قلعة عتليت .. من حصن إلى سجن

تضمّ قلعة عتليت في الجهة الجنوبية ميناء كبيراً، خصّص للسفن التي كانت تنقل المؤن لأهالي القلعة منذ الحملة الصليبية، وكان يوجد داخله عدد من الآبار التي توفر المياه العذبة للجنود الذين كانت تتخذهم فرنسا أسرى في هجماتها الحربية، حيث كانت القل

قلعة عتليت .. من حصن إلى سجن

قلعة عتليت.. تُعدّ من أهم القلاع التاريخية الواقعة جنوب مدينة حيفا بفلسطين، بنيت أثناء الحملة الصليبية على بلاد الشرق على أنقاض قلعة قديمة، بواسطة مجموعة من الشباب كان يطلق عليهم قديماً “فرسان الهيكل”، وتقع القلعة على بعد 12 كيلومتراً من ساحل البحر المتوسط، ويصل ارتفاع السور الخارجي للقلعة 15 متراً وسمكه 6 أمتار، وتعلوه ثلاثة أبراج، بينما السور الداخلي يرتفع بنحو 30 متراً ويصل سمكه 12 متراً، ويعلوه برجان يصل ارتفاعهما 34 متراً، وتبلغ مساحة القلعة 9083 متراً، وكانت واحدة من أهم الحصون الصليبية.

وأطلق الرومان قديماً على قلعة عتليت عندما كانت مدينة مهجورة تحيطها المغارات والكهوف اسم “بوكولون بوليس” بعد احتلالهم لها، وعند قدوم الصليبيين عام 1218م، أطلقوا عليها اسم “كاستلم بربغنيروم”، وتغير اسمها إلى “قلعة الحاج”، وهو اسم فرنسي، نظراً لمساهمة بعض الحجاج الفرنسيين في بنائها، وفي عام 1220م حاول الأيوبيون السيّطرة عليها بعد حروب كثيرة دارت بينهم وبين فرسان الهيكل.

وفي عام 1265م، سيّطر المماليك بقيادة الأشرف خليل بن قلاوون على مدينة حيفا وفتحوا عكا، ومن بعده الملك الظاهر بيبرس الذي قام باسترداد القلعة وفرض الهيّمنة عليها، وزالت القوة الصليبية من قلعة عتليت، وخرج آخر من تبقى فيها عام 1291م، كما قام بتغيير بعض ملامحها المعمارية وأطلق عليها اسم “عتليت”، نسبة إلى أحد حصون بلاد الشام الذي كان يطلق عليه “حصن عتليت الأحمر”.

وفي عام 1837م تعرّضت القلعة لزلزال يُسمّى “الجليل” دمر البيوت والأسوار القديمة التي أحاطت بها، ولكن لم تتأثر القلعة نظراً لمتانة تصميمها وحصانة موقعها، حتى جاء إبراهيم بن محمد علي باشا قائداً للجيش المصري عام 1840م، الذي قام بتدمير بعض أجزاء القلعة لاستخدام أحجارها في حماية مدن عكا وحيفا.

وفي عام 1903م، قامت بعض الجماعات اليهودية بإنشاء مستعمرة بجوار قلعة عتليت وأطلقوا عليها “عتليت” حتى تكون تابعة للقلعة، وبعد مرور سنوات قاموا ببناء أخرى أطلقوا عليها اسم “نفي يام”، وبالتالي أصبحت المنطقة المحيطة بالقلعة تحت تصرف اليهود، فقاموا بطرد الفلسطينيين منها وهدم منازلهم، ومع النكسة الفلسطينية وهزيمة الجيوش العربية في حرب عام 1948م، تحوّلت قلعة عتليت إلى سجن يستوعب آلاف من الفلسطينيين حتى نهاية الثمانينيات من القرن الماضي.

