هل تخريب الممتلكات العامة دلالة انفصام تربوي بالمجتمع؟

حاويةُ نفاياتٍ محروقةٌ هنا، وإشارةُ حافلة إلكترونيّة محطّمة هُناك، وبعضُ خربشاتٍ لا قيمة لها على الجدران، بهذه الحال توصفُ الممتلكات العامّة في المدنِ والقرى العربيّة في الداخل الفلسطينيّ، ممتلكاتٌ لحقتها يدُّ الخرابِ حتى باتت أشبه بعديمةِ الفائدة،

هل تخريب الممتلكات العامة دلالة انفصام تربوي بالمجتمع؟

حاويةُ نفاياتٍ محروقةٌ هنا، وإشارةُ حافلة إلكترونيّة محطّمة هُناك، وبعضُ خربشاتٍ لا قيمة لها على الجدران، بهذه الحال توصفُ الممتلكات العامّة في المدنِ والقرى العربيّة في الداخل الفلسطينيّ، ممتلكاتٌ لحقتها يدُّ الخرابِ حتى باتت أشبه بعديمةِ الفائدة، تمّ تهشيمُها على يدِ من وُضعتْ لأجلهم، فما السبب التربويّ والاجتماعيّ وراء هذه الظاهرة؟ وهل يقفُ خلفها كبتٌ يختلجُ صدور الشباب العربي، وممّا؟

ما بين المنزل والشارع... ثقافة!

قال العامل الاجتماعي في مجلس محلي كفر كنا، نائل بطو، إنه لاحظ أنّ الكثير من الممتلكات العامة يتم إيذاؤها من قِبل الشبان وتخريبها، مؤكدا لـ'عرب 48': 'أعتقد أن المسبب هو الطاقة الداخليّة التي يشعر بها الشباب ليخرجوها بطريقةٍ سلبيّة ضدّ الممتلكات، كل طفل أو شاب لديهِ طاقة أو مشاعر يتم استغلالها بشكل سلبي'.

ومن جهتهِ رأى نائب رئيس بلديّة الناصرة ومسؤول ملف المعارف، همام أبو أحمد، أنّ 'هذه الظاهرة لا شكّ أّنها متفشيّة في المجتمع العربي، وفي المدارس بشكلٍ خاص، كالألواح والمقاعد الدراسيّة والأثاث الهالك، والخربشة على الجدران، مما يتطلب من المدارس دومًا عمليّات صيانة وميزانيات إضافيّة كذلك'.

وقالت المواطنة أريج سخنيني من مدينة النّاصرة، لـ'عرب 48'، إنّ 'هذه الممارسات تشوّه صورة بلدها الأمّ خاصةً وأنّها مدينة سياحيّة يرتادها الأجانب والزوار من مختلف أنحاء العالم لما تحتويه من أماكن مقدّسة، وهذا التخريب الحاصل يشوّه صورة النّاصرة وينقل صورة غير لائقة عن المدينة وعن كافة المدن والقرى العربيّة، بينما يجهل الكثير أنّه وفقًا للقانون يتم أحيانًا توقيف أو حبس أو دفع كفالة ماليّة لمن يقوم بمثل هذه الأعمال التي تمسّ الممتلكات العامة'.

المنزل هو المناخ

المشكلة نابعة من التربية، هذا ما عزاه بطّو قائلاً إنه 'يوجد أهالٍ لم يربّوا أطفالهم على احترام الممتلكات العامّة، فالبيت هو الحاضنة التربويّة التي يترعرع في كنفها الطفل، بعض الآباء والأمّهات منشغلون بعيدًا عن أبنائهم، وهنا نطرحُ السؤال التالي: هل يعتدّي الطفل/الشاب على ممتلكات بيتهِ ويشوهها؟ هل الأهل على اطّلاع بما يفعل أبناؤهم خارج المنزل؟ ماذا يفعلون في حال علموا بأنّ ابنهم قد اعتدى على الحيّز العام؟'.

وأوضح أنّ 'هنالك تقاعس من قِبل الأهالي بمتابعة أبنائهم في المدارس كذلك، وهنا تكمن أهميّة متابعة الأبناء ابتداءً من المدرسة إلى الأماكن المختلفة، فشعورهم بأنّ أحدًا ما يسأل عنهم ويراقبهم يجعلهم يفكرون بتصرفاتهم أكثر، خاصةً وأنّ هناك منافسة في صفوف الشباب حول من يؤذي أكثر، والبعض منهم يشعر بلذّة أثناء تخريبهم وإساءتهم للممتلكات العامة'.

