بتصعيد النضال الطلّابي وإحياء لجان الطلّاب العرب: التجمّع يختتم معسكره الطلّابي الثالث عشر

شارك في المعسكر العشرات من رفاق الحركة الطلّابيّة من كلّ الجامعات والكلّيات، واستمرّ المعسكر على مدار ثلاثة أيّام متواصلة ابتداء من يوم الجمعة (13-15 أيلول). شمل برنامجه العديد من المحاضرات في القضايا السياسيّة والاجتماعيّة المختلفة: التحدّيات أمام التجمّع والحركة الوطنيّة، مستقبل وواقع المشروع الوطني الفلسطيني، حركة التحرّر الوطني الفلسطيني وحركات التحرّر العالميّة، فرص نهوض اليسار العربي ومصير الثورة العربيّة إبان صعود الإسلام السياسي، قضايا الاعتقالات والملاحقات السياسيّة، وإشكاليّة الثقافي الفلسطيني.

بتصعيد النضال الطلّابي وإحياء لجان الطلّاب العرب: التجمّع يختتم معسكره الطلّابي الثالث عشر

اختتم التجمّع الطلّابي الديمقراطي مطلع الأسبوع الماضي، (15 أيلول/ سبتمبر)، معسكر الطلّاب الجامعيّين الثالث عشر بهمّة عالية لتصعيد النضال الطلّابي والشبابي داخل وخارج الجامعات، ونحو فرض لجنة الطلّاب العرب، وتنظيم الحركة الطلّابيّة الفلسطينيّة في الجامعات الإسرائيليّة.

شارك في المعسكر العشرات من رفاق الحركة الطلّابيّة من كلّ الجامعات والكلّيات، واستمرّ المعسكر على مدار ثلاثة أيّام متواصلة ابتداء من يوم الجمعة (13-15 أيلول). شمل برنامجه العديد من المحاضرات في القضايا السياسيّة والاجتماعيّة المختلفة: التحدّيات أمام التجمّع والحركة الوطنيّة، مستقبل وواقع المشروع الوطني الفلسطيني، حركة التحرّر الوطني الفلسطيني وحركات التحرّر العالميّة، فرص نهوض اليسار العربي ومصير الثورة العربيّة إبان صعود الإسلام السياسي، قضايا الاعتقالات والملاحقات السياسيّة، وإشكاليّة الثقافي الفلسطيني.

استضاف المعسكر عددا من القيادات التجمعيّة منهم الأمين العام عوض عبد الفتّاح، ورئيس الكتلة البرلمانيّة النائب د.جمال زحالقة، والنائب د.باسل غطّاس. وبرز حضور المحاميين منصور منصور وفؤاد سلطاني، والأسير المحرّر مُخلص برغال، كما شارك كلّ من الباحثين د. مهنّد مصطفى ود. نمر سلطاني.

تميّز برنامج المعسكر بالورشات وحلقات النقاش والمناظرات (الخوض في أسئلة: "هل يخوض التجمّع الطلّابي انتخابات نقابة الطلّاب "الأجودا"، و"30 يونيو: ثورة أم انقلاب") التي نظّمها الطلّاب المشاركون، حول لجان الطلّاب العرب، وكيفيّة تنظيم الطلّاب العرب في الجامعات والكلّيات الإسرائيليّة، والتحدّيات المفروضة أمام الحركة الطلّابية في معالجة قضايا الطلّاب العرب ومواجهة العنصريّة بكافّة أشكالها، وحول دور الطالبات في الحركة الطلّابيّة.

كما قدّم الناشطان في التجمّع الطلّابي الصحفي ربيع عيد (سكرتير سابق في جامعة حيفا)، والناشطة المحامية سهير أسعد (سكرتيرة سابقة في الجامعة العبريّة) مداخلات حول دور التجمّع الطلّابي وقضايا الطلّاب العرب التي يواجهها في ظل غياب لجان الطلاب العرب. وتحدّثت أسعد عن دور الطالبات في الحركة الطلّابيّة، وتطرّق عيد إلى دور ومستقبل لجنة الطلّاب العرب ودور التجمّع الطلّابي في تنظيمها.

