حينما يملي الضحايا السياسة ../ عاموس هرئيل

-

حينما يملي الضحايا السياسة ../ عاموس هرئيل
كتب عاموس هرئيل في صحيفة "هآرتس":

[[يثبت مقتل سبعة مدنيين فلسطينيين، جراء قذيفة إسرائيلية، على ما يبدو، يوم أمس الأول، ومثل عدة أحداث سابقة خلال الانتفاضة الثانية، أن وجه الصراع يمليه ميدان الصراع، أكثر بكثير من نوايا القادة. وسوق يستمر رئيس الحكومة، إيهود أولمرت، في العمل على إقصاء وعزل الحكومة الفلسطينية. ومن جهته فإن رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، أعلن أمس عن الاستفتاء، كمناورة لتجاوز حماس، ولكن الدماء والضحايا مرة أخرى ستكون ملموسة أكثر بكثير من برامجهما.

صورة هدى غالية ابنة الـ12 عاما، وهي تجهش بالبكاء إلى جانب جثة والدها الملقاة على الرمال، ستحفر في الذاكرة الفلسطينية مثل مشهد موت محمد الدرة بين ذراعي والده على مفرق "نتسريم" في اليوم الثاني للانتفاضة. ويجدر التذكير بأن صور الدرة كانت بمثابة صب الزيت على شعلة الصراع.

وكان إعلان حماس يوم أمس الأول عن تجديد العمليات في إسرائيل، بعد توقف دام 17 شهراً، استجابة للرأي العام الغزي الذي يريد الانتقام الآن.

كان بإمكان عمير بيرتس منع المأساة على الشاطئ، فبعد يوم واحد بعد توليه منصب وزير الأمن، في اللقاء الأول مع قيادة الجيش، عبر بيرتس عن تحفظاته من القصف المدفعي على القطاع، لأنها تشكل خطورة على حياة المدنيين الفلسطينيين وتؤثر على نمط حياة المواطنين الإسرائيليين في القرى المحيطة بالقطاع. ولكن كانت تلك زيارة الوزير الأولى إلى قيادة منطقة الجنوب..

في قاعدة الجيش في "ناحل عوز" أغدق كبار الضباط الوزير بالمعطيات والإحصائيات، لإثبات ادعاءهم أن القصف المدفعي لـمناطق إطلاق الصواريخ يصعب على المجموعات إطلاق الصواريخ ويقلل من دقة إصابتها. اقتنع بيرتس واستمرت المدافع في العمل.

وتمنعت المحكمة العليا أيضا عن التدخل في أعقاب التماس قدمته منظمات لحقوق الإنسان، حذرت فيه من أن تقليل " مجال الأمن " للمدفعية سيؤدي إلى الاقتراب من المناطق السكنية الفلسطينية، وسيؤدي إلى موت أبرياء. وفي الأسبوعين الأخيرين بالذات، ورغم القصف الإسرائيلي، اشتد إطلاق القسام. والقذيفة القاتلة التي توقع الجميع سقوطها في أي حين، سقطت يوم أمس الأول.. هذه القذيفة أطلقتها المدفعية الموجودة في " ناحل عوز"!

بدأ التصعيد الحالي باغتيال جمال أبو سمهدانة، قائد " لجان المقاومة " وحليف هام لحماس، في قصف سلاح الجو ليلة الخميس. فهل اغتياله هو "طبعة معادة" لعملية الاغتيال عام 2002 التي استهدفت الناشط في فتح رائد الكرمي، والتي أدت إلى تصعيد الصدام بين إسرائيل وفتح؟ السؤال المفتاح في هذه النقطة هو: هل علمت إسرائيل أن أبو سمهدانة متواجد في المكان الذي استهدفته، المتواجد على أنقاض "جوش قطيف"؟ وكما يبدو فالجواب سلبي.

استهدف القصف ضرب خلية للجان المقاومة كانت تتدرب على تنفيذ عمليات داخل العمق الإسرائيلي، الهجوم على المعسكر كانت تصعيدا مراقباً، ردا على ضلوع حماس في إطلاق صواريخ القسام إلى منطقة بيت بيرتس في سديروت . حينما عُلم أن أبو سمهدانة الذي زار المخيم بصورة مفاجئة، كان بين القتلى، اعتبر جهاز الأمن موته "نقطة إضافية"!

