مؤتمر مناهضة قتل النساء: إستراتيجيات لإيقاف مسلسل الدمّ

​نظّمت جمعيّة الشباب العرب بلدنا وكيان - تنظيم نسويّ، مؤتمرًا لمناهضة قتل النساء، اليوم السبت، في قاعة سينمانا في مدينة الناصرة، بحضور جمهور غفير من النساء والشباب والشابات العرب.

مؤتمر مناهضة قتل النساء: إستراتيجيات لإيقاف مسلسل الدمّ

نظّمت جمعيّة الشباب العرب بلدنا وكيان - تنظيم نسويّ، مؤتمرًا لمناهضة قتل النساء، اليوم السبت، في قاعة سينمانا بمدينة الناصرة، بحضور جمهور غفير من النساء والشباب والشابات العرب.

وعرضَ المؤتمر في بدايته مشروع مناهضة قتل النساء المشترك بين الجمعيتين، من قِبل مركزتي المشروع، عن جمعيّة بلدنا، قمر طه، وعن كيان، منى محاجنة، حيث قالت طه إنّ 'المشروع بدأ قبل سنتين ونصف من خلال تدريب مجموعات شبابيّة على عدّة مضامين ومفاهيم، ومسح احتياجات لآراء الشبيبة والعمل في الميدان، وقد عمل المشروع على التشبيك بين فئتي الشباب والنساء للحد من ظاهرة قتل النساء'.

وعمل المشروع على مسح آراء الشباب ضمن 393 استمارة لشريحة تتراوح أعمارها بين 13-19 عامًا، ضمن 9 مناطق وهي المغار، عرابة، دالية الكرمل، أم الفحم، الطيبة، الطيرة، باقة، كفر قاسم واللد. وأشارت نتائج البحث إلى نسبة التأييد المرتفعة لجرائم قتل النساء في أوساط الشبيبة، إذ بلغت 55% من المستطلعة آراؤهم، فيما أيد 52% منهم جرائم القتل على خلفية ما يسمى 'شرف العائلة'، وقالوا إنها وسيلة للحفاظ على 'مجتمع صالح'، فيما قال 78.6% من المستطلعة آراؤهم إنهم سمعوا عن فعالية أو نشاط لمناهضة العنف ضد النساء و55% تقريبًا شاركوا في فعاليات كهذه.

وأشارت المركزتان إلى أنّ النتائج عبّرت عن نسب عالية تؤيد جرائم قتل النساء في أواسط الشبيبة من جهة، ومن جهة أخرى، عبّرت عن استعداد كبير للمشاركة في أنشطة تناهض قتل النساء، وهي نتائج مقلقة وخطيرة، حيث قالت محاجنة إنّ أكثر من 10 نساء يقتلن في العام الواحد، وهذا دليل على أنّ هناك مفاهيم وممارسات لا زالت تسمح بشرعية القتل.

وعرضت طه ومحاجنة نماذج لتعاون الجمعيتين في تدريب موجهات ونساء قياديات على عدة مضامين، تتناول الهوية، النوع الاجتماعي، النسوية وحقوق الإنسان، العنف ضد النساء، البنية الذكورية الأبوية للمجتمع، ودور مؤسسات الاحتلال المختلفة في الوضع القائم. إضافةً للورشات داخل المدارس، التي وصلت إلى ما يقارب 3500 طالب وطالبة خلال السنتين المنصرمتين.

وتخلل المؤتمر عرض 'وميض امرأة' الذي قدمته مجموعة مناهضة قتل النساء، تلته حلقة نقاش عن دور المجتمع المدني من ظاهرة قتل النساء في المجتمع الفلسطيني، شاركَ فيها كل من الممثلة عن لجنة مناهضة قتل النساء، صفاء شحادة، والنائبة حنين زعبي، من تيسير راوية شماس، فيما اعتذر رئيس اللجنة القطريّة للسلطات المحليّة، مازن غنايم، عن الحضور.

