03/03/2019 - 14:04

من أجل النهوض

تتشابه التّنظيمات اليساريّة في الضّفة الغربيّة وقطاع غزّة مع الأحزاب العربيّة في الدّاخل الفلسطينيّ في هشاشتها التّنظيميّة والبنيويّة.

من أجل النهوض

طارق طه

تتشابه التّنظيمات اليساريّة في الضّفة الغربيّة وقطاع غزّة مع الأحزاب العربيّة في الدّاخل الفلسطينيّ في هشاشتها التّنظيميّة والبنيويّة.

إن تراجع شرط الاحتواء وانعدام اشتراط العضويّة لكوادر تلك الأحزاب وهيئاتها المركزيّة قد يحوّلها إلى مركبة عموميّة في "كُل شوط راكب" مثلًا من سبّ "فتح" استوفى شرط القبول لليسار الكفاحيّ أو التّحرريّ، وفي الدّاخل الفلسطينيّ، دون قيد أو شرط، أبواب الأحزاب مفتوحة لكلّ متسلّق قد يرى في ذلك إطارا اجتماعيّا أو مصنع أموال أو منصّة نجوميّة، فهذا يؤشّر نحو ترهّل الحياة التّنظيميّة لتلك الأحزاب وتباعد عقد المؤتمرات الحزبيّة للنقاش السياسيّ والتّنظيميّ، فيصبح شيء قريب من العاديّ، زواج الشيوعيّ مع الانتهازيّ، ومن الطّبيعيّ تحالف الإسلاميّ والقوميّ، من أجل الوصول إلى الكنيست الصهيونيّ.

كفر كوادر اليسار بالسياسة حينما انسجم ذلك اليسار مع "اتفاقيات أوسلو" وحين انتابت اليسار حالة الجمود التي تشنّجت فيها أجسادهم مع انهيار المعسكر الاشتراكيّ أواخر الثمانينيّات، ترك البعض التّنظيم ولجأ البعض الآخر لمنظّمات غير حكوميّة، فوجد بعض الكوادر أنّ منظّمة التّحرير لم تعد تمثّله وتنظيمات اليسار ما زالت جزءا من منظّمة التّحرير، ففي فترةٍ من زمن الوجود ضمن منظّمة التّحرير، كانت أحزاب اليسار بمثابة برغي صغير جدًا في ماكنة المنظّمة، فتحوّل الحزب أو التّنظيم إلى الهدف وليس الوسيلة، وفي هذا السّياق لربما تقارُب الحالتين في مكانة الأحزاب التّنظيميّة في داخل أراضي 48 و 67، هي التي تدفع للكتابة من أجل المقارنة غير المتنافرة بينما المقارنة المتقاربة، الأحزاب العربيّة في الدّاخل الفلسطينيّ عالقة في ماكنة صنع القرار الإسرائيليّ "الكنيست دون التّأثير على القرار السياسيّ كما هو حال اليسار في منظّمة التّحرير الفلسطينيّة"، ليس من منطلقاتٍ مشبوهة سياسيًّا، بل من منطلقات ارتباطها العضويّ لضمان استمراريّة وجودها على خارطة السّاحة السياسيّة.

أما عن تطوير المشروع السياسيّ وترجمته لمؤسّسات مجتمع مدنيّ هو بحد ذاته عمل وطنيّ وخدماتيّ، فالاستقلال الاقتصاديّ بمعنى التّمويل للأحزاب السياسيّة هو ما يعرقل بناء المؤسّسات المجتمعيّة والثّقافيّة الوطنيّة.

إن بناء المجتمع المدني هو ما يُعزز تواصل الحزب مع الشّعب يوميًّا على نطاق بلدات ومناطق مختلفة، فلماذا إذًا لا تجتهد الأحزاب في بناء المؤسسات المستقلّة؟ أولًا، هذا مُتعب كثيرًا ويحتاج إلى استثمار طاقات كبيرة جدًا، وثانيًا قد يكون من المريح أكثر للأحزاب أن تكون الوسيط بين البلديّات والمجالس العربيّة وبين مكان صُنع القرار "الكنيست" لتحصيل مطالب وحقوق وخدمات وتمويل مشاريع، وهذا مهم جدًّا، لكن، على غرار أهمّيّته، فإن التّمويل من المؤسسة الحاكمة والمستعمرة في حالتنا الفلسطينيّة، مشروط في ضبط المضامين الثّقافيّة وأسرلة مناهج التّعليم الإجباريّة على العرب الفلسطينيّين داخل الأراضي المحتلة 1948.

فما هي تحدّيات الأحزاب السياسيّة العربيّة والوطنيّة؟ بناء المجتمع المدنيّ المستقل اقتصاديًا لكي يكون مستقل سياسيًّا، فماذا يتطلّب ذلك؟ أولًا، من الضّروريّ ليس فقط إدراك أهميّة ترسيخ الدّيمقراطيّة في ممارسة الحياة الحزبيّة والمجتمع الواقع تحت الاستعمار، بل أيضًا إبراز أهميّة إشاعة الحياة الدّيمقراطيّة كشرط في تنمية وتطوير النضال الوطنيّ والاجتماعيّ لبناء المجتمع المدني. ثانيًا، تنقيح الأحزاب داخليًّا هو أول مهام بناء المجتمع المدنيّ المستقلّ، لأن الأحزاب لم تعد تحتمل الاختلاف في داخلها، فإذا ما أخذنا بعين الاعتبار استفحال الشّخصانيّة والمركزيّة الشّديدة والفرديّة، يصبح واضحًا سبب ظاهرة التّشظي داخل الأحزاب وعدميّة الثّقة فيما بينها وبين الشّعب وفي حالة أخرى اهتزاز ثقة الكوادر الحزبيّة في قياداتها، وهو السّبب ذاته الذي يدفع الحزب ليصبح هدف بحد ذاته، معزولًا عن دوره كأداة تغيير وتمثيل ونضال وكبوصلة للتغيير السياسيّ والاجتماعيّ المطلوب.

 

التعليقات