"عودة الشريك.." / عكيفا إلدار

-

كتب عكيفا إلدار في صحيفة "هآرتس":

[[لو استفاق أرئيل شارون من سباته، ورأى ولي عهده يرتشف القهوة مع أبو مازن، لكان سيفرك عينيه ويتفوه بإحدى الملاحظات النابية التي كانت محفوظة لديه للمتمردين من الليكود..

لقد قضى شارون جل جهوده، في السنوات الأخيرة في السياسة، بتسويق الإغتيال للسلطة الفلسطينية كشريك لخطة فك الإرتباط، وها هو إيهود أولمرت يبتعد حتى يصل البتراء للجلوس مع الرئيس الفلسطيني على مأدبة الملك الأردني.
يجدر التمعن جيداً بهذه الصورة!

من الممكن أن تكون هذه هي الصورة الأولى في المعركة القادمة للحوار الإسرائيلي- الفلسطيني. وإذا سارت الأمور كما يرام، سيكون من المناسب تسميتها "عودة الشريك"، ومن الممكن ايضاً تسميتها بـ "يوجد حد" مؤقت طبعاً، ولكن ليس حد متفقاً عليه!

قام مكتب رئيس الحكومة بتهدئة المراسلين، بأن أولمرت لا يخطط لمحادثة سياسية مع أبو مازن، وقالوا إنه من غير اللائق رفض دعوة ملكية لوجبة الفطور. ويقوم وزير القضاء، حاييم رامون، من وراء الكواليس (ومن وراء الوزراء) ببلورة خطة "التجميع". ويتعهد من جهته بأن تصريحات أولمرت بشأن المفاوضات مع الفلسطينيين حول "التجميع"، تأتي بهدف الرد على ادعاءات الأغيار ضد الخطوات الأحادية الجانب. والدليل- أين الطاقم الذي تعهد أولمرت بتعيينه من أجل التحضير للمحادثات مع مساعدي أبو مازن؟ لا يوجد طاقم، أما للمحادثات فيوجد استعدادات، بل ويوجد برنامج عمل. وكل شيء متعلق بنتائج المحادثات بين "فتح" و"حماس" حول "وثيقة الأسرى".

يعمل المجلس للأمن القومي ووزارة الخارجية على بلورة فكرة الخطة الشاملة بموجب عدة توجيهات:

1- رئيس الحكومة مصمم على إخلاء كافة المستوطنات الواقعة شرق جدار الفصل والإنفصال عن الفلسطينيين في ولايته الحالية.
2- الفجوة بين الطرفين والوضع في السلطة الفلسطينية لا يتيحان التوصل إلى اتفاق دائم في المدى المنظور.
3- الإخلاء الأحادي الجانب للمستوطنين سيعزز العناصر المتطرفة في المجتمع الفلسطيني، ويضعف مساندة الجمهور في البلاد للخطوة، ويصطدم بتحفظات المجتمع الدولي.
4- إسرائيل معنية بتقوية المعسكر الفلسطيني البراغماتي الذي يرفع شعار الخيار السياسي.
5- خارطة الطريق هي الخطة السياسية الوحيدة المقبولة على اللاعبين الرئيسيين في المنطقة والمجتمع الدولي.
6- لا يمكن الآن تنفيذ المرحلة الأولى، بشكل كامل، من خارطة الطريق (تفكيك شبكات الإرهاب)، ومن غير الواقعي توقع الوصول مباشرة إلى المرحلة الثالثة (وتشمل حل مشكلة القدس واللاجئين).
7- المرحلة الثانية من خارطة الطريق – "دولة فلسطينية مستقلة مع حدود مؤقتة من خلال عملية تحكيم بين إسرائيل والفلسطينيين"- هي الصيغة الوحيدة التي من الممكن أن تحظى بدعم الجمهور في إسرائيل والتشجيع العالمي، ولتقوية مكانة أبو مازن وربما إعادة "فتح" إلى السلطة. وبحسب خارطة الطريق، فمن المفترض أن تعقد الرباعية الدولية مؤتمراً دولياً، من أجل المراقبة على تنفيذ المرحلة "ب" والدفع باتجاه الإعتراف الدولي بالدولة الفلسطينية، فضلاً عن عضوية ممكنة في الأمم المتحدة..

وفي حال لم يتمكن إسماعيل هنية من ليّ ذراعه، ويقوده إلى حكومة وحدة، لن يكون بعيداً ذلك اليوم الذي سيدعى فيه أبو مازن للتنسيق حول إقامة دولة فلسطينية في حدود مؤقتة، بدون مفاوضات حول مسار الجدار، وإنما لحوار حول نقل منظم لقطاع غزة و 90% من الضفة الغربية إلى السيطرة الفلسطينية. ويظهر الملك عبد الله، المضيف على وجبة الفطور، شهية خاصة بالنسبة لإمكانية عقد صفقة بين الضيفين.

ويشير الطلب الأردني من الإتحاد الأوروبي لإزالة الضغط عن إسرائيل بشأن وقف سياسة عزل الأغوار، إلى قلق الملك من القرب الشديد لحماس من حدود المملكة الهاشمية وارتباطها مع الفرع المحلي لحركة الإخوان المسلمين. وكانت زيارة أربعة النواب الأردنيين لتقديم العزاء لعائلة الزرقاوي في مدينة الزرقا، جعلت القصر الأردني يطفح به الكيل، فهو نفسه (الزرقاوي) الذي أرسل رجاله لتنفيذ عمليات في قلب عمان.