ومن جهتها، رأت سخنيني أنّ 'التربية هي المسبب بمثل هذه الظواهر، فهناك أهالٍ لم يشرحوا لأبنائهم عن أهميّة الممتلكات العامة، فما يقوم بهِ الطفل/الشاب خارج المنزل لا يقوم به بالمنزل اعتقادًا أنّه يحق له أن يفعل ما شاء بالممتلكات العامّة، وربما يعانون من ضغوطات نفسيّة واجتماعيّة فيذهبون للانتقام من المجتمع عن طريق تخريب الممتلكات العامّة'.

ورأى الشاب عادل هياجنة من قرية كفر كنا أنّ 'عدم التوعية حول الموضوع يجعل المشكلة تتفاقم وتستمر مع الوقت بدلاً من حلّها.

انفصام سلوكيّ؟'.

وبدوره، رأى بطّو أنّ 'اعتداء الشباب على الممتلكات العامّة تختلف أحيانًا بحسب المنطقةِ التي يتواجدون بها، ففي المناطق التي يسكنها اليهود يحرصُ بعضُ الشباب على عدمِ تخريب أو تلويث أو إيذاء الممتلكات العامة، والحفاظ على النظافة كذلك، وبعضهم يحتفظون بالقمامة حتى يدخلوا مدنهم وقراهم فيرمونها من نافذة السيارة! وهنا نجدُ انفصامًا في ممارسات وأفعال بعض الشباب، فهم مهذّبون حين يتواجدون خارج بلداتهم العربيّة وحين يعودون إليها يمارسون العكس'.

وفي الجهةِ المقابلة، أعرب أبو أحمد عن رأيه بأنّ 'الشاب في المنزل لا يقوم بإلقاء سيجارته على الأرض بينما في الشارع يفعل، وقد يدلّ هذا على عدمِ الانتماء لبلدته العربيّة، فمن الشباب من يسمح مثلاً بتلويث الأماكن العامة في الناصرة، ولكن حين الذهاب إلى مدن أخرى يتغيّر سلوكه، وهذا ينطبق على ركوب الشباب للدراجات النارية والدبّاب (التراكتورون) وإزعاج سكان الناصرة بها، ولكن حين يذهبون إلى نتسيرت عيليت يظهر الانضباط عليهم ولا يشكلون هناك أيّ إزعاج، مما يدلّ على أنّهم لا يشعرون بالانتماء للمدينة التي يتواجدون بها، أما في المدن الأخرى كنتسيرت عيليت فهم يخافون من العقاب'.

وتابع أنّنا 'كمجتمع لدينا مشكلة في أن الممتلكات الخاصة نحافظ عليها، ولكن لا ننظر إلى الممتلكات العامّة التي تخدمنا على أنّها خاصّة، فلو نظرنا إليها على أنها خاصة لوجدنا أنّها تخدمنا بشكلٍ أكبر، فمثلاً في حقبة الهواتف العموميّة كنا نجد أنّ الهواتف العامّة تتعرض للتخريبِ دائمًا'.

الإطار الداعم... هل يعالج؟

'بالرغم من ذلك أشعر أنّ تحسنًا ما قد طرأ في السنوات العشرِ الماضية على مفهوم الممتلكات العامّة، وأصبحت الناس تدرك بشكلٍ أكبر أهميّتها، وهنا يجب العمل في المدارس ضمن حصص التربية الاجتماعيّة والمساهمة بأعمال تطوّعيّة في البلدات العربيّة وتنظيفها مثلاً في يوم عمل تطوّعي، أو جولة تعريفيّة بتاريخ المكان، مما قد يعزز الشعور الانتمائيّ لدى الطلاب'، هذا ما قاله أبو أحمد.

وفي المقابل، اعتبر بطّو أن 'علاج هذه الظاهرة يكمن باستغلال الطاقة المدفونة داخل الشباب بشكل إيجابي وإنماء قيمة المساعدة والتطوع في روحهم، وهنا تظهر أهميّة تفعيل مراكز تطوعيّة وتحويل هذه الطاقة إلى طاقة إيجابيّة تخدم المجتمع، وللحدّ من العنف المستعمل في الحيّز العام يجب تفعيل إطارات ونوادٍ شبابيّة.

وتابع شارحًا أنه 'في المجالس المحليّة هناك وحدة شبيبة تعتني بالأطفال غير المرتادين للمدارس، ووظيفة هذه الوحدة جذب الأطفال للمشاركة ببرامج وفعاليّات للقيادة الشابّة، وهنا الأمر يتعلق بالمجالس المحليّة وبرنامج عمل كل مجلس محلي لتفعيل الشباب، إضافةً إلى الفعاليّات اللا منهجيّة كالرسم والدبكة والعزف في المدارس، وهذه برامج تنمي مواهب متعددة وتستغل طاقة الشباب إيجابًا'.

اقرأ/ي أيضًا| العلاج النفسي بين الأفكار المسبقة والواقع

التعليقات