وفيقة ذياب... طالبة محاماة في عقدها السابع

إنها نموذج للإصرار على النجاح؛ تحملُ في داخلها أملاً كبيرًا سيتحقق، بأن يتحول مجتمعنا إلى مجتمعٍ أكثر علمًا وحضارةً وثقافةً وبناء أسس سليمة للأبناء في ظل عائلة متفاهمة تتبنّى فكرة التعليم،

وفيقة ذياب... طالبة محاماة في عقدها السابع

طالبة علم في عقدها السابع

إنها نموذج للإصرار على النجاح؛ تحملُ في داخلها أملاً كبيرًا سيتحقق، بأن يتحول مجتمعنا إلى مجتمعٍ أكثر علمًا وحضارةً وثقافةً وبناء أسس سليمة للأبناء في ظل عائلة متفاهمة تتبنّى فكرة التعليم، فكثير من النساء في مجتمعنا؛ يحاولن أن يصلن إلى ما وصلت إليه وفيقة ذياب من مدينة طمرة؛ لكنهن يخشيْن عائلاتهن، أزواجهن، بينما ترى أنّ الإصرار كفيل بتحقيق رغبة الإنسان حتى لو جاءَ الأمر متأخرًا بعض الشيء في سن الـ 62 من عمرها.

تفاصيل حياتها

قالت وفيقة ذياب لـ'عرب 48': 'تزوجتُ بجيل 21 عامًا، لديّ ثلاث أبناء، صبيتان وشاب، بعد تخرجي كان لدي حلم أن أنهي تعليمي الجامعي وبالذات في موضوع المحاماة؛ نتحدث عن فترة السبعينات، كان خروج الفتيات للتعلُم أمرًا ليس بهين، أولاً: إذا أرادت التعلُم فمُضطرة إلى المبيت، وهو أمرٌ لم يكن مقبولا بتاتًا في حينه، كان المجتمع منغلقا، لكنه يسمح للفتاة بالسفر والعودة إلى البيت'.

وأضافت أن 'العائلة لم تشجعني في حينه على التعليم بسبب وفاة والدتي وأبي وحيدًا، لذا لم يُسمح لي بالتعليم، رغم أنّ عائلتي كانت تعرف تمامًا رغبتي في التعليم، لم أستطع التحدي، قالوا: ابحثي عن تعليم قريب، لكنني طوال الوقت كنت أرغب بتعلم المحاماة، ثم تزوجت وأنجبت أبنائي، كنتُ أعمل في البنك، وطلبتُ إجازة لمدة سنة لأهتم برعاية أبنائي، كنتُ أؤمن أن الأم يجب أن تعطي الوقت الكافي لتربية أطفالها، أهم شيء في الحياة هي التربية بالشكل الصحيح'.

إلى ذلك أوضحت أنه 'طوال الوقت كنت أفكر في مسألة تعليمي الجامعي، لم أزِح عن هدفي أبدًا، وكنتُ أنتظر هذه الفرصة بشوقٍ كبير، سجلت مرّة أخرى في الجامعة، ولم أكن أملك رخصة سياقة للسفر، لكن طوال الوقت أفكر بالتعليم'.

دعم العائلة

وسردت وفيقة ذياب حكاية دعم أسرية رائعة، 'تزوج الأبناء، وجاءَت مرحلة التقاعُد؛ قلت لن أجلس في البيت بعد 35 عامًا من العمل. قررت أنه حان الوقت للتعليم، وكان عليّ أن أرضي العائلة؛ قلت لزوجي أرغب بالتوجه للتعليم؛ سألني زوجي: هل تشعرين أنكِ قادرة على هذا المشروع؟، أجبته نعم، وأضفت أنه لديّ طاقات كبيرة ولم تغِب أبدًا عن بالي، وأرغب باستغلال هذه الطاقات، قال: أنا سأدعمكِ طوال الوقت'.

