17/02/2019 - 12:24

العراق: الشركات الناشئة تحاول استبدال القطاع العام المتردي

بدأ ظاهرة انتشار الشركات الناشئة الخاصة في العراق عام 2013، وتصاعدت تدريجيا إلى أن أصبحت شريحة الشباب تعتمد عليها لإيجاد فرص للعمل في ظل تردي القطاع العام

العراق: الشركات الناشئة تحاول استبدال القطاع العام المتردي

(أ ف ب)

بدأ ظاهرة انتشار الشركات الناشئة الخاصة في العراق عام 2013، وتصاعدت تدريجيا إلى أن أصبحت شريحة الشباب تعتمد عليها لإيجاد فرص للعمل في ظل تردي القطاع العام. 

وواجه القطاع عقبات كبيرة منذ انطلاقه، أكبرها اجتياح تنظيم "داعش" الإرهابي للعراق، مما أبطأ مسارها، لكنها عاودت للازدهار بعد طرد التنظيم، وعادت مساحات العمل المشترك وحاضنات الأعمال لتساعد عشرات الشركات على البروز.

وكان القطاع العام في العراق يستوعب كل الخريجين سنويا خلال عهد الرئيس الأسبق صدام حسين، لكن الأمر بات يستغرق اليوم سنوات بسبب انتشار الفساد على نطاق غير مسبوق، والذي تزامن أيضا مع سعي القطاع الخاص لإيجاد مكان له. الأمر الذي دفع الشباب إلى البحث عن بدائل، والشركات الناشئة أصبحت من أهمها.

وفي العاصمة بغداد، فإن المكان المفضل للقاء الشباب الطامحين لإطلاق أعمال ناشئة، هو "المحطة"، بناء مكعب زجاجي مغطى بلوحات صفراء، حيث يمكن احتساء القهوة، شراء الكتب، أو استئجار مكتب إلى جانب نحو عشرين من رواد الأعمال الشباب.

وفي مدينة الموصل بشمال العراق، فإن "موصل سبيس" (مساحة الموصل) بات المكان المخصص لإيجاد الاستشارات والمعدات والدعم لدى صالح محمود، ابن الطبيب البالغ من العمر 23 عاما الذي قرر التوجه إلى الهندسة، بعدما أمضى أربع سنوات على مقاعد الكلية، قرر محمود ألا يسير على خطى رفقائه "الذين يفكرون في كيفية الحصول على واسطة لتوظيفهم في الحكومة".

وأشار الشاب في مقابلة مع وكالة "فرانس برس"، إلى أن "التعليم في الجامعة لم يكن يرضي شغفي، ليس تعليما نافعا يجعلك تعمل في ما تحب".

لذلك، فضل محمود إيجاد فرصته الخاصة للتوظيف في بلد تبلغ نسبة البطالة فيه بين الشباب، الذين يشكلون 60 في المئة من عدد السكان، 17 في المئة لدى الشبان، و27 في المئة لدى الشابات.

يقول إن "ما بين 600 و700 شاب حضروا بالفعل إلى موصل سبيس" لحضور مؤتمر أو بدء مشروع.

وفي أماكن أخرى من المدينة الشمالية التي لم تبدأ فيها مرحلة إعادة الإعمار حتى اليوم، يجلس مهندسان شابان خلف طاولات صغيرة متقاربة، ويصبان تركيزهما على الكمبيوتر المحمول أمامهما.

وعلقت على الجدران لافتات تظهر "مشاكل شباب نينوى"، المحافظة التي تعد الموصل كبرى مدنها، والتي لا تزال تعاني صدمة الحرب وصولا إلى نقص معدات الكمبيوتر. ووسط هذه الأجواء، يسعى رجل الأعمال الشاب يوسف النعيمي (27 عاما) وفريقه للاستجابة إلى طلبات العملاء.

وتعمل مؤسسة "دكاكينا" التي يديرها النعيمي، في مجال بيع الأجهزة الإلكترونية المنزلية عبر الإنترنت، وترسل يوميا شاحنات صغيرة لإيصال "ما بين عشرة إلى 15 طلبا" إلى أسر تعيد ترتيب منازلها بعد الحرب.

