العنف ضد الأطفال... آفة تهدد المجتمع

تعتقد المستشارة التربوية والأسرية، سُريدة أسعد منصور من الناصرة، أنّ 'الأهل كثيرًا ما يفرضون ضغوطات وتضييقات تجاه أطفالهم، وقد يصل الأطفال إلى مواقع صعبة وقاسية من حيثُ العنف المستشري'.

العنف ضد الأطفال... آفة تهدد المجتمع

سُريدة أسعد منصور (عرب 48)

تعتقد المستشارة التربوية والأسرية، سُريدة أسعد منصور من الناصرة، أنّ 'الأهل كثيرًا ما يفرضون ضغوطات وتضييقات تجاه أطفالهم، وقد يصل الأطفال إلى مواقع صعبة وقاسية من حيثُ العنف المستشري'.

وقالت المستشارة لـ'عرب 48' إنّ 'العنف لا ينعكس فقط على الكبار، بل ينسحِب على الأطفال أيضًا، ما قد يُعرضهم إلى مشاهِد أليمة من بينها القتل أو موت أعزاء مقربين للعائلة، وفي العادة يتعرّض الأطفال إلى العنف الممارس مِن قِبل المقربين أو من جانب الأهل في بعض الحالات'.

أسلوب التربية

وعن معالجة العنف أكدّت منصور أنّ 'المشاكل والصعوبات يمكن معالجتها وفق أسلوب التربية الذي يتبعه الأهل تجاه الأبناء، وعندما يبدأ الطفل باستعمال ألفاظ سلبية في بيته أو يعبّر عن غضبه بطريقة يتخللها الصراخ واستعمال ألفاظ غير مقبولة، هنا يجب على الأهل الانتباه وفهم ما يجري مع أبنائهم، إذ يظهر جليًا أنّ الأطفال ليسوا بأحسن أحوالهم'.

وأضافت أنه 'يجب الانتباه إلى أسلوب التربية في البيت وفي المدرسة، ويفضَل للمربية أن تأخذ بالاعتبار الملاحظات الأساسية التي يحتاج الأهل لسماعها، وهُنا يُطرح السؤال: أين أنتَ كأب؟ وأينَ أنتِ كأم عندما يقوم الطفل بضرب ابن الجيران أو يعتدي على قريبه أو شقيقه في البيت؟ هل علينا كأهل تمرير الأمِر وكأنه لم يحصل أي شيء؟! أم أنّ هناك حاجة لسماع موقف الأهل وردة الفعل؟'، مؤكدة أن 'دور الأهل بإعطاء الطفل الشعور بالمسؤولية حينما يُخطئ تجاه الآخرين، وعليه فإنّ أكبر خطأ يرتكبه الأهل السكوت عن سلوك غير لائق يقوم به الأبناء تجاه الزملاء أو أبناء الحي أو الرفاق في المدرسة. وعلى الأهل سلوك نهج وأسلوب مفيد للأبناء، وأوله الاعتذار لمن يُخطئ بحقهم، أخلايوعلى الأهل تحميل الابن المسؤولية الكاملة عن سلوكه، وعلى الطفل الذي يُخطئ أن يتعلم الاعتذار والمصالحة، ويجب ألا يكون العقاب من خلال الضرب أبدًا، فطالما يتم استعمال أسلوب العنف، فقد يصل الأهل إلى مناطق العجز عن حل المشاكل، وقد يصل الأهل إلى مناطق العجز وتتفاقم المشاكل وتزداد سوءًا، ومن هنا علينا اتباع أساليب تربوية مقبولة على الكبار والصغار أيضًا، وعلى الأهل التعامل بأسلوب حواري لصالح الأبناء'.

دور المدرسة

وشدّدت المستشارة منصور على دور الأهل في تعزيز أساليب التربية في جميع الميادين سواء في البيت أو المدرسة أو الإعلام، أو البرامج التلفزيونية، وقالت إنه 'من المفترض أن تتكامل الأمور مع بعضها البعض، فعندما يشعر الطفل بوجود أكثر من رؤية ورسائل مزدوجة قد يفشل بفهم أساليب التربية المختلفة في المدارس والحي، والرسائل المختلفة قد تشوش عقل الطفل'.

وتابعت أنه 'يمكن فحص النجاح في النتيجة النهائية المرجوة، شرط الاتفاق على اعتماد نفس الأسلوب، بمعنى أنّ تستعمل المدرسة نفس أسلوب الأهل، وهنا يمكننا الحديث عن التربية الصحيحة المبنية على سماع الآخر، وإعطاء الدور والمكانة للأطفال وللأهل والمدرسة'.

وعن أهمية استخدام أسلوب أخلاقي وإنساني تجاه الأطفال، أصرّت المستشارة على خطورة تعنيف الأطفال لأسبابٍ واهية، وقالت إنه 'بالمقابل هناك أساليب تربوية مؤثرة، ويُخطئ المربون والمستشارون التربويون عندما يعتقدون أنّ الطفل غبي وغير مبال، على العكس فإنّ الطفل يعرف حدوده وحدود الآخرين، لكن تبقى المشكلة الوحيدة في تعزيز الوعي والمعرفة ومنح مساحة حرة من الأهل مع التركيز على الطفل نفسه وما يتعرّض له من مضايقات، وينصّب هُنا واجب الوالدين بإعطاء جميع الأدوات الحوارية والنقاشات اللازمة والاستعداد للدفاع عن النفس دون تقييد حرية الطفل'.

