الشباب الغزيّ.. من واقع مرير نحو المجهول

تهدد الظروف المعيشية واقع الشباب الغزيّ، في ظل تصعيد العدوان الإسرائيلي والتبعات السلبية للانقسام السياسي الفلسطيني الداخلي

 الشباب الغزيّ.. من واقع مرير نحو المجهول

من زفاف بغزة (الأناضول)

تهدد الظروف المعيشية واقع الشباب الغزيّ، في ظل تصعيد العدوان الإسرائيلي والتبعات السلبية للانقسام السياسي الفلسطيني الداخلي.

وتتعدد الأزمات التي تعاني منها فئة الشباب بغزة أبرزها، ندرة فرص العمل، تفشّي البطالة، عدم القدرة على استكمال التعليم الجامعي، الأعباء المالية التي تحول دون الزواج، صعوبة التنقل والسفر بسبب إغلاق المعابر، بالإضافة إلى إغلاق منافذ الوصول إلى مراكز صناعة القرار.

وبحسب بيانات صادرة عن مركز الإحصاء الفلسطيني لعام 2019، فإن عدد الشباب من كلا الجنسين يبلغ نحو 1.1 مليون، إذ تتراوح أعمارهم بين 18 و29 عاما، وهم من أصل 5.1 مليون فلسطيني يعيشون في الضفة الغربية وقطاع غزة.

وبلغت نسبة البطالة بين جيل الشباب في قطاع غزة نحو 70%، مطلع العام الجاري، وفقا لما أوردته اللجنة الشعبية لرفع الحصار عن غزة، فيما بلغت في صفوف المواطنين بشكل عام 46%، مقابل 14% فقط بالضفة الغربية المحتلة، بحسب البيانات الرسمية.

وتفاقمت نسبة البطالة بين الشباب، لعدة عوامل أبرزها الحصار الإسرائيلي الذي أدى إلى إغلاق عشرات المنشآت التجارية والصناعية، بالإضافة إلى الانقسام الفلسطيني الذي ساهم في انخفاض معدلات التوظيف، وتسبب في إغلاق عدد من المؤسسات.

ويكمن حل مشكلة البطالة لدى شباب غزة، وفق مراقبين، في "إنشاء مشاريع تشغيلية محلية فورية، وتوفير فرص تدريب تتيح لهم العمل في مجالات العمل الحر والإلكتروني عبر شبكات الإنترنت".

وفي السياق ذاته، قال الكاتب والباحث الفلسطيني، مصطفى إبراهيم، للأناضول، إن "عدم وجود أماكن كافية لرعاية مواهب الشباب وتعزز من إمكانياتهم وقدراتهم، يساهم في زيادة نسبة اليأس لديهم".

مطعم في قطاع غزة (أ ب أ)

وتابع إبراهيم "إنشاء الحاضنات الشبابية، التي ترعى المواهب والقدرات والإمكانيات، من شأنها أن تساهم إيجابيا في دفع عجلة الحياة المجتمعية".

ودعا الشباب إلى "ضرورة تحدي الظروف وإنشاء مبادرات وأنشطة تعبّر عنهم بشكل مباشر، دون انتظار مبادرة الجهات الحكومية والأهلية بذلك".

وبحثا عن فرص أفضل للحياة، يتجه عدد من الشباب للتفكير بالهجرة خارج قطاع غزة، من أجل العمل وتنمية قدراتهم في المجالات الأكاديمية والفنية والشعبية.

وأظهر استطلاع للرأي حول هجرة الشباب، أجراه "مركز الدراسات وقياس الرأي" التابع لـ"جامعة الأقصى" المحلية، أنّ 61% من أفراد العينة سيوافقون على الهجرة في حال عُرضت عليهم.

وأوضح الناشط المجتمعي الشاب، إيهاب المغربي، للأناضول، أنّ "موضوع الهجرة من أكثر المواضيع التي تُطرح في المجالس الشبابية، وذلك بسبب ما وصلت له الأوضاع المحلية من حالة سيئة، وانسداد للآفاق المستقبلية".

وقالت مديرة مركز الإعلام المجتمعي (غير حكومي)، عندليب عدوا: "شعور الشباب بعدم قدرتهم على استكمال دراستهم الجامعية، أو تغطية الرسوم الدراسية، من أعقد وأصعب المشكلات التي تواجد هذا الجيل".

وتابعت عدوان "التعليم الجامعي، بشقيّه الأكاديمي والمهني، يعتبر البوابة الأولى للشباب، التي يفترض أن يعبروا من خلالها للمجتمع وسوق العمل".

وطالبت عدوان الجهات الرسمية بـ"تبنّي مشاريع واضحة تؤمن التعليم الشامل لجميع الطلاب"، معتبرة أن "الاصطدام في معيقات التعليم يؤثر على نفسية الشباب وطبيعة تفكيرهم".

