كارثة أطفال الشوارع في مصر: جيل ثان يفترش شوارع المدن

تبيّن طفلة لم تبلغ العامين من عمرها وترتدي ملابس رثة، تجري في الشارع إلى جوار أمها التي لم تعرف هي الأخرى مأوى سوى الشارع: تتفاقم مشكلة الجيلين الثاني والثالث من أطفال الشوارع في مصر، حيث الازمة الاقتصادية تتفاقم.

كارثة أطفال الشوارع في مصر: جيل ثان يفترش شوارع المدن

(أ ف ب)

تبيّن طفلة لم تبلغ العامين من عمرها وترتدي ملابس رثة، تجري في الشارع إلى جوار أمها التي لم تعرف هي الأخرى مأوى سوى الشارع: تتفاقم مشكلة الجيلين الثاني والثالث من أطفال الشوارع في مصر، حيث الازمة الاقتصادية تتفاقم.

أمام مسجد السيدة زينب في الحي الشعبي الذي يحمل الاسم نفسه في وسط القاهرة، تجلس الأم الشابة أسماء، البالغة من العمر 22 عاما، مع طفلتها شهد، يوميا، وتعيش على ما يجود به عليها المصلون من صدقة، ومساء تنامان في الشارع في المكان نفسه.

ووضعت الحكومة المصرية برنامجا لمواجهة ظاهرة "الأطفال بلا مأوى"، وشكلت وزارة التضامن "فريق الشوارع" الذي نزل أعضاؤه مرتدين قمصانا خضراء كتب عليها "إحنا معاك... حياة آمنة كريمة لكل طفل"، إلى حي السيدة زينب حيث يوجد تجمع كبير من أطفال الشوارع للتحدث معهم وبناء علاقة تسمح بإقناعهم بالانتقال إلى دار رعاية تابعة للوزارة. ولكن الفريق أنهى جولته اليومية دون أن يصطحب شهد إلى هذه الدار.

ويوضح رئيس فريق الأخصائيين الاجتماعيين الذي يعمل في السيدة زينب، أحمد كمال، أن "أحدا لا يعرف من هو والدها"، مشيرا إلى أن أسماء، مثل عدد كبير من النساء المتشردات في الشوارع "تزوجت عرفيا مرات عدة" ويرفض والد ابنتها "الاعتراف بنسب الطفلة".

ويضيف أن "القانون لا يسمح باستقبال أي طفل في دار للرعاية إذا لم تكن لديه شهادة ميلاد موثقة. ومعظم هؤلاء الأطفال هم من الجيل الثاني أو الثالث من أطفال الشوارع وليست لديهم أوراق رسمية".

ويتابع "يتطلب الأمر إجراءات إدارية طويلة لاستخراج أوراق ثبوتية للأطفال مجهولي النسب".

حزام الفقر

ويقدر عدد أطفال الشوارع في مصر قرابة 16 ألفا، وفق بحث أجرته وزارة التضامن في العام 2014، بحسب المسؤول الإعلامي لبرنامج "أطفال بلا مأوى" حازم الملاح.

غير أن منظمة "يونسف" تقدر عددهم بـ"عشرات الآلاف"، وفق ممثل المنظمة في مصر، برونو مايس.

وترفض طبيبة الأطفال هنا أبو الغار، التي أنشأت في العام 2009 مؤسسة "بناتي"، الخوض في الأرقام، وتؤكد أن "كل التقديرات لا تحظى بالمصداقية".

ولكن في بلد يعيش 24 مليونا من سكانه، البالغ عددهم 90 مليونا، تحت خط الفقر، ويشهد أزمة اقتصادية قفزت بمعدل التضخم السنوي إلى قرابة 33% في نهاية أبريل/نيسان، "تتفاقم المشكلة بالتأكيد وتزيد الأعداد وتقلّ أعمار أطفال الشوارع"، بحسب أبو الغار.