وأواضح مهندس الكمبيوتر الذي بدأ هذا العمل بعد ما كان هو نفسه من زبائن الشراء عبر الإنترنت حين فر إلى هولندا هربا من تنظيم الدولة الإسلامية، "عبر الانترنت ، نبيع أرخص من المتاجر لأننا نفقاتنا أقل، مثل استئجار صالة عرض مثلا".

قبله، كانت بداية مشروع "مسواق" الذي يعتبر مثالا للنجاح في العراق. فالعام الماضي أعلن القيمون على المشروع ربحا بلغ مئات آلاف الدولارات، بعد أربع سنوات من إطلاقه.

لكن الأهم ليس النجاح، بحسب ما يرى إبراهيم الزراري، أحد منظمي "ستارت أب ويك إند"، وهو حدث جمع 70 شابا على مدى ثلاثة أيام لإطلاق مشاريع جديدة، فأكد الزراري أنه "على الصعيد العالمي، لا تنجح سوى ستة في المئة من الشركات الناشئة، لذا فإن ما نقترحه على هؤلاء الشباب هو أن نوضح لهم ما هي ريادة الأعمال، ليس بالضرورة للنجاح، ولكن على الأقل للمحاولة".

وهنا كما في الحاضنات، يتم الترويج لمبدأين أساسيين، أولا أن القطاع العام متخم، وثانيا أن النفط ليس مصدر الدخل الوحيد الذي يجب أن يعتمد عليه العراق، ثاني أكبر منتج في منظمة أوبك.

ففي بلد يوفر فيه النفط أكثر من 65 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، وما يقارب 90 في المئة من عائدات الدولة، لا تؤمن المحروقات عملا سوى لواحد في المئة فقط من اليد العاملة.

وفي مشروع "المحطة" هناك محاولات "لخلق جيل جديد بذهنية مختلفة"، وفق ما قال المدير التنفيذي حيدر حمزوز.

وأضاف "نريد أن نقول للشباب إنهم يستطيعون البدء بمشروعهم، وتحقيق حلمهم، ليس فقط من أجل الحصول على وظيفة لم يريدوها أصلا".

يعتبر ذلك تحديا في العراق حيث معدل أربع وظائف من أصل خمس في السنوات الأخيرة، كانت عبر القطاع العام، وفقا للبنك الدولي.

لكن بحسب خبراء اقتصاديين، فإن هذا الاتجاه سينعكس لأن الدولة لن تكون قادرة على تحمل التكلفة على مدى طويل، وخصوصا أن رواتب الموظفين تشكل أكثر من نصف موازنة العام 2019.

رغم ذلك، فبالنسبة إلى كل رواد الأعمال الناشئين، الذين يتحدثون لغة عربية، يعلم الجميع بأن المهمة ستكون صعبة.

ويحتل العراق المرتبة 168 من أصل 190 وفق مؤشر البنك الدولي للبلدان التي توفر بيئة مواتية للاستثمار.

ولا تزال عملية تنقيح قانون العمل لمساواة حماية عمال القطاع الخاص مع القطاع الحكومي وتعزيز فوائدهم الاجتماعية، في أدراج الانتظار.

كما أن القطاع المصرفي، الذي لا يزال ضعيفا في العراق، يتوخى الحذر الشديد عندما يتعلق الأمر بدعم رواد الأعمال الشباب أو المشاريع الجديدة، بحسب ما تشير تمارا رعد الباحثة في موضوع الشركات الناشئة في العراق.

وأوضحت العراقية البالغة من العمر 26 عاما أن "للمصارف دورا لتمارسه وعليها تقديم قروض من دون فوائد ودعم رواد الأعمال الشباب".

ومع المصارف أو من دونها، فإن محمود سبق أن وضع خططه بالفعل للعام 2019، حيث قال "سنفتح مساحة جديدة أكبر، وسننظم لقاءات جديدة" بين المصممين والمطورين ورجال الأعمال.

التعليقات