غطّاس: "علينا الإستعداد دائمًا للنقد الذاتي، فالتعصّب هو عدوّ الفكر، والتعصّب للرأي بالضرورة يُفقد الحقيقة ويؤدّي إلى الجُمود"

تحت عنوان "التجمّع الوطني الديمقراطي: تحدّيات على المستوى الفكري والتجدي

د" قدّم النائب د. باسل غطّاس مداخلة حول "التحدّيات أمام الخطاب الديمقراطي والاقتصادي للحزب"، واعتبر التعصّب عدوًا للفكر، ويُفقد الحقيقة ويؤدّي إلى الجمود، ودعا إلى الاستعداد دائمًا للنقد الذاتي.

وذكّر غطّاس بالتحدّيات التي واجهها التجمّع في السابق، كالربط بين القومي والمدني الذي ينبع من وجودنا كأقليّة قوميّة في وطننا -سكّان البلاد الأصليون- داخل دولة تعتبر نفسها دولة اليهود. وشدّد على أنّ هذا التحدّي ما زال قائما، لكن يواجه التجمّع اليوم تحدّيات من نوع جديد، منها ما يتعلّق بالمركّب الديمقراطي للتجمّع.

 

شارك في الفعالية الناشط في "بروفيل حداش" يوسي ماهي، وقدّم مداخلة تحت عنوان "تحدّيات الخطاب القومي في التوجّه للأغلبيّة اليهوديّة"، وقال "لا يمكنني أن أنتمي للفكر الصهيوني الذي يمتد جذوره الى الحركات الاستعمارية الأوروبية، ولا يمكن الحديث عن حل للقضية الفلسطينية دون عودة اللاجئين".

الباحث إسماعيل ناشف: "من خلال العمليّة الإبداعيّة بالإمكان طرح قراءة نقديّة ورؤية جديدة للمجتمع التي يمنع المجال السياسي من رؤيتها"

ألقى الباحث البروفسور إسماعيل ناشف محاضرة عن المشهد الفلسطيني في الداخل وتحدّياته، وخصوصًا عن إشكاليّة الثقافي الفلسطيني. تمحورت المحاضرة حول السؤال: هل الثقافة تحمل معنى مهمّا بحدّ ذاته، أم المعنى هو أداة لتحقيق أو إنجاز هدف ما؟

ادّعى ناشف أنّه في الحالة الفلسطينيّة حتّى سنوات التسعينيات كانت الثقافة مُلحقة على المجال السياسي، ففي أغلب المؤسّسات الفلسطينيّة لم يكن الاهتمام بالثقافة بحدّ ذاتها بل كان أداة. وأضاف "الثقافة داخل الحركة الوطنيّة كانت دائمًا تسوّغ لإعطاء غطاء سياسي لقرارات زعيم سياسي معيّن. تبعيّة المجال الثقافي الفلسطيني أدّت إلى تسطيح الثقافة الفلسطينيّة".

وتابع ناشف: "منذ سنة ال 2000 بدأ انفصال المجال الثقافي عن السياسي، فبسبب تغيّرات في طوابع المبنى الحزبي ووظيفة الحزب السياسي، انفصل الناشطون في المجال الثقافي عن المؤسّسات الحزبيّة، ونشطوا من خلال تمويل يتم عبر الـ"أن جي أوز" والمؤسّسات الأهليّة والذي هو بطبيعة الحال تمويل مُغرض".

شدّد ناشف أنّ نموذج تبعيّة المثقّف للمؤسّسة الحزبيّة باتت جزءا من إرثٍ ماضٍ، فأغلب الناس الفاعلة في المشهد الثقافي الفلسطيني منفصلة عن الأحزاب، ما جعلنا أمام ورطة وهي أنّ الانفصال بين المجالين أصبح أمرًا طبيعيًا واعتياديًا، أيّ أنّ المنتوجات الثقافيّة في اتّجاه والمجال السياسي في اتّجاه آخر، ما أدّى إلى تدهور المجال السياسي الذي لا يقدر على إنتاج حالة بديلة تحرّرنا من الاستعمار الصهيوني، لكن المشهد الثقافي بدأ يتطوّر ويحوي أشياء جديدة، ما يعيد السؤال: "كيف نعيد الربط بين الثقافة والسياسة؟".

