"معايدات الفيسبوك"... هل أفقدت الحياة فاعليتها الاجتماعية؟

وضعت مجموعة من القواعد والضوابط للمجاملات والتعزية عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وذلك لضبط التواصل الاجتماعي على تلك المواقع وعدم تعديه على العلاقات الاجتماعية على أرض الواقع.

"معايدات الفيسبوك"... هل أفقدت الحياة فاعليتها الاجتماعية؟

(أ.ف.ب)

أصبحت مواقع التواصل الاجتماعي تشغل حيزا كبيرا ورئيسيا في حياة كل فرد بالأسرة، فلم تتوقف على كونها مكانا لتصفح الأخبار والتواصل مع الآخرين، بل إنها تعدت ذلك لتصبح ساحة لعرض كل ما نقوم به في حياتنا اليومية من تناول طعام وحالات زواج وطلاق وإنجاب أيضا، فبمجرد قيام الشخص بعمل شيء ما أو حدوث شيء جديد في حياته يبدأ في عرض الصور الخاصة به على مواقع التواصل الاجتماعي لتنتشر بين الأصدقاء والمعارف، الأمر الذي جعل العالم الافتراضي أقوى من عالمنا الواقعي بل أخذ تدريجيا يحل محله، ما أفقد الحياة والمعاملات الاجتماعية والأسرية الكثير من مضمونها وفاعليتها النفسية والاجتماعية.

وضعت دراسة أجريت في الولايات المتحدة، مجموعة من القواعد والضوابط للمجاملات والتعزية عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وذلك لضبط التواصل الاجتماعي على تلك المواقع وعدم تعديه على العلاقات الاجتماعية على أرض الواقع، وتأتي في مقدمة تلك الضوابط تجنب نشر صور الآخرين، فهناك بعض الأشخاص الذين يظنون أنه من باب المجاملة نشر بعض الصور واللقطات الحية من المناسبات كالأفراح وأعياد الميلاد عبر مواقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك” و”إنستجرام”، في حين أن هذا من الممكن أن يتسبب في إزعاج الكثير لأنهم يريدون أن يكونوا هم أول من يقومون بنشر صور مناسباتهم، لذلك يجب الاستئذان أولا قبل القيام بالنشر، وعلى الشخص أن يكون حذرا في تهاني أصدقائه عبر الإنترنت، وتجنب الكلمات التي تثير ضيقهم، ففي حالة قيام شخص بعرض صورة له ولم تعجبك، فلا تعرض وجهة نظرك له، فيجب الاكتفاء بالكلمات اللطيفة فقط.

ووجدت الدراسة، أنه من أكثر الأشياء التي تزعج روّاد مواقع التواصل الاجتماعي في التهنئة هي التعليقات الطويلة التي تمتد لعدة أسطر، لذلك لابد من التعبير بكلمات بسيطة، لأن خير الكلام ما قل ودل.

أما فيما يخص قواعد التعزية وحالات الوفاة والحزن عبر مواقع التواصل الاجتماعي، فأوضحت الدراسة أنه من الأفضل أن يلتزم الشخص الصمت في مثل هذه الحالات، لأن الواقعة قد حدثت بالفعل، ولا داعي لزيادة الحزن على صاحبها، ولا يوجد داع لنشر تلك الأخبار وتذكيره بما حدث، لأن الصمت هو أفضل وسيلة لمساعدته في هذه المحنة، وعليك الحذر من التأخير في التعزية، لأن الشخص المقرب منك يعتقد أنك ستكون أول من يقف بجانبه ويواسيه في محنته، لذلك عليك عدم تجاهل كتابة بعض الكلمات لمواساته، ولا داعي للمزح في هذه الحالات، لأن البعض يعتقد أن الهزار في أوقات المصائب والوفاة يكون نوعا من التخفيف عن الشخص وإزالة حالة الحزن المسيطرة عليه، لكنه على العكس قد يولد ضيقا أكثر ويزيد من حدة ألمه، ومن الممكن أن يفهم المزاح على أنه بلادة في المشاعر، مع ضرورة التأكد من الخبر قبل إذاعته ونشره.

ويقول د. محمد الحديدي، أستاذ الطب النفسي بجامعة المنصورة: استخدام مواقع التواصل الاجتماعي من قبل الشباب وكبار السن أصبح شيئا مبالغا فيه، لأنهم يستخدمونه غالبا طوال اليوم، وهو يعد مؤشرا خطيرا على الإنسان وبداية لإدمان الفيسبوك ومواقع التواصل الاجتماعي بشكل كلي، مؤكدا أن المجتمع المصري من المجتمعات التي يصعب فيها التواصل الفعلي بين الأصدقاء نتيجة الخوف من ثقافة المجتمع التي تفرض عليهم عدم الاختلاط، لافتا إلى أن هناك بعض الأشخاص الذين يخشون التحدث عن خصوصياتهم لعدم الثقة في أحد، أو الخوف من إفشاء السر، وهو ما يؤدي إلى الهروب للتواصل التخيلي والتحدث بشكل أكثر حرية بنوع من أنواع التعبير غير المباشر، لأن أغلب الشخصيات على مواقع التواصل تكون شخصيات مستعارة تتحدث عما يدور داخلها من مشاعر دون أن يرفضها المجتمع.

اقرأ/ي أيضًا| المجتمع المدني: اتفاقيات إسرائيل وشبكات التواصل تهدد حرية التعبير

ويوضح الحديدي، أن المعايدات والتهنئة فقدت معناها الحقيقي بدخول مواقع التواصل الاجتماعي على المجتمعات، فبعد أن كانت المجاملات عن طريق الهاتف أو الزيارات الرسمية، أصبحت ترسل على تلك المواقع، وأصبح الأمر مبالغا فيه، وهو ما أدى إلى فقدان معنى الحياة الحقيقي، مشيرا إلى أن المعايدات قديما كان يغلب عليها الطابع الأسري، ويبدأ التجمع عند الأقارب في الأعياد وتبادل التهاني، فقد كان لها شكل وطعم خاص، لأن المصريين معروف عنهم التمسك بالعادات والتقاليد، لكن مع انتشار معايدات الفيسبوك وغيرها أصبحت التهنئة أشبه بالمضايقة، لأن بإمكان أي شخص أن يضع صورة أو كلاما ويضيف جميع الأصدقاء الموجودين على صفحته لرؤيتها، مستنكرا الوضع الحالي وكيف كان يتم التواصل في السابق، حيث كانت وسيلة التواصل الوحيدة للمغتربين من خلال الرسالة المكتوبة أو الاتصال التليفوني وبصعوبة، أما الآن فإن التواصل مع المغتربين والأصدقاء والأقارب أصبح يتم بنفس الشكل من خلال الهواتف أو مواقع التواصل ما أفقد الحياة معناها، مؤكدا أن هذا النوع من التواصل يتمتع بالسهولة واليسر والسرعة في التواصل وقلة التكاليف، إلا أنها لا يمكن أن تكون بديلا عن التواصل الشخصي الاجتماعي، لما له من تأثيرات اجتماعية ونفسية تنعكس إيجابيا على حياة الإنسان وتكوين شخصيته.

التعليقات