الشهيد المبحوح، الصحافة العبرية والجنس اللطيف

-

الشهيد المبحوح، الصحافة العبرية والجنس اللطيف

(1)
يواصل الإعلام الإسرائيلي على مختلف مشاربه، بعد اغتيال الشهيد محمود المبحوح، في دبي، تمجيد رئيس جهاز الاستخبارات الخارجية في الدولة العبرية (الموساد)، الجنرال المتقاعد مئير داغان، المشهور بأنّه خلال خدمته العسكرية كان يتلذذ بقطع رؤوس الفلسطينيين وفصلها عن أجسادهم، داغان الرجل الذي حصل على لقب رجل العام 2009 في إسرائيل، هو نفس الرجل الذي يتباهى ويتفاخر عندما يقوم مسؤولون أجانب بزيارة مكتبه في تل أبيب بالهدايا القيّمة التي حصل عليها من الحكام العرب. الإعلام المتطوع لصالح ما يُسمى بالإجماع الصهيوني، يحاول الالتفاف على الرقابة العسكرية، التي يعمل مقصها ساعات إضافية لمنع أيّ نشر، قد يؤدي إلى إحراج إسرائيل أمام العالم الغربي، الذي ما زال يرى في الشرق منطقة متخلفة، سوى إسرائيل، التي تمكنت من تزييف الحقائق وإعادة كتابة التاريخ والتبجح أنّها دولة ديمقراطية، متناسيةً هي والغرب المتطور، أنّ الدولة الديمقراطية لا تستعمل الرقابة العسكرية لكم الأفواه ومنع هذا أو ذاك من التعبير عن رأيه بصراحة.
(2)
صحيفة (يديعوت أحرونوت) هي أوسع الصحف الإسرائيلية انتشاراً في دولة الاحتلال، والأكثر تأثيراً على صنّاع القرار في تل أبيب، وفقط للتدليل نورد أنّه في يوم الجمعة تبيع هذه الصحيفة حوالي 700 ألف عدد، وعدد سكان الدولة العبرية، بما في ذلك الفلسطينيون في مناطق الـ48 والقدس العربية المحتلة والجولان السوري المغتصب منذ عدوان حزيران (يونيو) من العام 1967، يصل إلى سبعة ملايين مواطن. وهذه الصحيفة التي ترفض تشغيل العرب فيها، انضمت بطبيعة الحال إلى جوقة المديح للموساد على قيامه، وفق اتهام حماس، باغتيال الشهيد محمود المبحوح في دبي، وكالت المديح والإطراءات لعناصر هذا الجهاز، الذين يصلون إلى كل مكان، ما من شك بأنّ الفرحة العارمة باغتيال الشهيد المبحوح شملت جميع شرائح المجتمع الإسرائيلي، الذي بات متطرفاً أكثر من حكومته، التي انتخبها، أي حكومة الثنائي غير المرح نتنياهو-ليبرمان، مع لاعب التعزيز، وزير الحرب إيهود باراك، المطلوب للقضاء الدولي، وليس للعدالة، لأنّ العدالة في زمن العولمة وهيمنه الإمبريالية الأمريكية والصهيونية العالمية، اختفت من قاموس بني البشر، زعيم حزب "العمّال"، الذي ما زالت الصحافة العبرية تنعته بسيّد الأمن، ارتكب وفق تقرير القاضي الصهيوني واليهودي، ريتشارد غولدستون، جرائم حرب في العدوان الهمجي الأخير على قطاع غزة، أي أنّه بالنسبة لصحافة البلاط الإسرائيلية يوجد نبيٌ في بلده.
(3)
محللة شؤون الشرق الأوسط في الصحيفة، سمدار بيري، وهي مستعربة بامتياز، نشرت يوم الاثنين، الفاتح من شباط (فبراير) الجاري "سبقاً" صحافياً من الدرجة الأولى، وفق المنطق الصهيوني، الذي ينعت العرب دائماً بالخونة العدوانيين والمتخلفين والمجرمين والخاطفين القذرين والمبادرين دوماً نحو التدمير، والمناهج التعليمية في الدولة العبرية تحول تحقيق السلام وتسعى لشيطنة العرب وتجريدهم من إنسانيتهم وتصفهم بالنسخة الحديثة من العماليق، ألد أعداء اليهود في التوراة (من بحث إسرائيلي جديد نشرته جامعة حيفا وأعدّه باحث صهيوني معروف)، ووفق المحللة بيري فإنّ الشهيد المبحوح كان حريصاً جداً ودرج على إغلاق غرفته بالمفتاح وأيضاً بالأثاث، خشية قيام عناصر من المخابرات الإسرائيلية باقتحام الغرفة، ولكنّ الشهيد، كأيّ عربيّ على وجه هذه البسيطة، يتحول من بطل الأبطال إلى رجل ضعيف عندما يدخل العنصر النسائي في المشهد؟ تقول الصحيفة، ولا يمكنك أن تعلم من قراءة التقرير عدّة مرات، من أين استقت المعلومات "المثيرة"، فتح الباب على مصراعيه عندما سمع صوت امرأة من الجهة الثانية، الأمر الذي سهّل عملية الاغتيال القذرة والبشعة. ولم تكتف الصحيفة بهذا الأمر، بل نشرت العديد من القصص التي كان فيها العنصر النسائي لاعباً مركزياً أو ثانوياً في عمليات "جريئة" للغاية، قام بتنفيذها جهاز الموساد، وللتذكير فقط، نورد في هذه العجّالة أنّ وزيرة الخارجية السابقة في دولة الاحتلال وزعيمة حزب (كاديما) المعارض اليوم، والتي أصدر مؤخراً أمر اعتقال ضدّها في بريطانيا بسبب اتهامها بارتكاب جرائم حرب، كانت في الثمانينيات من القرن الماضي ضابطة رفيعة المستوى من حيث الرتبة، وليس من حيث الأخلاق، في جهاز الموساد، وتمكنت، حسب المصادر الأجنبية، التي تتلقاها بلهفة شديدة الصحافة العبرية، من قتل عالم نووي عراقي في عاصمة الأضواء، باريس، وعندما سئلت عن الموضوع ردّ الناطق بلسانها بأنّ السيدة ليفني، لا تفشي بالأسرار حول طبيعة عملها في الموساد.
(4)
المهم من ناحيتنا التركيز على الإيحاء الذي حاولت محللة شؤون الشرق الأوسط في الصحيفة العبرية تمريره إلى القارئ العادي، الذي تنطلي عليه هذه الأكاذيب، وتقنعه مرّة أخرى بأنّ العرب ضعفاء أمام الجنس اللطيف، وهذا بحد ذاته يزيد من كره اليهود للعرب، ويعمق لديهم الفكرة المسبقة السائدة لديهم، بسبب غسيل الأدمغة التي تقوم بها الحركة الصهيونية وصنيعتها إسرائيل، بالترويج لها، بمناسبة أو بغير مناسبة، بأنّك إذا أردت أن تتغلب على العربي، ما عليك، إلا أن تستعمل الجنس اللطيف، وأيضاً جدير بالإشارة بأنّه عندما قام إيهود باراك ورجاله في العام 1973 بتنفيذ عملية (فردان) في بيروت واغتيال الشهداء كمال ناصر وكمال عدوان وأبو يوسف النجار، من قادة فتح التاريخيين، تخّفى هذا "البطل الصنديد" بلباس امرأة، ونفذّ العملية، التي ما زال الصهاينة يتغنون بها حتى اليوم، وبطبيعة الحال سيواصلون هذا التغني والرقص على دماء العرب، وتحديداً الفلسطينيين منهم.
(5)
والأكثر أهمية أن نرد على هذه الفرية الجديدة القديمة من إنتاج وإخراج الصحافة العبرية: العرب ليسوا ضعفاء أمام الجنس اللطيف، وهم لا يختلفون، ولا يتخلفون ولا يتقدمون، عن شعوب المعمورة برمتها، في هذا السياق، واتهامهم بهذا الاتهام الرخيص واليائس والبائس، ما هو إلا شهادة عزّة وكرامة وانتماء وكبرياء، لأنّه إذا أتتني مذمة من ناقصٍ فهي الشهادة لي بأننّي كامل. علاوة على ذلك، يجب على الصحافة العربية في الوطن العربي وفي المهجر، ونقصد الصحف الملتزمة والمتحيزة لأمتّها العربيّة أن تتعامل مع هذه الأنباء بحذرٍ شديدً، وعدم الانجرار وراء الأكاذيب الرخيصة التي تنشرها الصحافة العبرية، كما أننّا لا ندخل في هذا الإطار بعض الصحف العربية المتأسرلة التي تتقبل الرواية الإسرائيلية وتجعلها صحيحة أمام القارئ العربي، كما أننّا لا ندخل في إطار الصحافة الملتزمة الفضائيات "العربية" التي تُسمي الشهداء الفلسطينيين بالقتلى.
(6)
المحللة بيري، هي شخصية مرغوب بها جداً في مصر وفي المملكة الأردنية الهاشمية، فقد أجرت لقاءات مع العاهل الأردني الراحل، الملك حسين،رحمه الله بأعماله، كما أجرت لقاءات مع العاهل الأردني الحالي، الملك عبد الله الثاني، بالإضافة إلى ذلك، حصلت على لقاءٍ حصري مع سيادة رئيس جمهورية مصر العربية، السيّد محمد حسني مبارك، وباعتقادنا المتواضع جداً فإنّه كما يقول المثل العامي الحبل على الجرار.
(7)
ولا غضاضة في أن ننهي أقوالنا بتذكير السيّدة بيري، وتذكير الإسرائيليين، والعالم العربي قبل الغربي، أنّ رئيس الدولة العبرية السابق، يحاكم في هذه الأيام بتهم الاغتصاب وتنفيذ أعمال مشينة ومخالفات جنسية أخرى، وبطبيعة الحال، نشدد على أنّ الرئيس الإسرائيلي السابق، موشيه كتساف، هو بريء حتى تثبت إدانته، وليس كحال العربي، الذي لا حاجة لتقديمه للمحاكمة، ولا لسماع أقواله، لأنّه، وفق المنطق الصهيوني المتطرف والعدائي، فهو متهمٌ ومدانٌ حتى قبل أن تلده أمه، وهنا المكان وهذا الزمان التذكير أيضاً بأقوال أحد الحاخامات اليهود الكبار بأنّه يجب قتل الأطفال الفلسطينيين، لأنّهم إذا كبروا سيتحولون إلى أشرارٍ كآبائهم.


التعليقات