تزايد حالات الانتحار بالعراق.. أزمة اجتماعية تثير قلق السلطات

شهدت معدّلات الانتحار في العراق تزايدًا ملحوظًا خلال السّنوات الأخيرة، إذ ارتفع عدد حالات الانتحار من 383 خلال العام 2016 إلى 519 في 2018، لتشهد الأشهر الأربعة الأولى من العام الجاري وحدها نحو 200 حالة انتحار

تزايد حالات الانتحار بالعراق.. أزمة اجتماعية تثير قلق السلطات

(Pixabay)

شهدت معدّلات الانتحار في العراق تزايدًا ملحوظًا خلال السّنوات الأخيرة، إذ ارتفع عدد حالات الانتحار من 383 خلال العام 2016 إلى 519 في 2018، لتشهد الأشهر الأربعة الأولى من العام الجاري وحدها نحو 200 حالة انتحار، نقل بعضها عبر خاصّيّة البثّ المباشر في منصّات التّواصل الاجتماعيّ؛ وفي منتصف شهر تموز/ يوليو الحالي، وقعت ثلاث حالات انتحار في بغداد خلال 24 ساعة فقط، كان ضحيتها رجلان وامرأة، بحسب ما ذكرته وكالة "فرانس برس".

وتثير المعطيات الأخيرة قلق المؤسسات الحكومية والدينية والإعلامية في العراق الذي يقدر عدد سكانه بأربعين مليون نسمة غالبيتهم من المسلمين، إذ أنّ هذه الأعداد هي الحالات المسجلة فقط، فتوجد حالات كثيرة تقع في عموم العراق، من الجنوب ذي الغالبية الشيعية والمجتمع العشائري، إلى الشمال الكردي والغرب السني، من دون أن تبلغ العائلات عن انتحار أحد أفرادها لكون ذلك يمثل وصمة عار للعائلة ومخالفة لتعاليم الإسلام.

وتقول ندى (22 عاما)، وهو اسم مستعار، إنه "لم يكن هناك ضوء" في أفق حياتها، ما دفعها للقيام بعشرات محاولات الانتحار، وإنها بدأت محاولاتها مذ كانت في الثانية عشرة من عمرها؛ واغرورقت عيناها بالدموع وهي تستذكر بحسرة تلك المحاولات، إما بتناول سم فئران أو قطع شرايينها أو شنقًا، وذلك عندما منعها أهلها من مواصلة الدراسة، ثم تعرضها لـ"اعتداءات جنسية" على أيدي أشقائها وتعنيف من زوجها الحالي.

(Pixabay)

أما أحمد (22 عاما)، فحاول الانتحار مرتين بتناول مواد سامة، لرفض أهله زواجه من فتاة أحلامه، ويقول أحمد الذي يسكن قرب مدينة الناصرية في جنوب البلاد، "لم يكن أمامي خيار آخر غير الانتحار، لأن أهلي رفضوا زواجي (...). حتى زوجتي، يريدون هم أن يختاروها لي".

ولا تقتصر أسباب الانتحار على مشاكل الحب والزواج، فهناك أمراض نفسية وصعوبات اقتصادية خلفتها حروب متلاحقة على مدى العقود الأربعة الماضية، إضافة إلى البطالة التي يعاني منها نحو 20% من العراقيين، غالبيتهم من الشباب، وظروف النساء وأعباء التقاليد.

لكن ظاهرة الانتحار باتت في تزايد وصارت واضحة ومتكررة بشكل شبه يومي، في بلد يستعيد تدريجيًّا استقراره الأمني، ويبدو جليًّا افتقاره بقوّة لعلاجات نفسيّة لمن يحاولون وضع حدّ لحياتهم.

وتقول معالجة نفسية في بغداد طالبة عدم كشف هويتها لوكالة "فرانس برس" أنّه "كان الخلاص من الإرهاب أكثر ما يشغلنا، على مدى سنوات"، مضيفة "الآن، بدأ الناس التعامل مع مشاكل اجتماعية مثل الانتحار والمخدرات".

