"شادي وأنا"... الأطفال ضحايا المجتمع يجدون ملاذا

"كانَ العهدُ طريَّ اللحمِ حين أتى إلى الحياة، ولكنّ من قطع وعدًا بهذا العهد رماه، وهكذا خانوه ووضعوه في صندوقٍ أمام منزلٍ في الخليل، بينما سلام لم يستطع أهلها، بسبب قسوتهم، تحمّل براءتها فألقوا بها في الملجأ بعد أن قتلوا أمّها.. وفي مكان

"شادي وأنا"... الأطفال ضحايا المجتمع يجدون ملاذا

'كانَ العهدُ طريَّ اللحمِ حين أتى إلى الحياة، ولكنّ من قطع وعدًا بهذا العهد رماه، وهكذا خانوه ووضعوه في صندوقٍ أمام منزلٍ في الخليل، بينما سلام لم يستطع أهلها، بسبب قسوتهم، تحمّل براءتها فألقوا بها في الملجأ بعد أن قتلوا أمّها.. وفي مكانٍ مشابه نجد طفلةً ذات الاثني عشرَ عامًا اغتصبها خالها ليأتي يوسف إلى الحياة ويضع بصمته هنا.. حيثُ بصم جميع الأطفال بألم'.

في ما سبق ثلاثُ نماذجٍ من العشرات الذين تتشابهُ قصصهم وتختلف، ولكنّهم جميعًا يشبهون شادي في شيءٍ واحد.. ألّا وهو المكان، الملجأ أو الدير أو المؤسسة الحاضنة لطفولتهم بدلًا من عائلاتٍ محبّة تخلّت عنهم، أما اسمُ شادي فكانَ نتاج مبادرة اجتماعيّة فريدة لتأسيس جمعيّة 'شادي وأنا' للرعاية بأطفالٍ ظلمتهم الحياة، وشادي عين كل طفل يتيم أو بعيد عن أسرته ويتواجد في الملجأ أو المؤسسة.

عن شادي الرمز

المؤسسة لجمعيّة 'شادي وأنا'، ليندا سليم، هي بالأساس معلمة لغة إنجليزيّة، بدأت الجمعيّة بفكرة منها حين رأت صديقتها في تاريخ 26.6.2015 تكتب على الفيسبوك منشورًا تعلن فيه أنّ من لديه ملابسَ وألعابًا لا يريدها يمكن التبرع بها للأطفال، فتحرّك شيء في داخلها، وفي ذات اليوم نشرت على صفحتها الفيسبوكيّة أنّها تريد إطلاق مشروع خيريّ للأطفال اليتامى والمحتاجين في المؤسسات، وذلك على قدر استطاعتها في عطلها وأوقاتها التي تسمح لها بذلك، وهي حملة تحت عنوان 'شوي مني وشوي منك بيفرحوا كثار' وما إن خرجت إلى النور حتى لاقت رحابًا كبيرًا.

وعن إنشاء المؤسسة قبل عام ونصف من اليوم، قالت سليم: بدأنا بزيارة الأطفال في المؤسسات، وعند أول زيارة لنا في 12.7.2015 وجدنا أصغر طفل في المؤسسة يبلغ من العمر 4 سنوات، ويدعى شادي، ناولته كيسًا للحلوى، وحين أخذه قبّله وضمّه إلى صدره ليشعرني أنّني قدمتُ له كل الدنيا بين يديه، ومن هنا أتى اسم الجمعيّة 'شادي وأنا'، ومن ذلك التاريخ فهمت أنّ هذه الأطفال لا تحتاج زيارات متقطعة على الأعياد فقط وبهذا تتالت الزيارات كل شهر تقريبًا لنقوم بفعاليات وألعاب معهم لنشعرهم بأهميّة وجودهم ومحبتنا لهم.

'بدأت الجمعيّة من ستةِ أشخاصٍ متطوعين تقريبًا، وبعد عام ونصف أصبحنا ما يقارب 55 متطوعًا ومتطوعة، أغلبيتهم من الجيل الشاب، ممن اعتبرتهم ليندا فخرًا للإنسانيّة، وتابعت أنّ الجمعيّة تجمعُ أغراضًا وملابسَ وأحذية وتقوم بتوزيعهم على المؤسسات والملاجئ والأديرة في الداخل الفلسطينيّ وفي الضفة الغربيّة التي يتواجد بها أطفال يتامى أو تخلى عنهم أهلهم، تتراوح أعمارهم ما بين جيل 0 إلى 14 عامًا' هذا ما قالته سليم.