وأكمل ناشف حديثه قائلًا أنّ هنالك فرقا أساسيا بين السياسة والإبداع، وأضاف: "السياسة تعتمد على أشياء أهم ما فيها هو الثبات، بينما المجال الإبداعي ذو طابع مُختلف، يتعامل مع مادّة تعتمد على ما لا يُقال ومبني على التشكيل (مُتحرّك)". وأضاف: "السؤال هو كيف ننظر للسياسة من المجال الإبداعي وننسخ لها مفهوم الإبداع".

ختم ناشف حديثه بأنّه عند المعارك يميل المجال السياسي للتقوقع على عكس الثقافي الذي يميل للانفتاح، وذكر أنّ في تجربة الاعتقال السياسي يشكّل الإنتاج الثقافي المحور الأساسي لإعادة بناء الفعل الجماعي الفلسطيني.

النائب زحالقة: الصهيونيّة أبارتهايد إسرائيلي ويجب هزم العنصريّة لا مُهادنتها

شارك رئيس الكتلة البرلمانيّة للتجمّع النائب د. جمال زحالقة والأمين العام للتجمّع عوض عبد الفتّاح في المعسكر في محاضرات ومداخلات في بحثت المشروع الوطني الفلسطيني.

قارن زحالقة في محاضرته بين حركة التحرّر الوطني الفلسطيني وحركات التحرّر العالميّة (مثل جنوب أفريقيا وإيرلندا الشماليّة)، ونوّه إلى أنّ حركات التحرّر في العالم ظهرت بين الحربين، وبعد الحرب العالميّة الثانية بزخم كبير، واعتمدت على الحق في استرداد أرضها وإقليمها المُغتصب، وتستند إلى الغضب والرفض الشعبي للحكم الأجنبي، وتستند كذلك للوحدة الوطنيّة، وتعتمد أسلوب العمل السياسي أو العسكري أو لكليهما، وتتميّز بوحدة الهدف وتغييب التناقضات الثانوية في سبيل التناقض مع الاستعمار.

وقال زحالقة إن ما يميّز قضيّة فلسطين أننا أمام احتلال استيطاني، واعتبر أنّ أكثر أشكال الاستعمار وحشيّة حدثت في أمريكا في الإبادة الجماعيّة لسكان البلاد الأصليين (الهنود الحمر في هذه الحالة).

في مقارنته للحالة الفلسطينيّة مع حالة جنوب أفريقيا، اعتبرها مقارنة مهمّة كون الحالة الجنوب أفريقيّة حالة نضال ملهمة يمكن التعلّم منها دروس كثيرة من ناحية إستراتيجيّات النضال، إضافةً إلى أنّ اعتبار القضيّة الفلسطينيّة كأبرتهايد صهيوني واستعمار كولونيالي عنصري يوحد نضال الشعب الفلسطيني، فبالتالي المقارنة تكشف الطابع الاستعماري الاستيطاني للدولة العبريّة، وتظهر أنّ أوجه الشبه بين اسرائيل وجنوب أفريقيا تؤكّد أنّ اسرائيل دولة استعماريّة.

واعتبر زحالقة أن الصهيونيّة هي أبارتهايد إسرائيلي، وبناءً على ذلك يُمكن توظيف الشُحنة السلبيّة لكلمة أبارتهايد واستثمارها واستعارتها للحالة الصهيونيّة. وتساءل عن سبب تخلّي الغرب عن نظام الأبارتهايد بجنوب أفريقيا، مُقابل دعمه له في إسرائيل، وأضاف "أهمّ الأسباب هو أنّ العنصريّة في إسرائيل مُقنّعة لإخفاء الطابع العنصري، فهي تُدين العنصريّة في دساتيرها وتسن قوانين ضد العنصريّة لكنها تمارسها، على عكس جنوب أفريقيا والذي كان التمييز مكشوف في حالتها، وكذلك صورة إسرائيل كدولة ديمقراطيّة، إضافةً إلى المصالح السياسيّة، وعقدة الذنب لدى الغرب تجاه المسألة اليهوديّة".

