"كلهم أسرى حرب"

-

وصلت نشاطات الهيئة لإطلاق سراح شاليط حتى "أوشفيتس"، وهناك حسبما ذكرت التقارير، وزعوا 888 وردة صفراء. كان ذلك في أكتوبر، وبقي أن نأمل أن لا تتكرر هذا التهريج الإعلامي: إما بسبب التوصل إلى اتفاق قريب أو لإدراك المنظمين إلى أي حد كانت تلك الخطوة خالية من الذوق السليم.

تواصل الهيئة ضغطها على الحكومة بتصميم، بالرغم من التحذيرات بأن هذا الضغط يضر بالمفاوضات. وبذلك يُظهر المنظمون والمشاركون عدم ثقة تام وصريح بتعهدات السياسيين. ولكن مسألة عدم الثقة هذه تتوقف حينما يدور الحديث عن سياسة الاضطهاد التي تمارسها إسرائيل ضد السكان الفلسطينيين في قطاع غزة. بل على العكس، هنا يقبل المنظمون(بمن فيهم الهيئة التنفيذية في الحركة الكيبوتسية) توجه الحكومة ولكن يطالبون بالمزيد!، مزيدا من منع إدخال الغذاء والأدوية والوقود والعملة النقدية، ومزيدا من تدمير الصناعة والتجارة، ومزيدا من المنازل دون ماء. وهذا هو المنطق الذي وقف من وراء مظاهرات إغلاق المعابر التي بادرت إليها الهيئة في أكتوبر. والآن توجه الهيئة سهامها إلى عائلات الأسرى الفلسطينيين. وحاول نشطاؤها منع زيارات الأهالي في سجن "أشكلون"، ويتوعدون بالقيام بذلك في سجون أخرى.

لا اعتراض: أسر شاليط هو شنيع. من ناحية عدم الوضوح وانعدام المعلومات، وعدم وجود اتصال أو تواصل، ولحقيقة عدم وجود جهة خارجية تزوره وتراقب ظروف أسره. ولكن طلب الهيئة بالتبادلية يبدو مدفوعا بالانتقام. ولبساطتنا اعتقدنا أنها بذلك تسعى لإطلاق سراح شاليط. إذ أنه من أجل هذا الهدف كان ينبغي أن تعد الدروس المنزلية ولكن ليس في مدرسة إيهود باراك.
إذا تحدثنا عن عدم القانونية، كان يمكن للهيئة أن تذكر نفسها والحكومة أنه يحظر على دولة محتلة حبس المحتلين في مناطقها السيادية. وفي هذا السياق كان يمكن لقادة الهيئة الاستفسار ومعرفة أن حق الزيارة الدائمة في السجن يحرم من عشرات آلاف الفلسطينيين(من بينهم 1000 عائلة غزية). كما أن التدقيق في المعلومات التي بحوزة "الجمعية (الإسرائيلية) من أجل الأسرى الفلسطينيين" سيبين لنشطاء الهيئة أن الأسرى الأمنيين الفلسطينيين محرومون من الحق في إجراء حوار هاتفي مع عائلاتهم، حتى لو لم يزوروهم منذ شهور وسنوات.

هل هذا يفكرون به في الهيئة: أن ما يتطلب هو جرعة أخرى من الوحشية، وتجنيد الأسرى وعائلاتهم من أجل إطلاق سراح ساليط؟
لماذا لا يستمعون إلى الفلسطينيين بدلا من ذلك؟

بالنسبة للفلسطينيين شاليط هو ليس ولدا كتب قصة تلامس القلب. بل هو بالنسبة لهم جندي في سلاح المدرعات، كان هو ورفاقه شركاء في قصف السكان المدنيين. بالنسبة للفلسطينيين شاليط و11 ألف أسير فلسطيني في مقام واحد: أسرى حرب.

عوضا عن السفر لبولندا ولعسقلان، يمكن لقادة الهيئة السفر إلى اللد والالتقاء مع ليلى برغال، أم الأسير مخلص برغال، هي تقترب من سن الثمانين ولكن بوضوح أفكارها يمكنها أن تعلمهم كثيرا عن الحياة في ظل الحرمان الدائم من الحقوق. يمكنهم أن يتعلموا منها الشجاعة والاحترام الانساني والأمل، دون أن يعرف كل العالم ويتحدث عن ابنها.

وبدل الطلب من مصلحة السجون وقف الزيارات، يمكنهم طلب لقاء وليد دقة المولود في باقة الغربية، في مكان سجنه في الجلبوع. وكتحضير للزيارة يمكنهم قراءة مقالاته التي كتبها في السنوات الأخيرة. وإذا ارتدعوا من المغامرة التي تترتب على السفر إلى قلنديا(بعد حاجز قلنديا، ولكن في المنطقة التي ضمت للقدس)، يمكنهم خارج الحاجز الالتقاء مع أهل الأسير أحمد عميرة.
لو كان كل هؤلاء يهود، لكانوا قد تحرروا منذ وقت طويل، حتى لو كانت لوائح الاتهام خطيرة أضعافا. ولكنهم كعرب مواطني الدولة وسكانها، ترفض إسرائيل بشكل قاطع بحث إطلاق سراحهم. حتى مقابل شاليط. فلماذا بدل المطالبة بمزيد من الوحشية لا تطالبون الدولة بسحب معارضتها عن إطلاق سراحهم.
وبدل التعامل معهم ومع عائلاتهم كأعداء، من المفضل لرؤساء الهيئة لإطلاق سراح شاليط الالتقاء معهم، والتشاور معهم حول سبل العمل بمنطق وعدالة من أجل تحرير شاليط وكافة الأسرى الفلسطينيين- كلهم أسرى حرب.


التعليقات