واعتبرت زعبي خلال حديثها أن 'قتل النساء يبدأ بالعنف وبقيمة الفرد، والقتل يبدأ بالعنف والتحريض والتشويه ويبدأ بالدوس على كرامة الإنسان فينا وينتهي بالقتل'، معلّقةً على نتائج البحث أعلاه أنّها إن 'كانت صحيحة، فنحن نتكلم عن مجتمع يحمل طاقة تدمير ذاتي، إن كنا نتحدث عن 50% شباب يدعمون القتل ومفهومه و80% يشرّعون مصطلح 'شرف العائلة' الذي تحمله المرأة والوصاية عليها والعنف ضدّها، فنحن مجتمع لا يستطيع حمل مشروع وطني ليحارب القمعَ والكولونيالية والتسلط الإسرائيلي والعنصرية الإسرائيليّة، وغياب مفهوم العدالة والاحترام للذات والحرية والانتماء، فنحن لا نستطيع العمل كجمعيات وأحزاب'، وقالت زعبي: 'نحن مجتمع يعاني من سلبيّة وعدم مراجعة القيادة لذاتها، لأننا ننتهج نفس الوسائل منذ 20 سنةً ولا نصل إلى نفس النتائج، أمّا بما يتعلق بالعنف وكرامة الفرد، فإننا نعود للوراء إذ أن مظاهر جديدة طفت على السطح لم تكن موجودة قبل 6 سنوات، لتمنع عرض مسرحيات، وتعتدي على معلمين، فقط لأنهم يعلمون روايات'.

وأردفت زعبي قائلة إننا 'نعود إلى مفاهيم بدائيّة لم تكن قبل سنوات متعددة في مجتمعنا، وهنا يطرح السؤال: ماذا تفعل القيادة؟ أنا أؤمن بأنّ الأحزاب تحمل مشروعًا متكاملًا لشعبها ومجتمعها'.

 وأشارت إلى أهمية ضغط الشارع لمراجعة 'أداء القيادة السياسيّة، نحن نحتاج ذلك لإبراز ما هي الأمور التي تحاولون بلورة إجماع سياسي ووطني واجتماعي عليها ولا تستطيعون، أنا لا أؤمن بالأدوات القديمة في السياسة، فعلينا أن نطرح مقولتين، الأولى في المراجعة القيميّة، والبناء المصلحي المتمثل بمصلحة الناس بالحفاظ على أبنائها'.

من جهتها، قالت صفاء أبو شحادة 'إننا نحتاج لعمل جماعي مكثف وتوحيد الطاقات وطرح القضايا على الحيّز العام بطرق إبداعيّة والعمل مع الجمعيّات، ذلكَ أنّ قضايا قتل النساء هي أقسى أنواع العنف، والعمل بجمعيّات بشكل فردي يضرّ بشكل خاص بهذه القضايا'، مشيرةً إلى الصعوبة في التعامل مع الشرطة الاسرائيليّة وأهميّة العمل مع الفئات الشبابيّة لتغيير المفاهيم.

وتضمن المؤتمر حلقة نقاش عن دور الصحافة والإعلام من ظاهرة قتل النساء، يسّرتها رئيسة الهيئة الإداريّة لجمعيّة الشباب العرب - بلدنا، الإعلامية مريم فرح، وبمشاركة كل من رئيس تحرير موقع 'عرب 48'، رامي منصور، ومركّزة مشاريع جمعية إعلام، الإعلامية خلود مصالحة، والإعلاميّة في راديو الشمس و'سيحا مكوميت'، مقبولة نصّار، بالإضافة إلى الكاتب والصحافي وديع عواودة.

وفي بداية النقاش، قدّمت فرح افتتاحيّة للحلقة عن الإعلام العاكس لعلاقات القوّة والعلاقات الجندريّة، شارحةً عن دور الإعلام في تشكيل الوعي وصياغة الأحداث والأخبار والوعي السياسي والاجتماعي، قائلةً إن 'الإعلام الفلسطيني المحلّي في الداخل محكوم بمنظومتين هامتين، الأولى منظومة الاحتلال والاستعمار التي تفرض رقابتها، والثانية هي المنظومة الرقابية الموجودة في كل العالم، المنظومة الذكورية والأبويّة، كل هذه العوامل هي التي تشكل صورة المرأة الفلسطينيّة في الإعلام'.