ونوّه زحالقة أنّه في جنوب أفريقيا قام الاستعمار باستغلال للموارد الطبيعيّة وللبشر، وكان نظامُ فصلٍ عنصريٍ مع إبقاء الناس لاستغلالهم كطاقات عمل وأيدي عمل رخيصة، بالمُقابل في فلسطين استغنى الاستعمار عن الناس ونهب الأرض والموارد، وأبعد أهل البلاد الأصليين، وشدّد أنّ الفصل العنصري في فلسطين كان عام 1948 بتهجير سكّان البلاد الأصليين.

قدّم زحالقة أيضًا لمحة عن التشابه بين الحالتين، فالتشابه وجد في كثير من الحالات حتّى في التفاصيل الصغيرة، منها أنّ الاستعمار إنجليزي، فنفس الأشخاص الذين أعطوا وعد بلفور، أصدروا قانون الاتّحاد مع جنوب أفريقيا، وفي عام 1948 حدثت النكبة، وأقيم نظام الأبارتهايد، وكما تمّ اعتبار إسرائيل الدولة الديمقراطيّة الوحيدة في الشرق الأوسط، تم اعتبار جنوب أفريقيا الدولة الديمقراطيّة الوحيدة في أفريقيا.

كما تطرّق إلى نقاط الخلاف بين الحالتين، وقال: "المؤتمر الوطني الأفريقي -ANC- في استمرار تاريخي منذ تأسيسه، وفي إطاره انضمّت الغالبيّة الساحقة من الشعب مع تراث نضالي كبير، وكان واسعا ومتماسكا مع كلّ المشاكل داخله، وهدفه كان واضحًا منذ البداية ولم يتغيّر: إقامة دولة ديمقراطيّة للجميع. لكن الحالة الفلسطينيّة كانت متقطّعة في كل فترة وفترة، وشملت تقلّبات دائمة في الخطاب ابتداءً من شعار طرد إسرائيل، ثم شعار الدولة الواحدة، والتنازل أكثر وأكثر في طرح الدولتين وأوسلو، وصولًا إلى ما آلت إليه اليوم في المفاوضات.

وشدّد زحالقة أنّ المبدأ الأهم في الحل السياسي في جنوب أفريقيا هو الاعتماد على إنهاء الأبارتهايد وهزيمة العنصريّة بشكل كامل وتام ومطلق، ولم يكن هنالك أي حل وسط مع العنصريّة والنظام العنصري، بل تمّ الحل الوسط بعد إنهاء الأبارتهايد. مقارنةً مع الحالة الفلسطينيّة قال: "ما يجري من مفاوضات هو حل وسط مع العنصريّة، فلا يوجد قيادة فلسطينيّة تطالب بإنهاء الهيمنة الصهيونيّة"، وأضاف: "ما يمتاز به موقف التجمّع هو المطالبة بألّا تكون اسرائيل دولة يهوديّة، وأنّه وضع مشروع لا مساومة مع العنصريّة".

وختم زحالقة حديثه بالقول "في نهاية المطاف يجب هزيمة العنصريّة، نحن نطرح حلًا ديمقراطيًا يشمل حلًا أيضًا لقضيّة اليهود، لكن لن نهادن العنصريّة".

عبد الفتّاح: نطالب بإعادة بناء منظّمة التحرير، وإعادة تعريف القضيّة الفلسطينيّة كقضيّة تحرر وطني

تركّزت مداخلة الأمين العام للتجمع عوض عبد الفتّاح حول دور العرب بالداخل في المساهمة بالنهوض بالمشروع الوطني الفلسطيني، وقال إنّه بعد هبّة القدس والأقصى وضع العرب في الداخل نفسهم في خارطة الصراع، ولم يعد بإمكان أحد أن يتجاهل هذا الجزء من الشعب الفلسطيني.

ونوّه عبد الفتّاح إلى أنّ الغرب نظر لإسرائيل منذ البداية أنها دولة ديمقراطيّة حتى في العقدين الأولين في ظلّ الحكم العسكري والمصادرات والتهجير. وأكمل حديثه "لكي تحارب عدوّك يجب أن تتحكّم في روايتك، لكن لفترة طويلة تحكمت اسرائيل بالرواية وسوّقت نفسها على أساس حركة تحرر وطني"، وأضاف تعريف قضيّة فلسطين ببساطة: قُطر عربي احتلّ من قبل حركة استعماريّة مع خطّة مسبقة لإقامة نظام استعماري، فمنذ اللحظة الأولى كان للحركة الصهيونيّة هدف إقامة وطن قومي لليهود.