شاطئ غزة (أ ب أ)

وأشارت بيانات مركز الإحصاء الوطني (حكومي) إلى أنّ 50% من الشباب (18- 29 عاما)، كانوا في عام 2018 خارج سلك العمل والتعليم والتدريب، بواقع 41% في الضفة الغربية، مقابل 63% في قطاع غزة.

وبحسب ورقة صادرة عن مركز مسارات للأبحاث والدراسات (غير حكومي)، فإن متوسط التكلفة السنوية للدراسة الجامعية، للطالب الواحد تتراوح بين 1000 - 2000 دولار أميركي.

ويعاني الشباب، كما بقية السكان المحاصرين، من صعوبة التنقل من وإلى قطاع غزة، جراء الإغلاق الدوري لـ"معبر بيت حانون (إيريز)" مع إسرائيل و"معبر رفح" مع مصر.

(أ ب)

وفيما يتعلق بمعبر بيت حانون، فإن إسرائيل لا تسمح لجميع الفلسطينيين التنقل بحرية من خلاله، إنما وفق شروط وتقييدات، أبرزها الحصول على الموافقة الأمنية من قبل تل أبيب.

أما معبر رفح، فقد شهد حالة من الإغلاق شبه الكامل منذ تموز/ يوليو 2013 لدواعٍ أمنية، إلا أن العمل فيه تحسّن في أيار/ مايو 2018، بعدما أعادت مصر فتحه، ما خفف بشكل كبير من الأزمة الإنسانية التي يعاني منها الراغبين بالسفر.

في المقابل، تسببت أزمة كورونا، مؤخرا، بتفاقم القيود المفروضة على حرية التنقل، إذ فرضت الجهات الحكومية المختصة بغزة، إغلاقا للمعابر منذ منتصف آذار/ مارس الماضي؛ ضمن جهودها في مكافحة الفيروس المستجد.

وخلال الأزمة، جرى فتح معبر رفح استثنائيا لعدة مرات، من أجل دخول العالقين في الجانب خارج القطاع، كما جرى السماح بخروج المسافرين من القطاع، للمرة الأولى منذ الإغلاق، على أن يستمر خروجهم لمدة 3 أيام.

الشاب الغزاوي، عبد الكريم جبر (30 عاما)، حاول خلال السنوات الخمس الماضية، السفر للخارج أكثر من مرة، من أجل العمل في الخارج وبناء حياة جديدة؛ لكن محاولاته باءت بالفشل.

وأوضح جبر "وضع المعابر بغزة، والإغلاق شبه الكامل، وهذه الظروف المعقدة، قاتلة لأحلام الشباب".

ويحتاج الشابّ الفلسطيني الراغب في الزواج، إلى تكاليف مالية باهظة ومستلزمات عديدة، أبرزها توفير مسكن ومهر شرعي ومتعلقات حفل الزفاف التي يصفها البعض بـ "المرهقة"؛ في ظلّ حالة الفقر والبطالة، الأمر الذي دفع الشباب للعزوف عن الزواج.

ومن جانبه، أكّد رئيس مجلس القضاء الشرعي، حسن الجوجو، في تصريحات صحفية سابقة، تراجع نسبة الزواج عام 2019، معتبرا ذلك "مؤشرا خطيرا على الحالة الاقتصادية الصعبة التي يمر بها شباب القطاع".

وفيما يخص المؤسسات الحكومية والأحزاب الفلسطينية، فهي لا تضم في هيئاتها القيادية والإدارية العليا، أشخاصا من فئة الشباب، إلا بنسبةٍ محدودة جدا، تكاد لا تتجاوز 1%، بحسب ما أوضحه الباحث الأكاديمي، إسلام عطا الله.

وأضاف عطا الله "غياب الشباب عن مراكز صناعة القرار بالمؤسسات الرسمية والحزبية، يساهم في غياب طرح قضاياهم داخل البؤر القيادية، التي يُفترض أن يكون المسؤولين فيها هم أول المبادرين لحل تلك الأزمات".

وبيّن أنّ استمرار تلك الحالة يساهم في زيادة مشكلات الشباب "لأنّ معظم القيادات الفلسطينية الحالية، لا تعمل لصالح تنفيذ مشاريع تنموية وتشغيلية، ولا تلتفت لهموم الشباب ومعاناتهم إلّا في المناسبات الرسمية".

كما تسبب الانقسام السياسي بين حركتي "فتح" و"حماس" عام 2007، بتعطّل العملية السياسية بشكل شبه كامل، الأمر الذي أفقد الشباب حقوقهم في المشاركة السياسية.

واستكمل عطا الله قائلا "إهمال فئة الشباب، له تبعات وانعكاسات وخيمة ليس على تلك الفئة فحسب بل على الأمن والتنمية في الدولة الفلسطينية بأكملها".

وعلى صعيد قطاع غزة، لفت الباحث إلى أنّ "مشاركة الشباب في المجال السياسي تنحصر في التنظيمات والأحزاب، والفعاليات الوطنية والشعبية؛ بعيدا عن مشاركتهم في العملية الديمقراطية".

التعليقات