ولكن الغضب على موت أبو سمهدانة، أحد رموز الانتفاضة، ينضاف إلى الغضب على موت المدنيين. وكلاهما يهددان بدفع حماس إلى العودة لمحاربة إسرائيل، وفي نفس الوقت يسحب البساط من تحت استفتاء أبو مازن. وفي ظل أحداث غزة، أعلن رئيس السلطة يوم أمس عن إجراء الاستفتاء في 26 تموز/يوليو. وفي جلسة جهاز الأمن، الأسبوع الفائت، تناول الحديث الشكوك الكبيرة في نجاح خطته، حيث سيكون من الصعب على رئيس السلطة الفلسطينية حتى إجراء الاستفتاء في غزة، في ظل معارضة حماس، إذا لم نشأ الحديث عن النتائج!

حماس أيضا لديها ما تخسره. ففي حال تجدد العمليات الانتحارية، ستكون قيادته السياسية مستهدفة إسرائيليا، وستضطر إلى العمل بشكل سري، وتشل حكومتها. ولكن أحداث اليومين الأخيرين بينت مدى تأثر التنظيم بضغط الشارع . فقد خرج آلاف الفلسطينيين، أمس الاول، إلى شوارع غزة بهتاف:" كتائب .. كتائب "، في طلب مباشر إلى كتائب عز الدين القسام العودة إلى العمليات.

كان من الممكن أن تختار حماس ضبط النفس في ظروف أخرى، ولكن في هذه المرة تم إطلاق وابل من قذائف قسام على سديروت، وأعلنت الحركة أنها اشتركت في إطلاق الصواريخ. أحد التفسيرات لذلك يكمن في وجود منافس جديد، القاعدة، التي تزفر بأنفاسها خلف حماس. وقد جرت مسيرة حداد في القطاع بعد اغتيال أبو مصعب الزرقاوي في العراق. ويوم أمس الأول تم نشر تسجيل يدعو فيه نائب بن لادن، أيمن الظواهري، إلى منع الاستفتاء في مناطق السلطة. وتعتبر حماس بالنسبة للمجموعات الأكثر تطرفا من ناخبيها خارج صورة القتال منذ فترة طويلة، وغادرها عدد من الناشطين في الذراع العسكري إلى الجهاد الإسلامي أو إلى مجموعات " القاعدة- فلسطين".

سيتبين في الأيام القريبة إذا ما كانت حماس ستكتفي بإطلاق الصواريخ، أم ستنفذ تهديدها بتجديد أيضا العمليات الانتحارية. ويوم أمس عبرت القيادة السياسية عن دعمها بشكل معلن لتهديدات الذراع العسكري، ولكن ليس من المؤكد أن إسماعيل هنية، في غزة المهددة، يرى الأمور كما يراها خالد مشعل في دمشق الآمنة نسبيا في الوقت الحالي.

في الجانب الإسرائيلي، أجرى وزير الأمن أمس مشاورات عاجلة مع كبار ضباط الجيش وجهاز الأمن الداخلي (الشاباك) في قيادة كتيبة "أوغدات عزة". في قيادة الجهاز الأمني لا يوجد أي تساهل حول السياسة المطلوبة لمواجهة إطلاق القسام. رئيس جهاز الأمن العام (الشاباك) يوفال ديسكين، يقترح تجديد الاجتياحات البرية في القطاع. رئيس هيئة الأركان العامة للجيش، دان حالوتس، يعترض على ذلك، ولكن الجيش يعتقد أنه يجب مواصلة الهجمات من بعيد – من الجو (بما في ذلك اغتيالات لقيادة الجناح العسكري لحماس) وربما أيضاً القصف المدفعي.

كان بيرتس بالأمس يميل إلى وقف القصف المدفعي. ولكن يمكنه أن يسمح بذلك فقط إلى حين يتسبب الصاروخ القادم بوقوع إصابات في مدرسة في سديروت، وهذا الصاروخ، مثل القذيفة التي سقطت على الشاطئ، سوف يأتي، فذلك مسألة وقت فقط.]]
كتب ألوف بن في صحيفة هآرتس":

[[كان مقتل أبناء عائلة غالية على شاطئ غزة، ظهر يوم السبت، درساً للقيادة الجديدة في إسرائيل حول محدودية استخدام القوة العسكرية. وتعلم إيهود أولمرت وعمير بيرتس مدى قصر المسافة بين النصر وبين التورط في حرب تدار أمام كاميرات التلفزيون.