في زيارته السابقة للأردن، وكذلك في جولاته في الولايات المتحدة ومصر وأوروبا، أدرك أولمرت أن أبو مازن يعتبر في كل مكان "ولداً يقف إصبعه الصغير سداً أمام فيضان الإسلام المتعصب". كما تأكد رئيس الحكومة أن حسني مبارك وطوني بلير يعرفان كيف يميزان بين المحاولة الحقيقية للوصول إلى تسوية، وبين العرض المفتعل. وهناك خطورة بأن جورج بوش، أيضاً، سيدرك بأن التوبيخ على القصور في مكافحة الإرهاب من قبل الفلسطينيين، مثل التوبيخات التي اعتاد شارون على إلقائها على مسامع أبو مازن في اللقاءات التي أجراها معه، لا تعتبر مفاوضات.

وحتى عمير بيرتس الذي يعي أمراً وربما أمرين في نظرية المفاوضات. كم من الوقت سيوافق رئيس حزب "العمل" على العمل "حابساً للبرق" الآتي على سديروت من جيرانها؟ لقد سبق وأن قال بيرتس في محادثات خاصة أنه يعرف أنه لا يوجد جواب عسكري للقسام، وأن مفاتيح الحل السياسي ليست بيديه، فما العمل؟ لا يمكن الذهاب إلى الإنتخابات كل شهرين..

ولشدة المفاجأة، فإن رئيس الشعبة السياسية الأمنية في وزارة الأمن، عاموس إلعاد، الذي كان "يعظ" في السنوات الأخيرة بالقضاء على السلطة الفلسطينية، يقف إلى جانب الداعمين لفكرة مد خشبة النجاة لأبو مازن من خلال تنسيق "التجميع" وإقامة دولة فلسطينية في حدود مؤقتة. وسمعت الأجهزة الأمنية، بفزع، أن أولمرت لا يفكر بجدية بإدخال المستوطنين غرب الجدار، فحسب، وإنما بإخراج الجيش والشاباك من الضفة. وهم ليسوا بحاجة لأن يتحدثوا مع "واضع السياسة" عما هو متوقع لسكان "كفار سابا" غداة تنفيذ "فك الإرتباط ب"، فسكان سديروت يتحدثون عن ذلك في كل مساء في التفلزيون..

ولن تكون هناك مشكلة أمام وزيرة الخارجية، تسيبي ليفني، لتسويق خطة الدولة المؤقتة المنسقة، في عواصم العالم. ولا تخفي ليفني رأيها بأن الخروج من الضفة الغربية و"إلقاء المفتاح في الشارع" سيكون خطأً شديداً ("إلقاء المفتاح في الشارع" مصطلح اقتبس قبل عدة أسابيع عن رئيس الإدارة المدنية في الضفة الغربية، إيلان باز). من الممكن رؤية هذه الأمور كانتقادات على الطريقة التي قاد بها شارون فك الإرتباط من قطاع غزة. وفي هذا الأسبوع، وفي لقاء مع مجموعة من الضيوف من الولايات المتحدة، شرحت ليفني مطولاً أن دولة فلسطينية هي مصلحة حيوية لمن يؤمن بأهمية دولة إسرائيل كبيت قومي للشعب اليهودي وكدولة ديمقراطية. وقالت وزيرة الخارجية أن الوقت والصراع لا يعملان لصالح إسرائيل، التي تفقد شرعيتها في العالم كدولة يهودية.

من هنا، كانت الطريق قصيرة أمام ليفني للبدء بالنظر إلى أبو مازن - قائد فلسطيني يكرر التزامه بنموذج الدولتين- كشريك مرغوب للاتفاق، اليوم للإتفاق على حدود مؤقتة، وغداً، ربما، على الإتفاق الدائم. وهي تدرك أن تسوية كهذه فقط يمكن أن تعطي معنى عملياً لرسالة بوش المهمة التي قدمها لشارون قبل سنتين بشأن الكتل الإستيطانية وحل مشكلة اللاجئين، ليس في إطار حق العودة، التي تعتبر محرّمة بنظرها. لذلك فإن ليفني غضبت هذا الأسبوع على قادة الإتحاد الأوروبي الذين أتاحوا تحويل المساعدات للفلسطينيين. وقالت " لقد قرروا مساعدة العجوز على قطع الشارع بالقوة"!. ليفني لا تتقبل التقديرات التي تفيد أن الضغط الإقتصادي يقوي حكومة حماس ويبعد أبو مازن من موقع صنع القرار.

يواصل أبو مازن ورجاله بشكل رسمي وعلانية رفض الفكرة ويؤكدون على أن بند الدولة في حدود مؤقتة قد ورد ذكره في خارطة الطريق كخيار ليس إلا. ولأن الإسرائيليين يشكون بأن الفلسطينيين سيجعلون أي اتفاق دائم اتفاقاً مؤقتاً، فإن الفلسطينيين يعرفون أنه لا يوجد شيء دائم لدى الإسرائيليين سوى التسوية المؤقتة. ومنذ أن نشرت صحيفة "هآرتس" عن الفكرة الجديدة، يقوم عناصر المؤسسة المهزومة في "فتح" بمناقشة الأمر بمنتهي الجدية. وفي حال يضمن لهم المجتمع الدولي الولوج في الحل الدائم، يوجد ما يمكن التفاوض عليه، كما قال أحدهم.

ويبقى السؤال الكبير هو كم من الوقت سيستطيع "الولد المتعب أن يدعم السدّ بإصبعه"؟ يقول الدستور الفلسطيني أنه في حال تعرض أبو مازن، لا سمح الله، لجلطة دماغية، فإن رئيس المجلس التشريعي، من قادة حماس سيجلس في مكتب الرئيس في المقاطعة.
هذه الصورة تناسب بشكل لا مثيل له بدء معركة جديدة في هذه التراجيديا..]]

التعليقات