ويوجد في مقدمة قلعة عتليت مدخل ضخم له باب حديدي شاهق الارتفاع، فضلاً عن أسوار بُنيت من الحجر تفصل القلعة عن المنازل المحيطة، يبلغ ارتفاع السور الأول ويُسمّى “الخارجي” 15 متراً بسمك 6 أمتار، أما السور الثاني الذي يُسمّى “الداخلي” تمّ بناؤه بارتفاع 34 متراً وسمك 12 متراً، حيث كان يستخدم للدفاع عن القلعة وتمكين المدافعين من التصويب على الأعداء الذين يقفون بالقرب من السور الخارجي باستخدام السهام والكرات النارية.

ويوجد أعلى السور الخارجي ثلاثة أبراج يبعد كل منهم عن الآخر بمسافة 44 متراً، ويتكوّن كل برج من طابقين، يحتوي الطابق الأول على غرفة مستديرة الشكل ذات سقف خشبي، تتخلل جدرانها الحجرية فتحات ضيقة وأخرى واسعة، كانت تُستخدم في رمي السهام على المهاجمين وإطلاق نيران المدافع، بالإضافة إلى مدخل معقود له باب ضخم من الحديد، ودرج قديم يؤدي إلى الطابق الثاني الذي يحتوي على غرفة ضيقة ذات سقف حجري وجدران بها عدد من المزاغل توجد أسفلها أعتاب من الرخام يستخدمها الجنود للوقوف عليها أثناء ضرب السهام وكرات النار.

كما يوجد أعلى السور الداخلي برجان يبلغ ارتفاع كل منهما أكثر من 30 متراً، ويتكوّن البرج من طابقين، يحتوي الطابق الأول على حجرة ذات شكل هندسي مربع، تغطى بقبة صغيرة من الحجر توجد بجدرانها نوافذ مدفعية لإطلاق الكرات النارية، أما تصميم الطابق الثاني لا يختلف كثيراً عن الطابق الأول، ولكن يعلوه سطح فضاء يُستخدم في تأمين القلعة.

وتضمّ قلعة عتليت في الجهة الجنوبية ميناء كبيراً، خصّص للسفن التي كانت تنقل المؤن لأهالي القلعة منذ الحملة الصليبية، وكان يوجد داخله عدد من الآبار التي توفر المياه العذبة للجنود الذين كانت تتخذهم فرنسا أسرى في هجماتها الحربية، حيث كانت القلعة تستوعب أكثر من 4 آلاف جندي.

ويقول د. خليل جبر، الخبير الأثري: إن القلعة تحتوي في الجهة الشمالية على أطلال ميناء آخر قديم، تجاوره بعض الآثار التي يرجع تاريخها إلى العصرين البرونزي والحديدي، وهي عبارة عن مجموعة من الأحجار نقش عليها كلمات وخطوط مبهمة، وأشكال حجرية أخرى طولية ودائرية.

وتابع: يتكوّن هذا المبنى من جزأين يفصلهما حائط سميك، يضمّ كل جزء عدداً من الغرف يعلوها سقف حجري، بالإضافة إلى وجود بعض الأدوات الفخارية التي كانت تصلح لتخزين الأطعمة والمواد السائلة مثل الزيت، وعدد من العملات والأواني المعدنية التي زخرفت بنقوش مختلفة ملونة باللون الأسود.

ويوضح أن قلعة عتليت تضمّ في الجهة الجنوبية مبنى آخر بنيت جدرانه من الطين، ويكون المرور إليه بواسطة درج قديم يؤدي إلى البوابة الرئيسية له، وينقسم هذا المبنى إلى قسمين يقطعهما حائط ضخم يبلغ سمكه متران، كما تضمّ القلعة مخزناً يتكون من طابقين، يستخدم الطابق الأول لتخزين المحاصيل الزراعية، والطابق الثاني لاحتواء الجنود والقائمين على رعاية الأراضي الزراعية.

اقرأ/ي أيضًا| الرملة.. تراث يقاوم التهويد

 

 

التعليقات