"السلطة كوكيل ثانوي لجيش الاحتلال والشاباك والإدارة المدنية"

-

في مقالة نشرتها صحيفة "هآرتس" اليوم، الإثنين، وفي أعقاب "فضيحة غولدستون" كتبت عميرة هس ما مفاده أن السلطة الفلسطينية بقيادة محمود عباس قد تحولت إلى وكيلة ثانوية لجيش الاحتلال والشاباك والإدارة المدنية. وأشارت في سياق المقال إلى أن الجهد الذي بذله الآلاف في إعداد التقرير لمدة تسعة شهور قد ضاع عبثا في أعقاب مكالمة هاتفية من عباس إلى ممثله في مجلس حقوق الإنسان في جنيف.

وعزت الكاتبة التراجع الفلسطيني إلى الضغط الأمريكي والحماقة السياسية وقصر النظر والرغبة بتجديد المفاوضات بهدف إحداث "تقدم"، والذي يعني بقاء السلطة والحصول على امتيازات لقيادة منظمة التحرير الفلسطينية والدوائر المحيطة بها من الولايات المتحدة لكي تندمج في العالم الأمريكي الجديد، وبالتالي فإن التكتيك الفلسطيني يحدد بحسب الأجرة. بحسب الكاتبة.

وفيما يلي الترجمة الحرفية للمقال:

[[في مكالمة هاتفية واحدة الى مندوب م.ت.ف في جنيف عبر محمود عباس عن استخفافه بالعمل الشعبي، وبعدم ثقته بقوة ودور الحركات الجماهيرية في عمليات التغيير .

طوال تسعة شهور عمل الالاف من الفلسطينيين والمتضامنين الأجانب معهم وناشطين إسرائيليين ضد الاحتلال – كي لا تدفن حملة الجيش الإسرائيلي العسكرية في سلة المهملات التي تلقي فيها الشعوب المحتلة (المحتلة: اسم فاعل) ما لا يتفق مع مفهوم غطرستها.

بفضل تقرير غولدستون، حتى في اسرائيل بدأوا يتمتمون بضرورة إجراء فحص ذاتي حول الهجوم على غزة. ولكن بعد أن حظي محمود عباس بزيارة القنصل الأمريكي العام يوم الخميس بوقت قصير، أصدر زعيم منظمة التحرير الفلسطينية تعليماته لممثله في مجلس حقوق الانسان التابعة للامم المتحدة، بأن يطلب من نظرائه تأجيل التصويت على تبني استنتاجات التقرير الى شهر اذار/مارس.

ضغط أمريكي شديد واستئناف مفاوضات السلام، هما التفسير لهذه التعليمات. وتلوى الناطقون الفلسطينيون في نهاية الأسبوع بين الروايات المختلفة، كي يسوغوا الخطوة، وشرحوا بأن الحديث لا يدور عن إلغاء بل تأجيل لستة أشهر. ولكن خلال الشهور الستة المقبلة هل سيتبنى ممثلو الولايات المتحدة واوروبا في جنيف التقرير؟ وهل ستنصاع إسرائيل في الشهور القادمة للقانون الدولي، وتوقف البناء في المستوطنات وتعلن عن مفاوضات فورية على تفكيكها وإقامة دولة في المناطق؟ هل يعرض التقرير كل هذا للخطر؟ واضح أن الجواب لا.

هذه المكالمة كشفت عن الكثير من الغباء السياسي وقصر النظر، وذلك عشية احتفالات النصر لدى حماس على شرف تحرير الأسيرات. في هذا اليوم بالذات هو رفع غزة الى العناوين الرئيسية في سياق انهزامية منظمة التحرير الفلسطينية، والبصق في وجه ضحايا الهجوم – هذا ما شعروا به في غزة وليس فقط فيها. وبذاك يكون عباس قد أكد عمليا، بأن حماس هي التي تعتبر القيادة الوطنية، وزود الذخيرة لادعائها بأن طريقها – طريق الكفاح المسلح – يحقق الانجازات التي لا تحققها المفاوضات.

لا يدور الحديث عن زلة واحدة، بل عن نهج – منذ طبخت قيادة م.ت.ف مع نرويجيين بسطاء ودهاة المحامين الإسرائيليين اتفاق اوسلو. وقاد الاستخفاف وانعدام اهتمام بالمعرفة والخبرة التي راكمها الكفاح الشعبي الطويل لسكان المناطق المحتلة، إلى الأخطاء الأولى (غياب الهدف الواضح وهو إقامة دولة في حدود محددة، والتنازل عن حظر البناء في المستوطنات، نسيان الأسرى، التوقيع على مناطق ج وما شابه). وهذا التفريط المزمن يبرر دائما بالرغبة في "التقدم". وبالنسبة لـ م.ت.ف وفتح فان "التقدم" يعني بقاء السلطة – التي تعمل أكثر من أي وقت مضى كوكيل ثانوي للجيش الإسرائيلي، المخابرات الإسرائيلية والإدارة المدنية.

هذه قيادة اقتنعت بان الكفاح المسلح – وبالتأكيد في ظروف التفوق العسكري الإسرائيلي – لا يمكن أن يقود الى الاستقلال، وبالفعل، الآثار المثقلة بالمصائب للانتفاضة الثانية تثبت صحة هذا الموقف، وتؤمن بالمفاوضات كطريق استراتيجي لتحقيق الدولة والانخراط في العالم الذي تصوغه الولايات المتحدة. غير أنه في مثل هذا العالم يوجد أجرة شخصية لنزعة التفريط المزمنة هذه، وهي امتيازات للقيادة وللدوائر المحيطة بها. كما أن الأجرة الشخصية تقرر التكتيك.

فهل حقا الخيار هو فقط بين المفاوضات وبين مسرحية كفاح مسلح (بين هنود وجيش يمتلك أسلحة فائقة التطور) كما تعرضه القيادة الفلسطينية؟ لا. الخيار الحقيقي هو بين المفاوضات كجزء من كفاح شعبي تثبته مبادئ المساواة والحقوق في الثقافات العالمية– وبين مفاوضات بين شركاء تجاريين، بحيث يشكر الصغير بخضوع، الكبير على سخائه.]]


التعليقات