وأردفت أنّ 'هناك أمورًا يجب الوقوف عندها قبل تغطية الأخبار وخاصةً أخبار قتل النساء، فهناك سيرورة من التهميش والتغييب وترسيخ للآراء السائدة، وتشييء المرأة، وهنا سنناقش تغييب الخطاب الحقوقي، ليس فقط تغييب حقوق المرأة، بل تغييب حقوق الإنسان بشكل عام'.

وفي هذا السياق، أشار عواودة إلى أنّ عدم حضور كثير من الصحافيين العرب ووسائل الإعلام لتغطية المؤتمر، يشير إلى تغييب للمرأة وقضاياها في الإعلام العربي، وذلك موصول بأنّ هناك نسبة كبيرة من القارئات العربيات والمتعلمات لكنهن لا يتواصلن مع الإعلام العربي ولا يعملن في هذا المجال تقريبًا.

وأفاد عواودة أنّ الإعلام العربي المحلي ضعيف وفي كثير من الأحيان يكون جزءًا من المشكلة لا من الحلّ، وأن 'هناك أسباب كثيرة تعود إلى النكبة وضرب الصحافة التي كانت في فلسطين حين كانت يافا عاصمة الصحافة، وغيرها من الأسباب التي أدت إلى أن كون ماكينة الإعلام المحلي ضعيفة ولا تقوم بدورها المنشود منها بشكل عام، إن كان على مستوى النقد الحكومي والذاتي والمسؤولية المجتمعيّة، وهنا يندرج موضوع النساء والناحية الجندريّة'.

وأشار عواودة إلى أنه يتوقع من الصحافيين، في حال حدوث جريمة قتل امرأة، مراجعة وفحص المصطلحات التي يستعملونا في أخبارهم، وبشكل خاص مصطلح 'شرف العائلة'، وأنه يجب على الصحافي أن يطعن بهذا المصطلح ليوصل للقارئ أنّ هذا المصطلح كاذب، ومن حق القارئ أن يعطيه الصحافيّ المعلومات الكاملة عن الأحداث، فعند حدوث جريمة قتل لامرأة، يجب على الصحفيّ أن يستشهد بالجرائم السابقة وذكرها والعودة للأرشيف لنقل الصورة البشعة، فهي ليست حادثة واحدة.

ومن جهتهِ أشارَ منصور إلى تقاعس الشرطة الإسرائيليّة في القيام بدورها حيال جرائم قتل النساء، مستشهدًا بجريمة قتل السيّدة سهى منصور من الطيرة، وكيف أصبحت الشرطة شريكًا في الجريمة، لأنّ الضحية اشتكت للشرطة عدة مرات تحت تهديد مباشر وفوري أنها ستقتل في أيّة لحظة، ولكن الشرطة تعاملت مع الموضوع على أنّه بلاغ كأي بلاغ عادي، بينما الجاني معروف، وهو نموذج يمكن تعميمه على كافة البلدات، ليس بالقتل فحسب، إنما بالاستهتار بالبلاغات.

وبخصوص الصحافة الإلكترونيّة وسرعتها وتحدياتها في نقل قضايا قتل النساء والتغطية الصحفيّة الموسعة، أجاب منصور: 'موضوع السرعة لا علاقة له بالجودة المهنيّة للأخبار، بإمكاننا نشر خبر سريع بطريقة مهنية، إعلامنا لا يحتوي على تخصصات ويفتقد إلى التحرير، فهناك بيانات تصل من الشرطة يتم نشرها كما هي مفعمة بالأخطاء لغويّة، عدا عن أنّ معظم وسائل الإعلام في الداخل تتعامل مع نفسها كوسائل إعلان، هدفها تجاري وليس صياغة وعي مجتمعي أو تقديم نقد مجتمعي'.