وفي حديثه عن منظّمة التحرير، قال عبد الفتّاح إن الشعب الفلسطيني اعتبر المنظّمة بيتا ووطنا معنويا له، لكن اليوم الحال واحد بين إسرائيل والسلطة الفلسطينيّة التي تسيطر على المنظّمة. وأضاف "وقّعت القيادة الفلسطينيّة اتفاق أوسلو من وراء ظهر الشعب الفلسطيني، فالقيادة أرادت إنقاذ نفسها وليس إنقاذ الفلسطينيين".

ردًا على من اعتبروا التنازل عن الثوابت تسويّة، قال عبد الفتّاح إنّ التسوية التاريخيّة هي الدولة العلمانيّة الواحدة على كامل التراب الفلسطيني، وما يطرح غير ذلك من حل الدولتين وما يسمّى بالحلول المرحليّة وإعلان الدولة على كل شبر يتم تحريره هو ظلم للشعب الفلسطيني. وتابع أنّ عملية الانحدار بدأت منذ عام الـ 1974 في التنظير للحل المرحلي الذي حاولت التصدي له بعض الحركات اليساريّة، ما أدّى لاحقًا لاختزال فلسطين في الضفّة الغربيّة، واعتبار الصراع هو صراع على حدود وليس قضيّة تحرّر وطني من استعمار.

اعتبر عبد الفتّاح أنّ تغيير الميثاق الوطني الفلسطيني كان بمثابة تغيير وتحريف الرواية التاريخيّة، فقيادة أوسلو اعترفت بإسرائيل ضمنًا أنها دولة يهوديّة، ما جعل روايتها تنتصر، وقال: "على القيادة العاجزة الترجّل عن القيادة وليس الاستسلام".

وشدّد عبد الفتّاح في نهاية حديثه على أنّ التجمع يطالب بإعادة بناء منظّمة التحرير وإعادة تعريف القضيّة كقضيّة تحرر وطني من كيان استعماري وليست قضيّة حدود، ووضّح أنّ مساهمة العرب بالداخل بشكل فعلي في المشروع الوطني الفلسطيني تكون عبر تطوير أنفسهم وتطوير مؤسّساتهم وحركاتهم الوطنيّة وإعادة بناء لجنة المتابعة.

الباحث مهنّد مصطفى: جزء من الثقافة السياسيّة للتجمع في تثقيفه لطلّابه الجامعيين هو حثّهم على ألّا يخشوا القيام بمراجعات فكريّة وسياسيّة وتاريخيّة للتيّار القومي العربي

تحت عنوان "الثورات العربيّة"، شارك الباحثان د. مهنّد مصطفى ود. نمر سلطاني في محاضرات بحثت حال الإسلام السياسي واليسار العربي في ظلّ ما يدور في العالم العربي.

تحدّث الباحث مهنّد مصطفى عن مصير الثورة العربيّة ابان صعود الإسلام السياسي محاولًا تحديد مفهوم الحركة الإسلاميّة والإسلام السياسي، ومميّزًا بين مفهومين: الحركات الدينيّة، وحركات الإسلام السياسي.

بدأ مصطفى حديثه عن الحركات الدينيّة التي نشأت في القرن الثامن عشر والتاسع عشر، بهدف تجديد الدين، أي تجديد الخطاب الديني من خلال العودة بالذات للأصول الإسلاميّة، وكان دائمًا سؤالها المركزي هو سؤال الدين (حركة إصلاحيّة في الدين)، ولم يكن في أيّ يومٍ من الأيّام سؤالها هو سؤال الدولة، وما ميّزها سوسيولوجيًا أنها ظهرت على أطراف الدولة الإسلاميّة.