الوعي المجتمعي

عن الوعي المجتمعيّ حين تأسيس الجمعيّة علّقت سليم 'حين خرجت المؤسسة كان هناك عدم وعي كافٍ حول الجمعيّة، ولكنني وجدتُ منذ البداية أشخاصًا يقدمون العطاء بسعادة من كل قلبهم، واستطعنا من خلال الجمعية رفع الوعي، وذلك عن طريق الفيسبوك الذي أتاح للجمعية أن تنمو عن طريق مشاركة المعلومات وتواصل الأشخاص من خارج الجمعية معنا والانضمام إلينا'.

وشرحت 'للأسف، المجتمع ينسى أحيانًا أنّ هؤلاء الأطفال ظُلموا، فيذهب الطفل إلى المدرسة وتصرفاته تختلف عن تصرفات طفل آخر تربى ضمن عائلة بسبب النقص والحزن والغضب الذي يشعر به وينعكس على تصرفاته، ويتجلى ذلك في بعض الأحيان بالعنف، عدم الاحترام، أو تصرفات أخرى، فنقوم بمحاسبتهم على تصرفاتهم وننسى سبب التصرف بأنّه أتى من معاناة وألم'.

وعن تأثرها بتلك المواقف، قالت إنّ 'كل زيارة لي للمؤسسات أنفرد دقيقة على الأقل لوحدي لأبكي هناك دون أن يراني أحد من الأطفال، تكسرني كلمة أو نظرة من طفل، وأحد المواقف المؤثرة، التي أتذكرها هي حين توجه لي الطفل يوسف، البالغ 5 سنوات، المولود لطفلةٍ أخرى 12 عامًا ونصف بعد أن اعتدى عليها خالها، وسألني إن كنتُ أحضرتُ له الحلوى معي؟ وبعد أن أخذ الحلوى سألني ما إذ كنتُ جلبتُ له حذاءً جديدًا، وطلب مني بعدها  أن أعود لزيارته يوم الخميس بكونه يصادف عيد ميلاده'.

واستطردت أنّ المعاناة التي يمرّ بها هؤلاء الأطفال تجعل بعضهم يشعر بالحزن منذ ولادته، رأيتُ أطفالاً يشعرون بالحزن في جيل 3 سنوات، إن داعبناهم لا يضحكون، وقد قمنا ذات يوم بفعالية الطابات الإيقاعيّة، وهي ضرب الطابة مع موسيقى، وجدنا بعضهم يضرب بغضب شديد، مما يظهر أنّ ما يمرون به يجعلهم يشعرون بكثير من مشاعر سلبيّة، يمكن التخلص منها عن طريق ورشات العمل مع عاملين اجتماعيين واخصائيين تربويين.

'إحدى المؤسسات في بيت لحم تحتوي على 51 طفلًا، 35 منهم أطفال مجهولو الوالدين أو غير شرعيين، والباقي ممكن أن يكون أهلهم لا يستطيعون تربيتهم بسبب أزمات اقتصادية أو اجتماعيّة، والأعداد هذه في تزايد'، كما أفادت ليندا.

الجيل الشاب يتطوع

الشاب محمد بقاعي (18 عامًا) من كابول، هو متطوع في الجمعيّة التي مقرها اعبلين، وعن سبب اشتراكه، أوضح أنّه يستطيع أن يقدم شيئًا للأطفال المفتقدين للحب والحنان، وقد تعلم كشابٍ من هذه التجربة أهميّة العمل التطوعي والخيري الذي يقدمه الإنسان لمساعدة الآخرين ليكون فيه سعيدًا وراضيًا عن نفسه هو أيضًا.

ومن جهةٍ أخرى، أعربت الشابة اليانعة جورجينا فهدان أنّها من خلال تطوعها تحاول تعويض الأطفال عن ما فقدوه من حنان العائلة والأم والأب، وتحاول إعادة رسم البسمة على وجوه هؤلاء الأطفال، وعن انخراطها بالجمعية، أشارت إلى أنّ ذلك كان بداية كان عن طريق منشور على الفيسبوك، فأحبّت الفكرة وبدأت بالذهاب مع الجمعية إلى المؤسسات المختلفة لرؤية الأطفال، وتشعر أثناء تواجدها هناك بالسعادة لتقديمها عطاءً إنسانيًا.

يذكر أنّ الجمعيّة قامت الأسبوع المنصرم بإقامة حفل لجمع التبرعات بعرافة الصحافيّ مصطفى قبلاوي، حضره أكثر من 600 شخص، تخلله فقرات فنيّة متنوعة لغناء الفنانة رنا إدريس، الفنان إباد طنوس، وعرض كوميدي للستاند أب، ايمن نحاس.

التعليقات