وأردف منصور أنّ 'تواجد المرأة بزخم في الإعلام يكون في زوايا الفنّ والطبخ وقلوب حائرة والأبراج، وتواجدها في غير ذلك معدوم، وحين تحدث جريمة قتل، تصنَّفُ الجريمة في زوايا المحاكم والجنايات، في حين أن الحماس الذي تتعامل فيه وسائل الإعلام العربيّة مع قضايا قتل النساء مماثل لحماس لعبة أبناء سخنين مع بيتار القدس، كأي خبر عابر ليومين وينتهي بعد ذلك'، مشيرًا إلى أنّ هناك قلّة في مهنيّة بعض الصحافيين، والمجتمع بدون إعلام مهني نقدي يصبح إعلامًا استهلاكيًا ينقل البيانات ولا يقدم تحقيقات صحافيّة تساهم في تطوير المجتمع ورفع وعيه وتسليط الضوء على كثير من مشاكله لحلها.

ودعا منصور إلى تطوير التعاون بين وسائل الإعلام والجمعيات النسوية للتشارك في حملات توعوية في إطار إستراتيجية سنوية، بدلًا من الوضع الحالي الذي يقتصر على نشر البيانات، وفي ختام حديثه، دعا، كذلك، إلى إطلاق مشروع تأهيل صحافيين في مجال محاربة العنف ضد النساء ودفع قضايا المرأة بشكل مهني في الإعلام.

أمّا نصّار، فاستعرضت تجربتها المهنيّة في إذاعة الشمس، ضمن برنامج لأكثر من 10 سنوات، لتصل إلى شرائح من المجتمع لا يمكن الوصول إليها في مثل هذه الندوات، مفيدةً أنّ هناك إمكانية لخلق خطاب يكون حاضرًا ليتفاعل معه الجمهور، بقولها 'بنهاية الأمر الجمهور يحتاج شيء ليفهمه وهو معنا'.

واستعرضت مصالحة بحثًا بعنوان 'ما زلن خاضعات'، يتطرق لصورة المرأة في الصحافة المكتوبة ككل العرب، الصنارة، بانوراما عامي 2009-2010، حيث تم رصد 3213 مقالًا، منهم 677 مقالًا عن النساء فقط، وهي كميّة جدًا قليلة، ولكن كيف ظهرت النساء؟

 لم تظهر النساء في هذه الأخبار بامتلاكها الرأيّ السائد إلا بنسبة قليلة، دائمًا تجربتها الشخصيّة غير مهمة كثيرًا، ليست متحدثة رسميّة أو إخصائيّة إلا قليلًا، ولم تظهر بصورة الإثارة. وتابعت مصالحة مستخلصةً من نتائج البحث أنّ المجتمع الهشّ لا يخلق صحافة قويّة.

وفي حديث لـ'عرب 48' مع مركزة المشاريع في جمعية بلدنا، قمر طه، قالت إنّ 'هذا المؤتمر جاء كتتويج لمشروع 'مناهضة قتل النساء'، وليعرض كذلك نتاج عمل الشبيبة والنساء'. وأكملت 'يريد هذا المؤتمر الخروج بتوصيات لنخرج إلى الميدان ونتابع العمل ونستمرّ في بناء خطة عمل كثيفة ومستمرة وعلى نطاف أوسع، ذلكَ لأنّ ظاهرة قتل النساء آخذة في الازدياد، بالإضافة إلى الحاجة في تغيير مفاهيم الشبيبة حول مصطلحات 'شرف العائلة' وغيرها بما يتعلق بظواهر قتل النساء والعنف ضدّهن'.

اقرأ/ي أيضًا | 2015 الأكثر بشاعة في جرائم قتل النساء

في حين أكدت المركزة في تنظيم كيان، منى محاجنة، لـ'عرب 48'، أنّ هناك 14 إمرأة خلال عام 2015 كانت ضحية العنف، و'هذا يدل على أننا كمجتمع وقيادات لم نأخذ مسؤولية في الموضوع، بل نسمح بإعطاء شرعية لمسلسل الدمّ'. وأردفت أنّ الجمعيتين عملتا على مشاريع متعددة وهذا بحاجة إلى استمراريّة والعمل على المجتمع الذكوري ومفاهيمنا وممارستنا وقوانيننا المجتمعيّة المستمدة من العادات والتقاليد المعتمدة كثوابت ومسلمات تحدّ من حرية النساء.

التعليقات