وارتفعت نسبة الوعي للمشكة بعد أن انتشرت لقطات لشباب يقدمون على الانتحار شنقًا أو بالرصاص وأحيانا بإلقاء أنفسهم من جسر، مباشرة عبر وسائل التواصل الاجتماعي.

(Pixabay)

وتقول أمل كَباشي، منسقة "شبكة النساء العراقيات"، وهي منظمة إنسانية تعنى بشؤون المرأة، إن البعض "لجأ إلى شبكة التواصل الاجتماعي للفت الانتباه وجعل الناس يتفاعلون معه"، في المقابل، أثارت مشاهد الانتحار المباشرة والمتكررة صدمة دفعت شخصيات رسمية ودينية للتحرك، وهو ما تراه كبّاشي "إيجابيًّا".

فاعتبر المرجع الشيعي الأعلى في العراق آية الله علي السيستاني أن الدافع للانتحار هو "اليأس من المستقبل وعدم القدرة على مواجهة المشاكل"، داعيا الجهات المسؤولة إلى "العمل على معالجة المشاكل وتجاوزها"، كما اعتبر رجل الدين الشيعي البارز مقتدى الصدر الظاهرة "قتلًا للأمل".

وترى الأخصائية النفسية أن "هناك حديثًا عن الانتحار بشكل أكبر، لكن ليس بالأسلوب الجيد دائما"، مضيفة أن "بعض رجال الدين يعتبرون الانتحار ضعفًا في الإيمان، وهذا لا يساعد الضحايا ولا عائلاتهم" في معالجة مشاكلهم. وشدّدت  على ضرورة تنظيم "حملات لمواجهة ذلك، ووضع أرقام خط أخضر لمشكلة الانتحار، وبرامج تلفزيونية تطرح حلولًا"، ودعم الناس في العراق الذي لا يوجد فيه سوى ثلاثة أطباء نفسيين لكل مليون نسمة.

وأشارت كوباشي إلى أن "الانتحار يكثر بين المراهقين والشباب، لأنهم الفئة الأكثر بؤسًا، من حيث فرص العمل والتعليم والاهتمام"، مضيفةً أنّه "لا تتوفر حتى الآن آليات حكومية حقيقية لمعالجة واقع هذه الفئة".

فيما اعتبر الباحث الاجتماعي، عبد المنعم الشويلي، أن "العامل الأبرز وراء الانتحار هو الاقتصاد، بالإضافة إلى ضعف الروابط الاجتماعية وغياب الحب، (ما يؤدي) للوصول إلى حالة يأس من المستقبل".

وقبل فترة قصيرة، دفع تزايد الانتحار بالسلطات المحلية في بغداد إلى التفكير بتثبيت حواجز بارتفاع مترين على الجسور، للحد من ذلك، لكنها بقيت مجرد فكرة؛ وتبذل القوات الأمنية جهودًا متواصلة، خصوصا الشرطة النهرية، لإنقاذ بعض الذين يحاولون الانتحار.

ويقول القائد السابق للشرطة النهرية في بغداد، الضابط محمد الربيعي، أنه بين كانون الثاني/ يناير ونيسان/ أبريل، تم إنقاذ "36 شخصًا" ألقوا أنفسهم في أنهر. لكن في بعض الأحيان يكون الأوان قد فات، بحسب الربيعي الذي يستذكر إحدى حالات الانتحار المؤلمة التي قامت بها "سيدة فألقت أحد أطفالها وعمره أقل من خمس سنوات، من جسر على نهر دجلة ثم رمت نفسها وهي تحمل طفلها الآخر"، متابعًا "لحسن الحظ تمكنت الشرطة النهرية من إنقاذها مع أحد أطفالها لكن الطفل الآخر توفي غرقا".

التعليقات