع عنها أنها من رموز الفساد، لأن ذلك يسهل على المؤسسة الأمنية.
 
وحذر د. بشارة من أن هذه الاستقالات ليست بالضرورة إصلاحية، وإنما فرصة للمؤسسة الأمنية للظهور بمظهر مختلف، ولن تكون إصلاحية إلا إذا استمر التصعيد في الشارع. كما لفت إلى تزامن الظهور بمظهر محاربة الفساد مع حملات الاعتقالات، التي تطال الصحافيين أيضا، وفي الوقت نفسه الضغط على الثورة واختراقها بطابع تسووي وتهدوي لإقناع الناس بالعودة إلى بيوتهم.
 
وأكد على أن القضية الآن هي التحول إلى النظام الديمقراطي، محذرا من أنه حتى لوجرت انتخابات في ظل سيطرة المؤسسة الأمنية / المخابرات فإن الأخيرة تستطيع السيطرة على العملية الانتخابية، وبالتالي لن يحصل أي إصلاح ديمقراطي، أي أن الانتقال إلى المؤسسة الأمنية لا يعني الانتقال إلى الديمقراطية.
 
وأضاف د. بشارة أن السلطة الآن بيد رئيس الحكومة أحمد شفيق، ونائب الرئيس سليمان، مشيرا إلى أن عدم استقالة مبارك ليست مسألة عناد شخصي، وإنما صراع على النفوذ وعلى مصالح المجموعة الحاكمة ومحاولة تخطي الثورة الحالية وإرضائها بفتات. ولم يستبعد في هذا السياق أن يقال أن جمال مبارك لن يترشح ومبارك سيرحل، وبالتالي فإنه تجري تلبية المطالب ولم يعد هناك حاجة للنزول إلى الشارع، بيد أنه حذر من أن وقف الثورة يعني أن التغييرات ستكون سطحية فقط.
 
وشدد على أن الجزأ الأسوأ في النظام هو المؤسسة الأمنية المتمرسة بالقمع واختراق الصحافة والإعلام، وعليه فإنه يجب مواصلة الثورة حتى لا تسيطر المؤسسة الأمنية خاصة وأن سليمان غير مؤتمن على الإصلاحات الديمقراطية، وبالنتيجة فهو ليس طرفا في الحوار، وإنما يمكن التفاوض معه فقط على أساس وضع شروط واضحة والالتزام بها وقبول الانتقال بوجود رئيس المحكمة الدستورية.
 
وأضاف د. بشارة أن شباب مصر قد خطوا خطوة كبيرة، وحتى لا يكونوا عرضة لمن يحاول أن يركب الموجة، فيجب التفكير بشكل جدي حتى لا تتحول الثورة إلى اعتصام.
 
وقال إنه ربما قد يكون ما حصل في الحزب الحاكم تغييرا حقيقيا، علما أن المؤسسة الحاكمة في مصر تتألف من أسرة حاكمة ومقربين ورجال أعمال وإعلاميين، وبالتالي فإن الحزب ليس مؤسسة أيديولوجية أو ثورية، وإنما رابطة مصالح توزع المصالح وتتعامل مع السلطة كغنيمة.
 
وردا على سؤال بشأن دعوة الجيش للمتظاهرين بالعودة إلى بيوتهم، أجاب بأن هذا كلام سليمان ومبارك، مشيرا إلى أن الجيش لا يزال جيش النظام حيث لم يقم الشعب بوضع خيار أمام الجيش، كما حصل في تونس، وهو يستطيع أن يناور حتى اللحظة، كما أن المؤسسة الأمنية تنتقد مبارك بالتقسيط، ويتزامن ذلك مع التسريبات حول ثروة مبارك، وبالتالي من غير المستبعد أن يقترح سليمان التحقيق في هذه القضية.
 
وردا على سؤال بشأن الحوار مع النظام وتشكيل ما أسمي بـ"لجنة الحكماء"، استغرب د. بشارة التسمية مشيرا إلى أن حركة الشباب ليست "هوجاء"، وأنه رغم وجود مثقفين حقيقيين بين أعضاء اللجنة إلا أن ذلك لا يعني التوجه إلى النظام وتقديم اقتراحات وسماع سيناريوهات. وأكد على أن الثورة المصرية بحاجة الآن إلى قيادة مثقفة تساهم في وضع استراتيجيات، وليس لجنة حكماء.
 
وأضاف أن ثورة غير مسبوقة بهذا الكم والزخم وحتى لا تتحول إلى اعتصام فهي تحتاج إلى استراتيجية ماذا بعد، وأن تناقش التصعيد وتثوير قطاعات شعبية أخرى، مثل طلاب الجامعات مثلا. وقال إن هذا هو دور المثقفين، فالثورة ليست مأزقا، ويجب ألا يتعاملوا مع الثورة على أنها مأزق يطرحون المخارج منه، وإنما يجب إيجاد الطريق الصحيح واستكماله للتحول الديمقراطي، فالمسألة تحتاج إلى تصميم واستمرارية ووضوح، والنصر واضح وكل الشعب معهم في حين أن النظام يترنح، ولذلك فالشباب بحاجة إلى الاستمرار لكي ينتصروا، وليس إلى المزيد من الإرباك.
 
وردا على سؤال بشأن تصريح مبعوث الرئيس الأمريكي إلى مصر بأن بوادر الحل تلوح، لفت إلى أن ما أخذ عن "رويترز" ليس دقيقا، حيث نقل عنه أن مبارك يجب أن يبقى في الحكم لتوجيه التغييرات اللازمة للانتقال السياسي. وقال د. بشارة إنه من الواضح بالنسبة للأمريكيين أن سليمان وشفيق يديران السلطة، وأن مبارك يجب أن يبقى في الحكم للتوقيع على الدستور.
 
واعتبر د. بشارة أن ذلك كلام خطير، مشيرا إلى أن هناك مجموعة تسعى للبقاء في الحكم أطول فترة ممكنة لترتيب أمورها وعلاقاتها مع الغرب، وبالتالي فهي ليست مؤتمنة على التحول الديمقراطي.
 
وختم حديثه بالقول إن الرد على ذلك هو يوم غد، فهيبة الشارع هي التي تجعل الغرب يتخلى عن مثل هذه المناورات، وعندما يخرج الشعب إلى الشارع فإن هذه تصبح مجرد تفاصيل، وحتى الجيش يحسم أمره، فالثورة قطعت نصف الطريق، ولكنها لم تصل مبتغاها بعد.

التعليقات