ظهرت الصورة الحديثة الأولى للحركات الإسلاميّة، بناءً على ما ذكر الباحث مصطفى، مع تأسيس حركة الإخوان المسلمين، التي طرحت سؤال الدين، لكنها طرحت سؤالا أساسيا آخر بقوّة: سؤال الدولة. واعتبر مصطفى أنّ صعود الدولة الوطنيّة عمّق من سؤال الشرعيّة السياسيّة لدى هذه الحركات (الشرعيّة للدولة/ الحاكم/ النظام/ الدستور/ المواطنة)، فكان سؤال الدولة أهم من سؤال الدين، منوّهًا إلى أن الجديد في خطابها هو اعتبارهم أنّ للدين يجب أن يكون دولة، وقيام الدين لا يتأتّى إلّا من خلال الدولة.

وتابع مصطفى: الحركات الإسلاميّة كانت مشغولة بمشاكل الفقه، ولم تطوّر حتّى بداية العشرينيات خطابا سياسيا، واعتبرها حركات الطبقة الوسطى ولم تكن أبدًا حركات الطبقات الفقيرة، بل كانت حركة البرجوازيّة العربيّة ونشأت بالمدن ومن بعدها توسّعت للريف، على عكس الحركات اليساريّة والقوميّة التي نشأت بالريف وقياداتها من الريف، لكن بالتأكيد الحركات الدينيّة لم تنشأ نتاج ظاهرة اجتماعيّة أو اقتصاديّة، وهي أصلًا اعترضت للكثير من الإصلاحات التي قام بها عبد الناصر كونهم جزءا من الطبقة البرجوازيّة العربيّة.

وذكر مصطفى أنّ بداية تبنّي الحركات الإسلاميّة للديمقراطيّة، كانت في ظلّ النهضة الفكريّة التي قام بها التيّار العروبي الذي سأل سؤال النهضة من جديد من خلال العودة للتراث العربي الإسلامي وليست المرجعيّة الغربيّة. ووضّح أنّه داخل الحركات الإسلاميّة يوجد تيّارات مختلفة منها من يؤيّد الديمقراطيّة ويعتمد على نصوص، ومنهم من يعارض ويعتمد كذلك على نصوص.

اعتبر المحاضر الحركات الإسلاميّة كأهم الحركات التي عارضت النظام السلطوي العربي، وأهم أداة استعملتها هو اعتبار النظام نظامًا علمانيًا، فبالتالي كان ردّ فعل النظام الاقتراب إلى مواقع الإسلاميّين وأسلمة بعض مركّبات النظام السلطوي، وهذا ما أدّى لاحقًا إلى معارضة النظام بالاحتكام للطرح الديمقراطي واعتبار النظام نظامًا مستبدًا. وختم أنّ هذه السيرورة التاريخيّة أدّت إلى تحوّل النظام إلى إسلامي أكثر، والحركات الإسلاميّة إلى ديمقراطية أكثر.

وفي تعقيب له على المعسكر قال الباحث مهنّد مصطفى: "شاركت وزميلي الأخ العزيز الدكتور نمر سلطاني في معسكر التجمع الطلّابي في القدس، بندوة حول التيّار الإسلامي واليساري في أعقاب الثورات العربيّة. وقبيل الندوة شاهدت المناظرة التي نظّمها الطلّاب حول الحالة المصريّة، وكان سؤال المناظرة: "30 يونيو: ثورة أم انقلاب؟"، وبعدها استمتعت بالأسئلة التي وجهت لكلينا في الندوة بعد محاضرتينا، وقد رأيت أن الطلّاب لا يخشون القيام بمراجعات فكريّة وسياسيّة وتاريخيّة للتيّار القومي العربي، ولمست أن ذلك جزء من الثقافة السياسيّة لحزب التجمع في تثقيفه لطلّابه الجامعيين، وسررت بانحيازهم الواضح للديمقراطيّة، ولمبادئها. ورأيت عندهم تقبلهم للآخر، وخاصّةً التيّار الإسلامي، فقد اعتبروا أن الديمقراطيّة العربيّة لا يمكن أن تتحقّق بدون التيّار الإسلامي. نعم، كانوا ناقدين للتيّار الإسلامي ولكن ليس إقصاء له، كما أنهم مع المشروع القومي العربي، ولكن مع خلال مقاربات نقديّة لهذا المشروع من داخل المنظومة النظريّة الديمقراطيّة".

