الرملة.. تراث يقاوم التهويد

احتلت الرملة عدة مرات خلال تاريخها، من قِبَل العباسيين، والإخشيديين، والفاطميين، والسلاجقة، والصليبيين، والمماليك، والأتراك والبريطانيين والإسرائيليين، وتفشى في البلدة الطاعون الأسود في عام 1347م، والذي أدى إلى وفاة عدد كبير من السكان.

الرملة.. تراث يقاوم التهويد

الرملة.. واحدة من أقدم المدن التاريخية الفلسطينية، التي تأسّست في الفترة من 705 إلى 716م، من قِبَل الخليفة الأموي سليمان بن عبد الملك، وتقع حالياً في وسط إسرائيل، ويسكن المدينة أغلبية يهودية مع وجود أقلية عربية. وخلال فترات التاريخ القديم كانت الرملة منطقة ذات أهمية استراتيجية، وكانت تتقاطع مع طريقين رئيسيين، أحدهما يربط القاهرة القديمة (الفسطاط) مع دمشق وسوريا وكان يطلق عليه “طريق البحر”، والآخر يربط القدس مع ساحل ميناء يافا.

واحتلت الرملة عدة مرات خلال تاريخها، من قِبَل العباسيين، والإخشيديين، والفاطميين، والسلاجقة، والصليبيين، والمماليك، والأتراك والبريطانيين والإسرائيليين، وتفشى في البلدة الطاعون الأسود في عام 1347م، والذي أدى إلى وفاة عدد كبير من السكان. وخلال الحكم العثماني أصبحت المدينة مركزاً تجارياً هاماً، وقام الجيش الفرنسي بقيادة نابليون بونابرت باحتلال البلدة في عام 1799م، وهو في طريقه إلى عكا، ورغم أن الرملة طوال تاريخها كانت ذا أغلبية مسلمة إلا أنهم طردوا أو فرّوا خلال الحرب العربية الإسرائيلية عام 1948م، وسكن المدينة في وقت لاحق من قِبَل المهاجرين اليهود.

وقد اشتق اسمها من الكلمة العربية الرمل (رمل)، ويُقال إن الخليفة سليمان بن عبد الملك خلال تفقّده في المدينة، وجد امرأة ونزل بيتها وأحسنت ضيافته، وعندما سألها عن اسمها، أخبرته: رملة، فبنى البلدة وسمّاها باسمها، وازدهرت الرملة خلال العهد الإسلامي كعاصمة لجند فلسطين، وكانت واحدة من خمس مناطق تابعة لولاية أو محافظة سورية خلال العصر الأموي والعباسي.

وخلال القرن الثامن الميلادي بنى الأمويون “المسجد الأبيض”، الذي يُوصف بأنه الأفضل في الأرض خارج القدس، ولا تزال هناك بقايا لهذا المسجد، مثل: المئذنة والفناء وخزانات المياه الجوفية من هذه الفترة، وكانت الرملة مدينة رئيسية وعاصمة المحافظة حتى وصول الصليبيين في القرن الحادي عشر الميلادي، وتمّ تغيير اسمها إلى “فلسطينية”.

وخلال الحقبة الصليبية عام 1099 سيّطر الصليبيون على القدس وجميع البلدان الاستراتيجية في فلسطين، واستقر الحكم الصليبي تماماً، وأصبحت الرملة مقراً لانطلاق العمليات العسكرية في مملكة القدس، بالإضافة إلى أنها كانت ذات أهمية اقتصادية ومحطة هامة للحجاج المسافرين إلى القدس، وعندما حاول الفاطميون في مصر ردع الجيش الصليبي، اعتمد الجيش المصري على رماة السهام السودانية بدعم من الفرسان العرب والبربر، ولكن كانت خطط الفرنجة مختلفة من حيث تكتيكات الرماة وفرسان الأحصنة، وكانت النتيجة هزيمة الفاطميين. ولكن في عهد القائد العربي صلاح الدين الأيوبي، استطاع دحر الصليبيين وتحرير فلسطين خلال معارك ضارية بين الجيش الأيوبي والصليبيين بعد معركة حطين عام 1187م.