زار إيهود أولمرت، يوم الخميس الماضي، الأردن وتحدث مع الملك عبد الله حول تحديد مكان وقتل زعيم القاعدة في العراق، أبو مصعب الزرقاوي. ولدى عودته من عمان أجرى اتصالا مع الرئيس الأمريكي، جورج بوش، ليكيل له المديح على الاغتيال الناجح. وقال:"هذا مثال للطريقة التي يجب بواسطتها مكافحة الإرهاب". وبعد ساعة فقط، قتل الجيش الإسرائيلي في جنوب القطاع "كبير المطلوبين في غزة " وقائد لجان المقاومة الشعبية، جمال أبو سمهدانة.

بالنسبة لإسرائيل فقد جرى اغتيال أبو سمهدانة في الوقت المثالي، فمن بارك قتل الزرقاوي قرب بغداد، سيكون من الصعب عليه توجيه انتقادات لعملية مماثلة في غزة. وللحظة بدا أن إسرائيل والولايات المتحدة تقفان في جبهة واحدة مقابل الإرهاب العالمي. ولكن عندها قتلت عائلة غالية، وتصدرت صور الطفلة وهي تصرخ بعد أن بقيت وحيدة، الصفحة الأولى في "نيويورك تايمز". ثانية إسرائيل في موقع الجبروت عديمة المشاعر، وتعليلاتها بأن مطلقي صواريخ القسام هم المتهمون الحقيقيون، بدت أقل إقناعاً من الصور المروعة.

لأول مرة منذ تسلمه لمنصبه، سيغادر أولمرت اليوم إلى أوروبا. ومن المؤكد أنه سيواجه أسئلة غير مريحة حول ممارسات الجيش الإسرائيلي في غزة – موضوع كان قد نزل من الأجندة العالمية منذ فك الارتباط في الصيف الماضي. وكان أولمرت قد امتنع عن التطرق إلى الحادثة في آخر الأسبوع الماضي، فقد تعلم من سابقه أرئيل شارون، عدم الإندفاع في ظروف ضاغطة كتلك. ومن الأفضل إبقاء الشرح لوزير الأمن، لقائد الجيش ولقائد المنطقة. وحتى انعقاد المؤتمر الصحفي لأولمرت وطوني بلير، ظهر غد، سيتراجع الاهتمام بهذا الموضوع، وسوف يعبر أولمرت عن أسفه وينتقل إلى السؤال التالي!

ولكن المشكلة الأساسية لأولمرت في محادثاته في لندن وباريس، لن تكون العائلة التي قتلت في غزة، بل ردود الفعل لخطته السياسية. أولمرت يغادر من أجل تسويق خطة التجميع لطوني بلير وجاك شيراك. فحكومتاهما تعارضان خطوات أحادية الجانب، رغم دعمهما لخطة فك الارتباط التي نفذها شارون. سيحاولان إقناع رئيس الحكومة بأن من الأفضل له أن يجري محادثات مع محمود عباس، وعدم فرض حدود جديدة على الفلسطينيين. وسيحاول أولمرت إقناعهما أن الشروط التي وضعوها هم أنفسهم للفلسطينيين – الاعتراف بإسرائيل وتفكيك التنظيمات الإرهابية – لا تجعل عباس وحكومة حماس " شريكين".

يعتقد أولمرت أن بلير وشيراك، وباقي زعماء العالم، سيفهمون، في لحظة الامتحان الحقيقي، منطق إخلاء معظم المستوطنات في الضفة وسيؤيدونه. وسوف يفضلون انسحابا إسرائيليا من معظم المناطق على جمود سيستمر لسنوات طويلة. ومثلما قال في لقائه مع بوش وعبد الله وحسني مبارك، سيقول أولمرت أيضا في بريطانيا وفرنسا أنه يتوق للحوار مع عباس، لكنه يشك في قدرة الرئيس الفلسطيني على التنفيذ.

تعامل أولمرت المستهتر مع " وثيقة الأسرى" والاستفتاء الفلسطيني، بقوله عنهما " ليس لهما قيمة " لا تنبع من الاستعلاء، بل لصد الضغوط التي من المؤكد أنها ستبرز، لتحويل وثيقة مروان البرغوثي ورفاقه الأسرى إلى خارطة طريق جديدة. أولمرت يدرك أن إذا حصل عباس على أغلبية في الاستفتاء، سترتفع الأصوات في أوروبا التي تنادي بتجديد المفاوضات حول التسوية الدائمة وفق البرنامج الفلسطيني. لهذا فهو مصر على أن يقف العالم عند مطالبه من السلطة الفلسطينية، وأن لا يعطى لها تسهيلات. ولكن حادثة مثل قتل عائلة غزية تؤدي فقط إلى إضعاف موقف إسرائيل في هذا النقاش الذي ما زال في بدايته.]]

التعليقات