الباحث نمر سلطاني: اليسار في العالم العربي سقط في امتحان الديمقراطيّة

في محاضرة تحت عنوان "اليسار العربي وفرصه في النهوض في ظلّ الحراك الثوري" قدّمها الباحث د. نمر سلطاني، تساءل في البداية ما الذي يجعل اليسار يسارًا، وما الذي يجعل الثورة يساريّة، وهل اليساريّة بحالة توتّر مع القوميّة والديمقراطيّة. وتابع "الخاصّية الأساسيّة التي تميّز اليسار هي المساواة"، وأضاف أنّ هنالك خاصيّة ثانويّة أخرى لليسار هي معاداة الاستبداد، وهي تنبع من الخاصّية الأولى كون الاستبداد يخلق هرما اجتماعيا ويكرَس الفوارق الطبقيّة والاجتماعيّة بين الناس.

اعتبر الباحث سلطاني أنّ اليسار سقط بامتحان الديمقراطيّة واليساريّة، وقال: "إذا كان اليسار جثّة هامدة قبل الثورات، فبعد الثورات هو جثّة تمّ التمثيل بها من قبل اليسار نفسه".

عدّد سلطاني أسباب ضعف اليسار العربي، منها تصاعد المدّ المحافظ والمتديّن بعد الستّينات، انهيار المعسكر الاشتراكي، دفاع التيّار اليساري عن الاستبداد (مصر/ العراق/ سوريا)، ضعف تنظيمي واضح في الأحزاب اليساريّة، الانتقال من عالم الأحزاب لعالم الجمعيّات (بسبب مصادر التمويل)، عدم التزام الأحزاب اليساريّة حتّى بأنظمتها الداخليّة، جزء كبير من الأحزاب الشيوعيّة عادت الديمقراطيّة باعتبارها نظامًا برجوازيًا، واعتبار خطاب الحقوق أيديولوجيا يبرّر حكم الطبقة البرجوازيّة.

خلص سلطاني إلى القول إنّ الثورات العربيّة تطرح بقوّة سؤال مدى إيمان اليساريين العرب بالديمقراطيّة، واعتبر الإعلام والتفكير النقدي المتروّي والمُتأنّي من ضحايا الثورات، إذ أنّ هنالك ثلاث ظواهر خطيرة ومقلقة وهي: العقليّة التسهيليّة والتسطيحيّة (إمّا هذا الطرف أو الطرف الاخر)، العقليّة التبريريّة التي تبرّر الجرائم تحت ذرائع مُختلفة، والعقليّة الاتّكاليّة التي تتكل في تبنيها المواقف على أشخاص ومؤسّسات إعلاميّة بشكل مطلق.

المحامي منصور: نصيحتي للجميع أنّ أفضل ما يمكن أن ينصحكم به أي محامٍ هو التزام الصمت أثناء التحقيق والاعتقال

شارك المحامي منصور منصور في مداخلة عن قضايا الاعتقالات والملاحقات السياسيّة، وقدّم نصائح وملاحظات للطلّاب عن كيفيّة التصرّف في حالة الاعتقال أو الدعوة للتحقيق.

ونوّه المحامي منصور أنّ الإرشاد القانوني لن يعطي حماية أو منجاة من اعتقال أو تحقيق، لكن ذلك لا يعني الاستغناء عنه معتبرًا أنّ التعامل مع القانون لا يتم بشكل مطلق، بل هو خاضع لتوازنات.

وشدّد منصور على عدم التعامل مع الشرطة التي لا يمكن الوثوق بها، وقال: "أفضل ما يمكن أن ينصحكم به محامٍ هو الالتزام بالصمت، والمقصود هو الالتزام بالصمت من لحظة الاعتقال الأولى"، وأضاف أنّه لا يمكن أحد أن يعرف كيف تقوم الشرطة بتوظيف كلامه، والتي تهدف عادةً لأخذ المعلومات ومحاولة إنضاج الملف للائحة اتّهام، خصوصًا أنّ الحق بالصمت هو حق محفوظ بالقانون، وهكذا يمكّن المعتقل من تسخير القانون إلى جانبه، أو على الأقل تجنّب المطبّات القانونيّة، ويمكّن المحامي لاحقًا من الدفاع عنه، بينما الحلّ الثاني ممكن أن تكون له نتائج سيّئة قد تؤدّي إلى تقديم لائحة اتّهام.