هكذا خطت هذه المرأة المكافحة نحو التعليم الجامعي، 'كنتُ ضعيفة في موضوع الرياضيات، فطلبت من قريباتي مساعدتي وفعلاً وصلتُ إلى مرحلة متقدمة في التعليم بمركز الكرمل الأكاديمي، كانت البداية صعبة، كنتُ أعطي للدراسة وقتًا طويلاً أحيانًا حتى ساعات الصباح، وخاصةً في المحاماة، فقد تُضطرين لقراءة كتبٍ كاملة، صراحةً الأمر متعبٌ، لكنني كنتُ أدرس بشغف، حتى أنني انقطعتُ عن كل شيء، باستثناء الدراسة، أعطيتُ ما لدي من وقت، حتى أنهيت السنة الثالثة، وشعرتُ أنّ هذه هي أجمل أيام عمري، تغيرتُ فكريًا ومعنويًا، وشعرتُ أنني صغرتُ بالعمر، وكبرتُ بالعطاء، شعرتُ أنني إنسانة مختلفة، صرتُ أنظر إلى المجتمع وأفكر كيف لي أن أكون مجرد رقم. صحيح أنني الآن في جيل 62 عاما، لكنني متحمسة لإكمال تعليمي، ولم يتوقف طموحي، أفكر بإنهاء اللقب الثاني بفضل تشجيع بعض المدرسين الذي يتفاءلون بي، على اعتبار أنني امرأة عربية ومتدينة، هذا بالنسبةِ لهم أمرٌ ليس مفهوما ضمنًا. كان زملائي ينظرون باستغراب وأنا أحمل كتبي وأجلس على المقعد بين الطلاب وجلهم في مقتبل العمر، أعتبره تحدٍ كبير وكلي أمل أن أكون قدوة في هذا الأمر'.

تعامُل المجتمع

وفي إشارة إلى نظرة المجتمع وتعامله مع المرأة، قالت ذياب لـ'عرب 48': 'شعرتُ أنني قدوة للنساء... في الغالب كانت الانتقادات إيجابية، وقليلة جدًا التعليقات التي لا بُدّ منها، مثل 'بعد ما شاب ودوه عالكتّاب' و'عندك نِفس للقراءة؟'، وكل هذا لم يؤثر عليّ لأنني وضعتُ الهدف أمام عيني وسأصله، لكن الأغلب سمعتُ منهم الإطراءات، 'كيف استطعتِ تحقيق هدف طوال الوقت كنتِ تفكرين فيه؟' و'كل الاحترام لكِ'، وحتى اليوم أسمعُ تعليقات إيجابية ومن هذه التعليقات أستمد القوة وأبثُها لغيري حتى يحذو الآخرون حذوي'.

وأشارت إلى أن 'بعض النساء كانت تقول 'جربتُ وفشلت'، كنت أجيب: أنا أيضًا جربت وكان صعبًا عليّ، لكنني لم ولن أتنازل عن حلمي، لأنني أضع الهدف أمامي طوال الوقت، والأمر يحتاج إلى دراسة والإصرار وعدم التنازل تعني تحقيق الرغبة، هكذا يصل الإنسان إلى هدفه من خلال التصميم.

اقرأ/ي أيضًا| غزة: أحلام الخريجين تصطدم بمرارة الواقع

وأعربت عن شعورها بالرضا، 'الإحساس يتغير، تشعرين أنك صغيرة في العمر، تحملين طاقات جبارة، وتستطيعين استغلال هذه الطاقة بالشكل الإيجابي، شعرتُ أنني بخطوتي هذه منحتُ أملاً ونشاطًا لبناتي وقريباتي؛ ينظرن إليْ قائلات 'إذا كانت الأم وفيقة قد نجحت وحصلت على شهادة المحاماة، وعلى عروض عمل، فهذا يعني أنّ الأمل بالنجاح كبير'.

وأنهت وفيقة ذياب 'إنه احساس جميل أن تُلهمي الآخرين وتدفعيهم إلى التعليم'.

التعليقات