"في شمال ايرلندا نجح ذلك"

كتبت د.ألينا كورن* في صحيفة هآرتس:


"تؤجل اسرائيل على مر السنين، بأي وسيلة ممكنة، الإطلاق الجارف لسراح أسرى فلسطينيين. ومن يسعى للوصول الى تهدئة الوضع عليه أن يدرك أن هذه العملية يجب ألا تنفذ كمنّة من إسرائيل تجاه الفلسطينيين، بالرغم من أن بوادر حسن النية لن تضر أبداً. وعلى اللجنة الوزارية الخاصة التي ستناقش إطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين والمصادقة على توصيات جهاز الأمن، أن تسعى الى إطلاق سراح عدد كبير من الأسرى، وليس العكس. ومن يقوم بإحصاء الأسرى المسجونين وإحصاء أبناء عائلاتهم، الذين ينتظرونهم منذ الوعود التي قطعت في اتفاقيات أوسلو: عليه ألا يستغرب من فقدان السلطة (الفلسطينية) للتأييد في كل مرة تنتهي المفاوضات على إطلاق سراح أسرى بشكل رمزي.

وبدون الدخول في مناقشة تاريخ "المهزلة" التي تسمى "إطلاق سراح الأسرى"، ومناقشة العرض والطلب، وأسرى "أيديهم مخضبة بالدماء"، وكأن أيدي سجانيهم تنضح لطفاً، تجدر الإستفادة من تجربة النزاع في شمال ايرلندا. فقد اتفقت الحكومتان البريطانية والإيرلندية، مع الأحزاب الإيرلندية التي دعمت الإتفاق، على إطلاق سراح غالبية الأسرى السياسيين، بضمنهم أولئك "المخضبة أيديهم بالدماء"، واستغلت عملية إطلاق سراحهم لزيادة التأييد الواسع للعملية السياسية.

وفي اتفاقية "يوم الجمعة" التي وقعت في نيسان/ابريل 1998، تم الإتفاق على إطلاق سراح الأسرى الذين ينتمون الى التنظيمات الموقعة على الإتفاقية خلال سنتين. وبدأت عملية إطلاق سراحهم قبل تجريد المنظمات المقاتلة من أسلحتها واستمرت العملية حتى في ظل تنفيذ أعمال "إرهابية". وبعد شهر من توقيع الإتفاق، أطلقت الحكومتان البريطانية والإيرلندية سراح عدد كبير من الأسرى الجمهوريين، وسمح لهم بالإشتراك في مؤتمر مؤسسات "شين فين" لإقناعهم بدعم الإتفاقية. ورغم حفاوة الإستقبال التي حظي بها القدامى من الأسرى مما أثقل على منظمي الحملة في الدفع باتجاه دعم الإتفاقية، وأثقل أيضاً على المؤيدين للسيطرة البريطانية على شمال إيرلندا، إلا أنه في نهاية الأمر فإن عملية إطلاق سراح الأسرى الواسعة سارعت من المصالحة.

في آب/أغسطس 1998، وفي أعقاب سن القانون لإطلاق سراح الأسرى، بدأت لجنة خاصة بمناقشة الطلبات الشخصية للأسرى، وتمت مناقشة 446 طلباً. وبعد شهر بدأت عملية إطلاق سراحهم بأعداد كبيرة. وفي جمهورية إيرلندا جرى سن قانون مماثل. وفي تشرين ثاني / نوفمبر 1998، صادقت الحكومة البريطانية على انضمام أحد تنظيمات (LVF) الى اتفاقية وقف إطلاق النار. وفي آذار/مارس 1999 انضم الى الإتفاق التنظيم الجمهوري (INLA) الأكثر "تطرفاً" من IRA، والتزم أعضاؤه بشروط تحرير الأسرى.

في أيلول / سبتمبر 1999، توجهت إحدى العائلات التي قتل أحد أبنائها في هجوم لـ IRA، الى المحكمة ضد برنامج التحرير المبكر، ولكن هذه المحاولة لوقف الإتفاقية من ناحية قضائية فشلت. وفي آب/أغسطس 2000 تم إطلاق سراح آخر دفعة من الأسرى السياسيين الذين يحق لهم ذلك بموجب الإتفاقية. وتم إطلاق سراح 443 أسيراً وأغلق سجن "ميز". وبعد شهر من ذلك أعلن وزير الخارجية البريطاني أن الأسرى الفارين من السجن أثناء النزاع ليسوا مطلوبين بعد، ولن يتم اتخاذ إجراءات ضدهم وبإمكانهم العودة الى شمال إيرلندا.

رغم أن عدد الأسرى الإيرلنديين يبدو لنا صغيراً، إلا أن نسبة أسرى المنظمات السرية كانت تتجاوز 50% من مجموع الأسرى في شمال إيرلندا. هذه الأرقام تبين مدى اتساع عملية سجن الفلسطينيين، ففي قواعد الجيش الإسرائيلي يوجد أكثر من 4000 أسير فلسطيني، ولدى مديرية مصلحة السجون يوجد أكثر من 3000 سجين.

في إطلاق سراح الأسرى يوجد ميزة إيجابية لمطلقي سراحهم. والمحافظة على أسوار السجون المكتظة تخلق الأحساس أنه يوجد بأيدينا قنبلة أبطل مفعولها، وكأنه يوجد بأيدينا "مفاتيح الهدوء" للمستقبل، رغم أن هذا الهدوء غير ناجز. وبإمكان فتح أبواب السجن أن توضح للإسرائيليين مرة واحدة وللأبد أن هناك علاقة بين السعادة الفلسطينية والهدوء الإسرائيلي".



*كاتبة المقال د. كورن، محاضرة في قسم "علم الجريمة" في جامعة بار إيلان.

التعليقات