تابع منصور "الصمت في التحقيق يُعتبر عمل تحدّ، وأنا لا أذكر في كلّ تجربتي أنّه تمّ استعمال حالة الصمت ضد المتّهم"، ومن خلال تجربته الواسعة قال إنّ الشرطة لا تعطي إفادة عن الحدث إلّا بعد أخذ إفادة المُعتقل نفسه، واعتبر أنّ هذا العمل ليس بريئا وليس صدفة.

وأنهى المحامي منصور حديثه بتوضيح مراحل الاعتقال، وأهداف الاعتقالات في المظاهرات والحراكات المختلفة، معتبرًا ذلك أداة قمع لترهيب الناس من المشاركة بالمظاهرات وكافّة البرامج والفعّاليّات.

المحامي فؤاد سلطاني: الأسرى السياسيون يمرّون في ظروف صعبة للغاية

أكّد المحامي فؤاد سلطاني على كلام زميله المحامي منصور منصور في المداخلة السابقة بخصوص أهميّة التزام الصمت من بداية التحقيق، واعتبر ذلك أفضل تصرّف يمكن اتّباعه من قبل المُعتقل.

تحدّث المحامي سلطاني عن الظروف الصعبة التي يمر بها الأسرى السياسيون والتمييز والقمع المستمرّين خصوصًا مع تحوّل طابع العنف الممارس ضدّهم في السنوات الأخيرة من عنف جسدي إلى عنف معنوي والذي يعتبره الأسرى القدامى أصعب أنواع العنف.

ندّد سلطاني بالسياسات الإسرائيليّة التي تتعامل مع حقوق الأسرى السياسيين كامتيازات يمكنها سحبها وإرجاعها في كلّ لحظة، مخترقة قوانين حقوق الإنسان والأسرى السياسيين.

كما نقل تحيّة ابنه الأسير راوي سلطاني -الرفيق في الحركة الطلّابيّة- للطّلاب مؤكّدًا على أنّ راوي ومعه باقي رفاقه في الأسر يتمتّعون بمعنويّات عاليه وبروح تحدّ صلبة بالرغم من كلّ المعاناة خلف القضبان.

مراد حداد: التجمع الطلابي الرقم الصعب

في الكمة الاختتاميّة للمعسكر تحدّث عضو المكتب السياسي للتجمّع مراد حدّاد -مُتابع ملف الشباب في الحزب- عن أهميّة وجود الحركة الوطنيّة

بقوّة داخل الجامعات والكليّات، واعتبر الحركة الطلّابيّة أهم رافد للتجمّع، وقال "لا يُمكن أن يستمر حزب تقدّمي بدون حركة طلّابيّة شبابيّة قويّة ومنظّمة"، وقال إنّ الحركة الوطنيّة ستتحوّل إلى القوّة المركزيّة في الجامعات.

وشدّد حدّاد على النقلة النوعيّة التي أحدثها التجمّع الطلّابي في العمل الطلّابي بشكل عام، فالتجمّع كان دائمًا في صفوف المواجهة الأولى في الجامعات.

في ختام حديثه، وجّه حدّاد تحيّة للدائرة الطلّابيّة التي عملت على تنظيم المعسكر وإنجاحه، ودعا إلى أكبر مشاركة في المهرجان الشبابي الذي سيُقام في عكّا إحياءً لذكرى هبّة القدس والأقصى، ورفضًا لمُخطّط "برافر" الاقتلاعي.

وغادر الطلّاب أرض المعسكر بعد تقييم المعسكر وتوزيع شهادات المشاركة وإنشاد نشيد التجمّع "اشمخي يا هامُ".

يشار الى ان أعضاء التجمع الطلابي قاموا بزيارة لضريح المرحموم الناشط أحمد حجازي وابنه آدم من طمرة في مقبرة واحة السلام في ذكرى وفاتهم الأولى.

التعليقات