وتعتقد الطبيبة الشابة أن "حزام الفقر"، وهي المناطق العشوائية الموجودة حول القاهرة والإسكندرية، والتي يقطنها ثمانية ملايين مصري، وفق تقديرات رسمية، "أصبحت المصدر الرئيسي" لأطفال لم يعرفوا أبدا معنى المنزل أو الأسرة.

وتقول "حتى بداية العقد الماضي، كان أكثر أطفال الشوارع من قرى الصعيد الفقيرة. ولكن خلال السنوات العشر الأخيرة كبرت العشوائيات وأصبحت تقذف بأطفال إلى الشارع يمارسون الدعارة والسرقة والتسول".

ويقول مايس إن "العنف المنزلي والعلاقات الجنسية بين المحارم داخل الأسرة ثم الفقر"، أبرز دوافع هروب الأطفال من بيوتهم، مضيفا "هذا يحدث في العشوائيات وفي الأسر التي تعاني من البطالة ومن تعاطي المخدرات ومن مستوى تعليمي ضعيف".

قنبلة قد تنفجر

وتواجه الجمعيات الأهلية التي تعمل مع أطفال الشوارع، المشكلات نفسها التي تصطدم بها وزارة التضامن. وتسعى "بناتي" إلى تقديم مساعدة عملية لهؤلاء الأطفال.

ففي منزل كبير محاط بحديقة في ضاحية 6 أكتوبر غربي القاهرة، يمرح أطفال تراوح أعمارهم بين عامين وأربعة أعوام في قاعة تستخدم كحضانة وتحوي لعبا وأوراقا وأقلاما للرسم والتلوين.

وينتمي هؤلاء إلى "الجيل الثاني أو الثالث" من أطفال الشوارع الذين تمكنت المؤسسة من استخراج أوراق ثبوتية لهم وجنبتهم أن يلقوا مصير أهاليهم.

بين هؤلاء الأبناء الثلاثة لأميرة، وهي شابة في الثانية والعشرين من عمرها تعيش في الشارع منذ أن كان عمرها خمس سنوات.

وتقول أميرة "اعتدت هذه الحياة وأكثر ما أعجبني فيها الحرية. لا أحد يقول لي أي شيء أو يفرض علي أي شيء وكل شيء مباح". ولكنها مع ذلك تقول باكية "لو تعلمت، لكنت أصبحت شخصا جيدا جدا".

وتزوجت أميرة زواجا عرفيا. وعندما جاءت إلى الجمعية، تم توثيق زواجها من والد أبنائها الذي ينفذ حاليا عقوبة سجن بسبب جريمة سرقة. وبالتالي كان في الإمكان استخراج شهادات ميلاد للأبناء الثلاثة ونقلهم إلى مركز الإقامة في ضاحية 6 أكتوبر.

وتتردد الشابة بصفة منتظمة على مركز الجمعية في منطقة الجيارة الشعبية غرب القاهرة، وهو عبارة عن شقة ضيقة يتم استقبال النساء فيها لمساعدتهن على العمل وإيجاد مسكن إذا كانت أعمارهن تزيد عن 18 عاما أو نقلهن إلى مركز إقامة إذا كن أصغر سنا.

وتلتقط الجمعية كذلك "الفتيات المعرضات" لأن تصبحن من أطفال الشوارع مثل نسرين التي وفرت لها "ماكينة حياكة أصنع بها أغطية للأسرة وأبيعها للجيران، فأكسب ما يساعدني على العيش أنا وإخوتي"، على حد قولها.

ولولا هذا العمل، كانت نسرين تريد ترك بيتها منذ ثلاث سنوات لتعيش "بعيدا عن المشاكل" الناتجة عن عجز والدها المعاق عن العمل.

وتقول أبو الغار "يجب أن نخشى انفجار مشكلة ملايين تربوا خلال العشرين سنة الأخيرة في العشوائيات وحرموا من أمان الأسرة ولا مهارات لديهم ويلجؤون إلى العنف لحل أي مشكلة. يتزوجون أحيانا 14 مرة ويعانون من كل الأمراض".

وتخلص إلى أن "المشكلة الحقيقية هي أن تعيش أجيال كاملة في الشوارع".

التعليقات