"أمطار صيف غير شرعية.." / غدعون ليفي

-

كتب غدعون ليفي في صحيفة "هآرتس":


[[علم أسود يعلو فوق العملية المتدحرجة في غزة، وكلما تدحرجت أكثر يشتد سواد العلم أكثر.
" أمطار الصيف" التي نسقطها على قطاع غزة، ليست فقط عديمة فائدة، ولكن بدرجة أولى غير شرعية وبشكل واضح. فليس شرعيا قطع شبكة الكهرباء عن 750 ألف إنسان، وليس شرعيا هدم الجسور والبنية التحتية، وليس شرعيا دعوة 20 ألف مواطن إلى الهرب من بيوتهم وتحويل مدينتهم إلى مدينة أشباح، وليس شرعيا الدخول إلى المجال الجوي لسوريا، وليس شرعيا خطف نصف حكومة وربع برلمان.

إن الدولة التي تقوم بتلك الخطوات لا فرق بينها وبين تنظيم إرهابي، وكلما تصاعدت تلك الخطوات وأصبحت وحشية وغبية أكثر، يسقط بشكل كامل أساسها الأخلاقي، ويزيد الانطباع بأن حكومة إسرائيل فقدت صوابها. الآن يجب أن نأمل أن تهدئة آخر الأسبوع، سواء كانت بمبادرة مصر أم بمبادرة رئيس الحكومة – وفي الحالتين هي ضد رغبة روني دانيئيل والجيش، ستأتي بتغيير اتجاه جذري.

يجب عمل كل شيء من أجل إطلاق سراح غلعاد شاليط، وما نقوم به في غزة ليس له علاقة بإطلاق سراحه. يجري الحديث عن عملية انتقام واسعة النطاق، كتلك التي يريد تنفيذها الجيش والشاباك منذ مدة، وأساس دافعها هو الإحباط العميق لدى ضباط الجيش بسبب قلة الحيلة أمام القسام ومقابل عمليات المقاومة الفلسطينية الجريئة. المسافة كبيرة جدا بين تنفيس إحباط الجيش وبين عملية حكيمة وشرعية لإطلاق سراح الجندي المخطوف.

من أجل منع الجيش من العبث كما يشتهي، هناك حاجة لقيادة سياسية قوية ومتزنة. إلا أن مقابل الجيش المحبط تقف حكومة المبتدئين؛ إيهود أولمرت وعمير بيرتس . ضعيفة ومرتبكة، وحتى تهدئة آخر الأسبوع، بدا أن كل خطوة يقترحها الشاباك والجيش تنال فورا دعمها. هذه إشارة تنذر بالسوء ليس فقط لاحتمال الإفراج عن شاليط، بل أيضا لنمط الإدارة المستقبلية للحكومة، التي تبين أن ضعفها ليس أقل من ضعف حكومة حماس.

الصوت الوحيد الحكيم والمنضبط الذي سمع حتى الآن هو صوت الأب بالذات، نوعم شاليط. رجل أصيل دعا، بالذات في أوقاته الصعبة إلى عدم التهور وعدم التسبب في إصابات في حياة جنود وسكان فلسطينيين أبرياء. وإزاء عمليات الجيش المنفلتة ومقابل حديث العجرفة والغطرسة لقائد منطقة الجنوب يوآف غلانت والجنرال متقاعد عموس غلعاد، الفحلين المناوبين، يبدو حديث الأب كصوت صارخ في الصحراء، فطرد آلاف السكان المساكين من بيوتهم التي تبعد عشرات الكيلومترات عن المكان الذي يفترض أن ابنه فيه، وقطع التيار الكهربائي عن مئات آلاف آخرين، بالتأكيد لا يتماشى مع ندائه المؤثر. خسارة أنه لا يصغي أحد إليه بالذات.

فقدت عملية الجيش أساسها الشرعي قبل أن تبدأ. فليس صدفة أن لا يأتي أحد على ذكر حقيقة أن الجيش خطف مواطنين، طبيباً وأخاه من بيتهما في قطاع غزة، قبل يوم واحد من الهجوم على "كيرم شالوم".

ما الفرق بيننا وبينهم؟ خطفنا مدنيين وهم أسروا جندياً. نحن دولة وهم تنظيم إرهابي. كم كان سخيفا ومثيرا للسخرية حينما قال عاموس غلعاد أن عملية اختطاف شاليط "غير شرعية وغير قانونية"، في الوقت الذي يختطف الجيش مدنيين من بيوتهم. كيف يمكن لموظف كبير في وزارة الأمن أن يدعي أن "رأس الأفعى" موجود في دمشق، في الوقت الذي يمارس الجيش نفس الاساليب تماما؟

صحيح أنه حينما يخطف الجيش والشاباك مدنيين من بيوتهم- وهم غالباً ما يقومون بذلك- ليس من أجل قتلهم بعد ذلك. ولكن أحيانا يقتلونهم على باب بيتهم، بالرغم من أن ذلك ليس ضروريا، وأحيانا يخطفونهم لاستخدامهم "ورقة ضغط"، مثلما فعلنا في لبنان ومثلما نفعل الآن مع المنتخبين الفلسطينيين. أي ضجة كانت ستحدث لو خطف الفلسطينيون نصف أعضاء حكومة إسرائيل؟ وأية ألقاب كنا سنلصقها بهم؟!!..

العقاب الجماعي غير شرعي، وليس فيه ذرة من الحكمة. فإلى أين سيهرب سكان بيت حانون؟ حينما يشرح المراسلون العسكريون بسطحية مميزة "لم يطردوا" ولكن" قدمت لهم نصيحة"، لمصلحتهم طبعا، أن يهربوا من بيوتهم؟ وإلى أين ستقود تلك الخطوة اللا إنسانية"؟ هل ستقود إلى دعمهم لحكومة إسرائيل؟ أم لتجنيدهم كمتعاونين للشاباك؟ هل يستطيع فلاحو بيت حانون وبيت لاهيا البائسون القيام بشيء ضد مطلقي القسام؟ هل قصف مطار مهجور سيؤدي إلى إطلاق سراح الجندي، أم أنها فقط من أجل تزيين صفحات الصحف؟ هل فكر أحد ماذا من الممكن أن يحصل لو أسقط السوريون طائرة إسرائيلية حامت بخيلاء فوق قصر رئيسهم؟ هل كنا سنمنع حربا على سورية، "حرباً شرعية" أخرى؟ هل تعتيم غزة سيؤدي إلى إسقاط حكومة حماس، أم سيؤدي إلى الالتفاف الشعبي حولها؟ وحتى لو سقطت حكومة حماس، كما تريد واشنطن، فماذا سيحصل في اليوم التالي؟ أسئلة لا يملك أحد إجابات حقيقية عليها.

وعندنا كالمعتاد: هادئ، ويطلقون. ولكن هذه المرة نحن لا نطلق فقط، بل نقصف ونفجر ونعتم ونهدم ونحاصر ونخطف كأواخر الإرهابيين، ولا أحد يكسر الصمت ويسأل لماذا؟ وبأي حق؟]]

التعليقات