"تحت المظلة الديمغرافية"

-

كتب ألوف بن في صحيفة هآرتس:

"عقد المجلس للأمن القومي، قبل عدة أسابيع، في مكتب رئيس الحكومة جلسة لمناقشة مسألة حساسة وهي "موطنة" (تحول إلى مواطنين) فلسطينيين من المناطق تزوجوا من عرب في إسرائيل. وكان معظم المتحدثين من القضائيين، وقاموا بتحليل الحق في تلقي المواطنة. وقد استدعي لتلك الجلسة أيضاً أخصائيون في الديمغرافيا (الجغرافيا السكانية)، لعرض أبعاد توحيد العائلات "لم الشمل" على النسبة العددية بين اليهود والعرب على إسرائيل.

فالديمغرافيا أي الخشية من غالبية عربية، قد سيطرت في السنوات الأخيرة على صياغة السياسة القومية. فاليمين يقول "لا يوجد عرب... لا يوجد عمليات" ويحرض على الطرد الجماعي، في حين يتحدث اليسار عن "أقلية يهودية بين نهر الأردن والبحر"، مما يلزم بالهروب من المناطق (الضفة الغربية وقطاع غزة) لإنقاذ الصهيونية. الولادة عند العرب أكبر مما هي عند اليهود والهجرة إلى إسرائيل "بالقطارة" وبصعوبة. والمختصون يتسابقون في تقديم التنبؤات "الشاحبة"، هل ستكون "لحظة التعادل" الديمغرافي بعد خمس سنوات، أم أن ذلك قد حصل بدون أن ننتبه؟

الإنسحاب من المناطق، كعلاج، لم يعد كافياً "لأنبياء الغضب" والديمغرافيين، والبروفيسور أرنون سوفير والبروفيسور سيرجيو دي لافرغولا، ينصحان بإجراء "عملية جراحية" بهدف التخلص من سكان وادي عارة والمثلث، لئلا يتناسلوا ويتكاثروا ويزدادوا قوة، وعندها سيطالبون بحقوق قومية. هذه الفكرة يحملها اليوم أفيغدور ليبرمان من اليمين، وكثيرون من "اليسار" وكذلك هنري كيسنجر.

تجاهل رئيس الحكومة، ارئيل شارون، وجود مشكلة ديمغرافية بشدة، ولكنه ما لبث أن تبناها في طريقه من اليمين الإستيطاني إلى المركز البراغماتي. وقد همس ذات مرة في أذن أحد الصحافيين بفكرة تسليم مدينة أم الفحم للسلطة الفلسطينية. في حين يبرر إيهود أولمرت اقتراحه بالإنسحاب منالضفة الغربية لإعتبارات ديمغرافية، بينما يصرح بنيامين نتنياهو، الذي يعارض الإتسحاب من المناطق، أن المشكلة الديمغرافية تتركز في العرب في إسرائيل، واقترح عدة وسائل "منع" من بينها تقليص مخصصات الولادة التي أدت الى تقليص الولادات لدى البدو. (وبحسب رأي وزير المالية، فإن بنك اسرائيل أجرى بحثاً مؤخراً أثار فيه العلاقة بين مبلغ المخصصات وبين عدد أفراد العائلة العربية).

كان مخزون المعلومات في مستشفيات الولادة في السلطة الفلسطينية والمثلث والجليل، تستحوذ أساساً على اهتمام العاملين في الإحصاء، ولكنها الآن هي الأساس لهذا الجدال. هل ينجب العرب أولاداً أقل؟ أم أن الإنتفاضة تضاعف من الرغبة في ذلك؟

يحتار المختصون في كيفية تطوير تنظيم الأسرة والتوزيعة الإجتماعية بشكل يشجع الولادة اليهودية ويبطئ العربية. بيد أن الصرخة الحالية هي تقرير مجموعة من اليمين في إسرائيل والولايات المتحدة، والذي بحسبه أنه يوجد في المناطق فلسطينيون أقل مما اعتقدوا. ورغم أن هذه النتائج موضع الجدل، إلا أنها نسفت احتكار حفنة من الباحثين للمعطيات والتنبؤات.

هذا النقاش يثير القرف ويفوت الموضوع الأساس، فلنفترض أن هناك مليون عربي فقط في المناطق وفي المثلث مع وتيرة ولادة كتلك في فنلندا ولوكسمبورغ، فهل سيكون الإحتلال عادلاً وصحيحاً؟ وإذا كان الإحتلال والإستيطان والتمييز ضد العرب في إسرائيل غير سليم من ناحية أخلاقية ويسيء إلى مركز إسرائيل الدولي والى صورتها الإجتماعية، فيجب التوقف عن ذلك بدون أية علاقة مع عدد العرب.

إن مدعي "التبرير الديمغرافي"، "يتمتعون" على جميع الأصعدة، فمن جهة فهم يؤيدون الإنسحاب من المناطق مثل اليسار، ومن جهة أخرى يظهرون ككارهين للعرب مثل اليمين!! وهذا ما حدث "لليسار الأمنوي": الذي تحول في ايام الإنتفاضة الى "يسار ديمغرافي".

كان من الصعب التحدث عن العبء الأخلاقي للإحتلال في ظل العمليات الإنتحارية وخطابات الشهادة لعرفات. وكان من السهل تمني غياب العرب عن الأنظار. والآن من الممكن أن نأمل أن أجواء الهدوء ستجعل الجدال الداخلي في إسرائيل أكثر اعتدالاً، وعلى الأقل تمنعه عن الخروج إلى عنصرية فاضحة أكثر".

التعليقات