وفي عام 1204م عادت الرملة مرة أخرى تحت الحكم الصليبي، ولكن تمكّن القائد المملوكي الظاهر بيبرس من تحرير البلدة وسائر مدن فلسطين في عام 1261م، وكانت البلدة خلال الحقبة المملوكية عامرة ومزدهرة بالأسواق والتجارة، ومع دخول الرملة ومدن فلسطين تحت الحكم العثماني بعد هزيمة المماليك في معركة “مرج دابق” عام 1516م، ساءت حالة البلدة بسبب الحرب. وخلال بداية الفترة العثمانية كانت الرملة مدينة مهجورة. لكن مع السنوات تحسّنت أحوال المدينة وأقبل عليها السكان المسلمون والمسيحيون واليهود.

وفي عام 1799م استطاع القائد الفرنسي نابليون بونابرت احتلال الرملة، لكن انسحب منها بعد محاولته الفاشلة في احتلال فلسطين. وفي عام 1840م خضعت الرملة لحكم الباشوات في مصر، لكنها عادت سريعاً إلى حكم العثمانيين بعد تمرّد أهلها ضد الحكم المصري، الذي فرض الضرائب على الفلاحين والمزارعين.

وفي العصر الحديث كانت الرملة جزءاً من الأراضي المخصّصة للدولة العربية المقترحة في إطار خطة الأمم المتحدة لتقسيم فلسطين عام 1947م، ولكن بسبب موقعها الجغرافي والاستراتيجي على طريق الإمداد الرئيسي للقدس، كان تقسيمها نقطة خلاف بين العرب وإسرائيل، حتى اندلعت حرب عام 1948م. وبعد هزيمة الجيوش العربية أمام الجيش الإسرائيلي، تمّ طرد معظم السكان العرب بناء على أوامر من دافيد بن غوريون رئيس الوزراء ووزير الدفاع في الحكومة المؤقتة للدولة العبرية الجديدة، وأعطت الحكومة الإسرائيلية منازل العرب الذين غادروا الرملة للمهاجرين اليهود.

وفي عام 1949م بلغ عدد السكان اليهود أكثر من 6 آلاف نسمة، كما تدهورت الرملة اقتصادياً على مدى العقدين المقبلين، نتيجة الاعتداءات المتبادلة بين السكان العرب الأصليين والمستوطنين اليهود.

وتحتوي الرملة على العديد من المعالم والمباني البارزة، مثل برج الرملة، الذي بُني في القرن الثالث عشر الميلادي، ويُعرف أيضاً باسم “البرج الأبيض”، وكان بمثابة مئذنة للمسجد الأبيض الذي شيّده الخليفة الأموي سليمان بن عبد الملك في القرن الثامن الميلادي، ولا توجد منه سوى بقايا لا تزال قائمة حتى اليوم، وكان يتكوّن البرج من ستة طوابق، مع سلم حلزوني يصل إلى 119 درجاً.

اقرأ/ي أيضا| اغتيال البراءة: التحرش الجنسي بالأطفال

ويوجد أيضاً متحف الرملة، ويتضمّن عناصر العمارة العربية مثل النوافذ المقوسة وأرضيات مبلطة منقوشة. وبعد عام 1948م تحوّل إلى مكتب المقاطعة المركزي لوزارة المالية الإسرائيلية. ولكن في عام 2001 عاد مرة أخرى إلى متحف يوثّق تاريخ الرملة، وتحتوي البلدة أيضاً على محطة سكة حديد الرملة، تمّ افتتاحها عام 1891م، ويوجد بها العديد من الخطوط، مثل: خط السكك الحديدية تل أبيب- القدس.

التعليقات