ميسي يذهل العالم الكروي/ فايد بدرانة

في مباراة فريقه برشلونة أمام سيلتا فيغو مساء الأحد، فتح ليونيل ميسي مساحات أخرى للاحتمالات الممكنة في التفكير، الإبداع والتنفيذ الكروي

ميسي يذهل العالم الكروي/ فايد بدرانة

النجم الأرجنتيني ليونيل ميسي (أ ف ب)

في مباراة فريقه برشلونة أمام سيلتا فيغو مساء الأحد، فتح ليونيل ميسي مساحات أخرى للاحتمالات الممكنة في التفكير، الإبداع والتنفيذ الكروي.

في مقال سابق لي كنت قد قمت بمحاولة لتحليل وعرض الجدل الدائر حول مكانة ميسي كأفضل لاعب في تاريخ كرة القدم العالمية مقابل قلة إنجازاته مع منتخبه الوطني، وإلى جانب الخوض في مكانة الانتماء والهوية ودور رأس المال، وخضت أيضا في عامل هام وهو امتلاك اللاعب لفكر ورؤيا شاملة في الملعب والتي تمكن اللاعب العالمي من وضع بصماته على تاريخ ألعاب كرة القدم كلاعب قيادي ومفكر.

في المباراة أمام سيلتا فيغو، نجح ميسي برفع السقف الكروي أمام اللاعبين، المدربين، النقاد وجماهير كرة القدم، فقد قدم ميسي لعبا قياديا اتسم بقراءة شاملة للملعب وكانت هناك تجليات كثيرة لهذه القراءة، إلا أنني  أود التوقف عند ٣ حركات تجعل اللاعب يتفوق على نفسه وقلب الطاولة على الكثير من المألوف في صناعة اللعبة،.ففي هذه المبارة منح ميسي مادة أخرى لشعار "سحر كرة القدم" ليتحول الشعار إلى سحر حقيقي.


الحركة الأولى وهي ضربة جزاء حرة، لقد ظل باب التسجيل في هذا النوع من الضربات عند ميسي محدودا، وقد تميز فيه لاعبين كبار كبلاتيني، روبيرتو كارلوس، زين الدين زيدان ومارادونا وآخرون، لكن قد يكون أكثر الأسماء أهمية في سياقنا الحالي هو كريستيانو رونالدو منافس ميسي في اللعبة بكل مستوياتها وبطولاتها، ويعتبره الناقد واحد من أبرز اللاعبين الحاليين في تسديد هذه الضربات.

وفي المباراة الأخيرة استطاع ميسي أن يسجل هدفا مذهلا من ضربة حرة، فقد تألق في قوة التسديد، الشكل والمسار، جمالية تحاكي المثالية الممكنة في ضربات كهذه، ليثبت للجميع أن هذه التسديدات ليست حكراً على أحد.

ولم تكن المرة الأولى التي يسجل فيها ميسي هدفا من ضربة حرة، لكن هذه المرة كانت الضربة  مكتملة لتُثَبّت أحقيتة بمنافسة الاسماء الكبار التي سبق ذكر اسمها في هذا النوع من التسديدات تحديدا، وبهذا التنفيذ والأداء تكون قد وصلت كريستيانو رونالدو ومدربه الجديد زين الدين زيدان رسالة مفادها إن ميسي يملك الكثير من طاقات التجدد.

الحركة الثانية كانت تمريرة نموذجية ومثالية بأسلوب " التسقيط" أو " الشقلة" بالعامية، وهي تعكس تحكما نهائيا بالمحطة النهائية للإرسال بشكل دقيق، وهي تذكرنا باستلام الكرات الذي عرف وتميز بها زيدان ومارادونا وهي تمريرات متقنة تعكس بُعدا قياديا وفكريا في مجال كرة القدم، وهي تُوسع مساحة لقب صاحب التمريرات من لقب الهداف إلى لقب صانع ألعاب الفريق.

وأظهر ميسي من خلال هذه الحركة الإضافات النوعية الممكنة لمسيرته الكروية مع برشلونة، حيث تلقي كرة وفي لمح البصر كان قد قرأ خارطة منطقة الجزاء كاملة ومرر تمريرة قوسية دقيقة للغاية للويس سواريز، إذ لم يكن سواريز بحاجة لملاحقتها أو الاجتهاد لالتقاطها، فقد كان الإرسال من ميسي مبرمجا مفصلا ونهائيا لحذاء سواريز ولم يتبقى أمامه سوى التسديد والتسجيل.

الحركة الثالثة كانت عبارة عن ضربة جزاء ليس أكثر، فما يمكن توقعه من ضربة جزاء؟ لاعب وحيد أمام حارس مرمى، وإمكانيات الدراما المحتملة من ضربة جزاء قد تكون معدومة، التسديد لخارج المرمى، التسجيل أو التصدي من قبل الحارس، لكن ميسي اختار أن يحول ضربة الجزاء إلى حديث العالم وخلق حالة أو صورة جديدة لضربة الجزاء مع امتلاك عناصر المفاجئة، فأن تعرض خطة لضربة جزاء بدل أن تكون ضربة روتينية غالبا ما تنزع من المباراة أجواء الإثارة والمنافسة، إلا أننا نرى العكس تجاه قيام ليونيل ميسي بتحويل ضربة الجزاء لحدث عالمي.

وقام ميسي بتمرير ضربة الجزاء إلى سواريز وقد بدا الأمر وكأنهما بوجبة تدريبية وبظروف مخبرية خالية من الخصم، فبدل أن يقوم بالتسجيل، يتقدم مع الكرة وركلها جانباً إلى سواريز والأخير يقوم بالتسجيل.

وفي الحركات الثلاث عموماً والأخيرة خصوصاً، يقدم ميسي رسالة لريال مدريد ولمدربه وللمنافسين في دوري أبطال أوروبا بأن ميسي ما زال رقما صعبا وإن على زيدان إعادة حساباته في فترة الانتقالات من خلال التعاقد مع لاعبين جدد، وهو كذلك يعبر عن أهمية اللعب الجماعي وإنجازات اللعب المشترك بعيدا عن الأنانية والذاتية النرجسية، ففي هذه المباراة وبهذه الحركات يعرض ميسي قدرات جديدة مع ازدياد عدد نقاده ومع كثرة الأنباء التي تتحدث عن إمكانية مغادرته لبرشلونة.

ويعبر ميسي عن الممكن الذي قد يبدو غير ممكناً في كرة القدم، ويرفع السقف أمام عالم كرة القدم في حين يعتقد الكثيرون أن كرة ميسي وصلت إلى سقفه ويقترب من نفاذ ذخيرته، وفي مباراته الأخيرة وتحديدا في حركاته الثلاثة عموماً والأخيرة خصوصاً قدم ميسي خرقا لمفاهيم كرة القدم بصورة الأداء اللا طبيعي، حيث قدم نضوجا في فكرة كرة القدم الشمولية وعلى هذا النضوج ان يستمر.

أمام هذه العبقرية في فريقه برشلونة أتوقع أن تتزايد الضغوط على ليونيل ميسي ليقدم ما هو مطلوب ومتوقع منه لمنتخب بلاده الأرجنتين.   

التعليقات