"سياسة الكراهية"..

-

لم يخترع ليبرمان سياسة الكراهية، بل استوردها. إن إضرام التخويف نحو خمس مواطني الدولة هو وصفة أكيدة لانهيار المجتمع والدولة.

ماذا يعني تصاعد قوة ليبرمان؟ يبدو أن هناك كثيرين، حتى في أوساط الجمهور الذي لا يؤيده، ممّن يأملون بأنه سيحلّ بعض المشاكل غير اللطيفة بشكل خاص وعلى رأسها "مشكلة العرب".

ليس صحيحا تجاهل حقيقة أن العلاقات فيما بين مواطني إسرائيل اليهود والعرب هي علاقات مشحونة، وعلى درجة عالية من الانفجار في أساسها الصراع القومي. لكن ليبرمان يرفع الصراع إلى دعايته الإنتخابية، التي تشمل هجوما كاسحا على العرب مواطني إسرائيل وادعاءات مثابرة في شأن الخطر الكامن بهم. ألحقيقة أنه لا يوجد ما هو أخطر على العلاقات بين اليهود والعرب في داخل إسرائيل من ليبرمان نفسه – ومن النمط الذي يقوم على تطويره في المجتمع الإسرائيلي.

يشمل المجتمع الإسرائيلي مجموعتين قوميتين، أليهود والعرب، الذين وجدوا أنفسهم سوية في ذات الدولة نتيجة للعملية التاريخية التي نفذتها الحركة الصهيونية. وسواء شئنا أم أبينا هذا هو الواقع الذي يجب علينا التعايش معه.

هنالك عدة طرق للتعامل مع هذا الوضع. بالإمكان محاولة العيش إلى جانب الصراع، بالإمكان المحاولة لاحتوائه دون محاولة حلّه. من الممكن تعزيز المصالح المشتركة الواضحة (الإقتصادية والبيئية مثلا). من الممكن محاولة لمس جذور الصراع لغرض تخفيف حدّته.

يشير المتفائلون من بيننا إلى أن التنويع البشري في كل العالم هو شرط للإنتعاش الإجتماعي والإقتصادي، فربما كان بالإمكان الإرتقاء بالإختلاف إلى انتعاش ونمو. ويحاول الطموحون الدفع إلى مواطنة متساوية تشمل مساواة مدنية حقيقية كرافعة لحل أو تقليص وتهدئة كبيرة للنزاع المدني الداخلي.

هنالك إذن عدة إمكانيات للتصرف فيما يتعلق بالصراع الداخلي. ولكل واحدة وواحدة (من هذه الإمكانيات) سيئاتها وحسناتها ليس هنا المكان لتعدادها.

لكن الأمر الأكثر تدميرا والذي يمكن عمله الآن هو إضرام النزاع وإشعال العلاقات بين مواطني إسرائيل اليهود والعرب. هذا هو بالضبط ما يفعله الآن ليبرمان. حيث يدير ليبرمان دعاية انتخابية سياسية من التحريض ضد المواطنين العرب. وهي دعاية تضع ليس فقط حقوقهم بل مواطنتهم أيضا تحت علامة استفهام. من الصعب تصديق أن أبرز الاقتراحات المطروحة الآن على بساط البحث فيما يتعلق بالعلاقات المركبة بين العرب واليهود مواطني الدولة هي طروحات ليبرمان التي تعني إضرام وتشديد حدة الصراع وتعزيزه.

مناورة رخيصة

ألنجاح الكبير لدعاية "إسرائيل بيتنا" الإنتخابية هو في خلق "مشكلة العرب"، وذلك بتوصيف نحو خمس المواطنين كمشكلة تتفاقم. بالطبع ليس من الصحيح أو من المحبّذ تجاهل المشاكل المفهومة في أساس العلاقات بين اليهود والعرب في الدولة، لكن المشكلة ليست العرب أنفسهم، إنما المصالح القومية المختلفة والنزاع الإسرائيلي – الفلسطيني العام والمشتعل في الخلفية. ألعرب مواطنو إسرائيل هم أقلية أصلانية (ليسوا مهاجرين) وجدوا أنفسهم مع أكثرية يهودية ويعانون من ظلم دائم. مناورة ليبرمان هي في تحويل العرب أنفسهم إلى مذنبين عن الوضع. ومن هنا فالطريق قصيرة إلى تقليص حرية التعبير وإلى عدم الشرعية بل عد م الإنسانية.

ولقد أفلح ليبرمان في طرح عدد من التفوهات القاسية لأعضاء كنيست عرب على أنها خطر وجودي على الدولة. وهو يتهمهم بأنهم ضد الدولة في حين أنهم يقبضون رواتبهم منها. إنها مناورة رخيصة حيث أن جميع أعضاء الكنيست يتلقون الرواتب ومهمتهم هي تمثيل جماهيرهم وانتقاد الدولة، حتى عندما يكون انتقادهم لاذعا وحتى عندما لا يكون هذا لطيفا على الآذان اليهودية وحتى عندما يقترحون تغيير طابع الدولة. فمن حق الأقلية الأصلانية أن تطالب بحقوق قومية. حيث يتقرر الحسم في إطار الأجهزة الديمقراطية في إسرائيل التي لا حاجة للتأكيد بأنها تخضع للسيطرة اليهودية.

يهاجم زعيم إسرائيل بيتنا العرب مواطني إسرائيل بسبب معارضتهم الشديدة للحرب في غزة ولتأييدهم للفلسطينيين في غزة. لكن معارضة الحرب لا تشكل خرقا للقانون أو لواجبات المواطنة، وإبداء التضامن مع أبناء شعبك الموجودين أمام هجوم هو أمر طبيعي ومفهوم تماما. ومن الجدير الإشارة إلى أنه وعلى رغم أن الحرب في غزة وضعت العلاقات بين العرب واليهود أمام اختبار قاس، وأنها خلقت مشاعر صعبة جدا، فلم تصل الأمور إلى مواجهة عنيفة.

لم يخترع ليبرمان سياسة الكراهية. أنما قام باستيرادها. فقد سبقه زعماء يمينيون كثيرون من المتطرفين في العالم. وقد انتهى ذلك إلى نتائج وخيمة في الأماكن والأزمان التي نجحت فيها هذه الدعاية بتجنيد تأييد سياسي كبير، بل إلى نتائج وخيمة جدا في بعض الحالات. ربما ما زال الوقت غير متأخر لأن ينظر كل منا إلى الشباب من حوله الذين يفكرون في التصويت لليبرمان، فيحاول أن يطرح أن إضرام الكراهية تجاه نحو خمس مواطني الدولة هو وصفة أكيدة لانهيار المجتمع الإسرائيلي والدولة الإسرائيلية.

التعليقات