الاعتداءات الجسدية والجنسية

وأعربت المستشارة التربوية والأسريّة سُريدة منصور عن أهمية البحث الذي جرى، مؤخرًا، بالتعاون مع جهات ذات علاقة ومع جامعة حيفا حول العنف الممارس ضد الأطفال، وكان بين المشاركين في البحث 15 ألف طفلٍ من البلاد، ويُعتبر هذا البحث الأكبر من حيثُ الأبحاث العالمية.

وأشارت إلى أن 'البحث تطرق لموضوع الإساءة والإيذاء النفسي والجسدي والجنسي تجاه الأطفال، بينما يأخذ البحث بعين الاعتبار الفئات العمرية 12 عاما وحتى 16 عاما، ضمن صفوف السوادس وحتى العواشر، والمميّز في البحث أنه شامل ويعتمد على عدة شرائح في البلاد، لكنّ السلطات لا تزال تصنِف وفق الانتماءات الطائفية، دروز، بدو، مدارس علمانية، مدارس دينية وهكذا'.

وأوضحت منصور أنه 'شارك في البحث طلاب من جميع المدارس وبيّنت النتائج حجم المعطيات المخيفة، ففي مجتمعنا العربي هناك نسبة 76% من الأطفال العرب بَلّغوا أنهم تعرّضوا في الشهر الأخير لنوع من الإساءة، وأظهر البحث أنّه لا توجد عناوين للتوجه إليها في حال تعرّض الأطفال للعنف أو للاعتداءات على اختلافها، وعليه تمّ توسيع العمل في منطقة الشمال وأخذ المعطيات اللازمة'.

وأشارت إلى أنه 'كان على المربين أخذ دورهم في التربية والتعليم، بينما اهتم الأهل بهذا البحث بهدف تعزيز قدرة الأطفال على التوجه للعناوين المطلوبة، همنا قدرة الأطفال على التوجه للعناوين المطلوبة التي من شأنها أخذ هذه المعطيات. وجاء دور الأهل في متابعة التربية والتعليم بالمدارس، علمًا أنّ أهمية البحث تأتي بإعطاء الأطفال دورًا كافيًا لشرح ما يتعرّضون له من إيذاء'.

وأكدت المستشارة التربوية على 'ضرورة حصول الطفل على المساعدة من خلال عناوين تمكنه اللجوء إليها لتقديم شكوى بما يتعلق بعُنف المقربين أو الأهل أو الأصدقاء. وخلال البحث ساهم الأطفال في شرح معاناتهم والمضايقات التي تعرضوا لها، وهنا ينبغي بناء برنامج تربوي يتخلل التوجيه للحملة التي سُميت: 'أنا هنا... يمكنك التوجه إلي'. ويتم العمل في ست لقاءات، يُجرى خلالها فحص مظاهِر الإساءة التي يتعرض لها الطفل المعنّف، ولمن يجب التوجه لتقديم شكوى، ووصفت المعطيات بالعنيفة'.

ورأت منصور أنّ 'هناك ارتفاعا ملموسا في الوعي والمعرفة والتبليغ من قِبل أطفال تعرضوا للعنف، ويحتاجون لعلاج، أوضحت نتائج البحث أنّ 49% من الأطفال يعتقدون أن ليس لهم عنوان للتوجه إليه، لاحقًا ارتفعت المعطيات ووصلت نسبة المعرفة لدى الأطفال إلى 75% وأصبحوا على ثقة أنّ عنوانهم هي المدرسة أو المؤسسات التي تعمل على مواجهة العنف، وضرورة دعم الأطفال الذين يصلون إلى العناوين الضرورية من خلال الإنترنت أو الاتصالات الهاتفية'.

وأثنت على المشروع الذي انطلق قبل سنة وهو مستمرٌ حتى اليوم ويشمل 12 بلدة، أي بزيادة 6 بلدات عربية جديدة.

وعن الاعتداءات الجنسية، قالت المستشارة التربوية إنّ 'المعطى كان لافتًا، إذ إنّ الكثير من الأطفال قالوا إنهم يخافون التبليغ، وبعضهم صرح بعد محاولات حثيثة عن تعرضهم لاعتداءات جنسية، وصلت نسبتها لـ3% وأكثر، وهناك اعتداءات جنسية تحدث في البيوت ويُسكَت عليها، ويمنع الكشف عنها'.

وختمت منصور بالقول: 'كان يهمني في مسألة العنف والاعتداءات على الأطفال إيجاد حلول للسؤال: لماذا لا يُشير الطفل إلى مَن قام بتعنيفه أو الاعتداء عليه جسديًا، فجاء الجواب من الأطفال أنفسهم: فأحدهم قال: 'أخشى أن أسبِب خللاً في العائلة'، 'أخشى أن أكون مذنبًا'، 'أخشى أن أفكك العائلة'، كل هذه مؤشرات للاعتداءات التي يتعرض لها الأطفال داخل العائلة أو من المقربين، وكلما كنّا أكثر وعيًا، كلما أنقذنا أطفالنا من العنف'. 

التعليقات