31/05/2016 - 12:06

توجيهي بنكهة القهوة والشومر

لم أتأثر كثيرا بتلك الضغوط في البداية، ولكن عاداتي بدات تتغير بالفعل. أصبحت احب الاعمال المنزلية وفور عودتي من المدرسة أسأل امي إن كانت بحاجة لمساعدتي في شيئ ما، وكنت أمضي ساعة من وقتي امام التلفاز

توجيهي بنكهة القهوة والشومر

قبل ستة عشر عامًا استيقظت من النوم مستلقية إلى جانب السرير. ففي الحلم زلت قدمي عن درجات باب البيت، وكدت أقع على وجهي لولا أنني في تلك اللحظة وقعت عن سريري الذي كان يحملني بثقلي مضاعفًا مع ما يحمله عقلي من أفكار مرعبة فأنا طالبة توجيهي ، وماذا يعني ذلك، هي واحدة من أصعب التجارب التي قد يمر بها الطالب الفلسطيني خلال سني تعليمه. لهذا قررت ان اكتب هذا المقال ونحن على اعتاب امتحانات الثانوية العامة الوزارية التي ستقرر مصير (78523) طالبًا وطالبة هذا العام، ولاننا قد نودع هذا الشبح هذا العام لنلتقي بنظام جديد ستكون دفعة خريجي الثانوية العامة العام القادم حقل تجارب له.

تنقلب حياة الطالب رأس على عقب. ويبدا كل من حوله يزرع في داخله بذور الخوف، هذه هي السنة الأخيرة يجب أن تبذل مجهودا وتنجح ، هنا سيتحدد مصيرك. فاما ان تنجح وترتاد إحدى الجامعات الفلسطينية أو العربية او الدولية وكل حسب قدرته ورغبته، وإما ان ترسب لتعيش حالة من الذل والقهر والمساءلة، فمجتمعنا لا ينتظر نتائج التوجيهي لانه يريد فقط أن يطمئن على مستقبل ابنه او ابنته وإنما هناك الكثيرون ممن ينتظرون النتيجة لاسباب اجتماعية على رأسها ان مجتمعا باكمله يطالع هذه النتيجة.

لم أتأثر كثيرا بتلك الضغوط في البداية، ولكن عاداتي بدات تتغير بالفعل. أصبحت احب الاعمال المنزلية وفور عودتي من المدرسة أسأل امي إن كانت بحاجة لمساعدتي في شيئ ما، وكنت أمضي ساعة من وقتي امام التلفاز، وكنت اصر على تنظيف غرفتي تنظيفا شاملا كل يوم جمعة وأصر أيضًا على الخروج من البيت أيام الآحاد. وكنت انتهز كل فرصة لاترك الكتاب وأفعل أي شيئ بعيدًا عن غرفة التوجيهي.

في هذا العام كل شيئ مرتبط بالتوجيهي، كان من عادة امي ان تخصص لطالب التوجيهي غرفة فيها تتوفر أساليب الراحة، المهم بالنسبة إليها نجاح احدنا في ذلك العام، وكانت تعمد على اصطحاب أخواتي الصغيرات إلى خارج المنزل فيكون الجو هادئًا تماما لدراسة الامتحانات، في الغرفة كان لدي مذياع وفيه جيب مسجل كنت أحب الرقص كثيرا وعندما انهي دراسة احد امتحاناتي أرقص وأنظر إلى نفسي في المرآة فأرى نفسي جميلة جدًا تسحرني عيناي فاستمر بالرقص والنظر إلى نفسي والتفت إلى الكتاب وأقول متى سينتهي هذا العام ، حاولت مرارًا أن أتجاهل الضغط الواقع على كتفي من كل من حولي بأسئلتهم التقليدية كيف الدراسة يا دارين ؟ علمي والا أدبي يا دارين ؟ مشية حالك والا كيف يا دارين؟ وتنتهي الأسئلة بدعوة  يلا الله ينجحكم كلكم، طيب لماذا لا تسألوني عن ما بعد التوجيهي وماذا اريد أن ادرس واذا ما كنت احب ان ادرس في بلدي أم في الخارج يعني أعطو الامر قيمة تليق بحالة التهويل التي نعيشها مع كل مرة نرى فيها احد الأقارب أو الجيران يسالنا عن التوجيهي.

قبل أربعة اعوام خلال محادثة لنا عبر موقع التواصل الاجتماعي فيس بوك دعاني أستاذي لتناول فنجان قهوة الكتروني فهو في رام الله وانا في القدس وقد نفتعل شرب القهوة الكترونيا ليجامل احدنا الآخر، إلا انني وبكل تواضع رفضت القهوة وطلبت كوبا من الشاي فأنا أمقت القهوة التي يتغنى بها الشعراء ويبدأ ملايين البشر حياتهم اليومية بها ولا ينفك العالم عن تجربة أنواع جديد من هذا العقار المنبه فلماذا امقت القهوة؟

يعود ذلك أيضًا إلى تجربتي في التوجيهي فعلى الرغم من محاولاتي عدم التأثر بموجة الرعب الاجتماعية من حولي إلا أنني لا إراديًا وقعت في الفخ. وكنت احلم بالعلامات والنجاح والرسوب في بعض الاحيان. لم أكن أستطيع النوم. وعندما بدانا في امتحان الثانوية العامة الرسمي ( الوزاري ) أحجمت عن النوم، فقد ابت عيناي أن تغلقا لاكثر من ربع ساعة إلى نصف ساعة على مدار اليوم فأنا أرتعب من مجرد التفكير بانني لم اضطلع على تلك الوحدة او ذلك الجزء من الدرس او تلك التفصيلة، لماذا لا أتذكرها؟ فتعاود عيناي دورة السهر من جديد ويتجدد نهاري مع كل رشفة من كوب القهوة الذي أصبه من غلاية قهوة أحضرها في بداية الليل وترافقني حتى أجهز عليها واتوجه إلى المطبخ شاعرة بكل خلية من خلايا جسمي، تتحرك يدي تمسك الغلاية وتغسلها وتملؤها ماءًا من جديد لأصنع المزيد من عقاري المنبه واصطحب الغلاية معي إلى غرفتي لأستأنف دراستي، في بعض الأحيان اختلطت السطور ببعضها وتلاشت من امام عيني الاحرف، واستمر الحال حتى نهاية فترة الامتحانات الوزارية وبعد ذلك أقسمت ان لا اعاقر القهوة أبدًا.

ولكنني ساستمر باكل الشومر، اعتاد والدي ان يشتري سبعة كيلوغرامات من الشومر، وكنت اعشق طعمه وكنت اتناوله خلال دراستي ليلا ونهارًا ، وما ان تنتهي الكيلوغرامات السبعة حتى يحضر أبي غيرها، وكنت أستمع إلى إذاعة تبث أغاني ام كلثوم في كل ليلة وفي إحدى الليالي بدات ام كلثوم تغني الليل ودقة الساعة تصحي الليل وتعيد وتزيد وتعيد وتزيد حتى توقف عقلي تماما أمام هذا الإصرار على استمرار الليل ومتى سينتهي الليل، وينتهي كابوس التوجيهي، وابدأ نهارًا جديدًا بعيدًا عن التوجيهي وهاجس النجاح والفشل.؟

التعليقات