"شطب التجمع لم يعد مسألة قضائية"..

-

يستند قرار لجنة الإنتخابات إلى أدلة قوية، لكن بالرغم عن ذلك فواضح للجميع ماذا سيكون حكم المحكمة العليا.

كنت في الأشهر الأخيرة شريكا في تجميع المواد القانونية التي شكّلت القاعدة لشطب التجمع الوطني الديمقراطي من المشاركة في المعركة الإنتخابية القريبة للكنيست. وتشمل مواد الأدلة ضد الحزب توثيقا للقاءات أعضاء كنيست مع قياديين في منظمات إرهابية، ومقالات بلغات مختلفة تنادي لمعارضة وجود الدولة اليهودية، وكذلك تصريحات فيما يتعلق بإخلاصهم وتأييدهم لعضو الكنيست السابق عزمي بشارة.

ونقول في صالح رجالات التجمع، أنهم ومنذ أن قلبت المحكمة العليا قرار لجنة الإنتخابات من العام 2003 وأقرت لهم المنافسة، لا يحاولون التستر على أهدافهم. إن لهم أجندة صريحة بالنسبة إلى دولة اليهود ولمكانة الأقلية العربية في دولة ديمقراطية، وقد استطاعوا أن ينشروا مركبات الهوية بشكل مفصّل حول المشاعر الأكثر حساسية لدى المجتمع الإسرائيلي.

ولقد أدركوا منذها مدى الحساسية وقواعد اللعبة وقرّروا شدّ الحبل حتى أقصاه، مقرونا بالنضال ضد المجتمع الإسرائيلي: "نقول ما نريد، ونلتقي من نشاء، فهيا لنرى كيف ستشطبوننا".

يطلب أعضاء الكنيست في الإلتماس الذي قدموه للمحكمة العليا إلغاء شطب القائمة، لأنه كان بحسب ادعائهم "إجرائيا وليس قانونيا" وقد أتخذ دونما "نقاش موضوعي وبحسب الدستور، ودون الإعتماد على الأدلة أيا كانت".

كمن حضر النقاش هذا، فإنني مضطر للقول إنهم محقون دون شك. فقد تم اتخاذ القرار من منطلقات مبدئية وليس سياسية، مثلما هو متوقع من جسم كهذا، لكن النقاش في اللجنة كان بعيدا عن الموضوعية. فلم يتطرق أي من الطرفين تقريبا إلى مواد الأدلة والقانون ذي العلاقة، حيث اعتمد الشطب في الأساس على غضب أعضاء اللجنة من التحرشات المقصودة لممثلي الأحزاب العربية أثناء البحث. ببساطة، لم يستطع أعضاء اللجنة تحمّل حقيقة أنه في حين تدور معارك ضد مبعوثي حزب الله في غزة، يقف عضو الكنيست جمال زحالقة على منبر الخطابة متحدّيا أنه على اتصال يومي مع بشارة وأنه ما فتئ يؤيّده.

كان الشعور في قاعة النقاش أن هنالك إجماعا للرأي بأن من غير المعقول أن يجلس في برلمان دولة سيادية أشخاص يعارضون مجرد وجودها. لن تستطيع جميع المصطلحات القضائية والإجتماعية بشأن "الحق في الترشّح والإنتخاب" وعن "الديمقراطية التي تدافع عن نفسها"، أبدا أن تفسّر كيف يجلس في الكنيست أشخاص يعربون عن تضامنهم مع أعداء الدولة، ويلتقون علنا إرهابيين، ويؤيدون شخصا اتهم أنه عمل لمصلحة منظمة إرهابية أثناء الحرب.

لكن السلوك الوطني والمنطق البسيط لأعضاء لجنة الإنتخابات لا يشكلان النقطة الجوهرية في العملية الجارية هنا. فبموجب القانون، فإن لجنة الإنتخابات هي المخولة بشطب الأحزاب. وتستطيع المحكمة العليا التدخل في قرار اللجنة إذا رأت أن اللجنة تجاوزت صلاحياتها فقط أو أن قرارها ليس منطقيا.

برغم هذا، فإن من الواضح للجميع أن المحكمة العليا هي من سيقرر في نهاية الأمر إذا كانت ستشطب الحزب حتى حين يكون هنالك إجماع في اللجنة حول الشطب. وللمفارقة، فإن الطريقة التي اتبعتها المحكمة العليا كي تحتكر صلاحية البحث في شطب الأحزاب، هي التي أدت إلى الميل إلى الإجرائي وغير القضائي لأعضاء اللجنة، الذين لا يعتقدون أن لقرارهم أية أهمية في العملية.

لكن الأمر الأدهى حقا هو أن نتيجة الإجراء في المحكمة العليا معروفة مسبقا، حتى بدون الولوج أبدا إلى مواد الأدلة في الملف. يمكن التكهن بأن المحكمة العليا ستلغي قرار اللجنة وستتيح لحزب التجمع الوطني وللقائمة الموحدة أن ينافسا في الإنتخابات. هل يشعر الجمهور أن قرار القضاة في مثل هذه الملفات يتم اتخاذه من خلال تقديرات ليست موضوعية ودون أخذ الأدلة بعين الإعتبار؟ هل ينبع تدهور الثقة الجماهيرية في المحكمة العليا، أيضا، من إمكانية تخمين قراراتها؟

واضح لجميع الأطراف أن المسألة المطروحة للبحث ليست قضائية في الحقيقة. وإذا كانت المحكمة العليا قد وجدت في العام 1988 أن هنالك أساسا لأدلة واسعة بما فيه الكفاية كي تشطب حزب كاخ، فكم بالحري أن ملف الأدلة الحالي ضد التجمع والموحدة يكفي لكي يجد هذان الحزبان نفسيهما خارج كنيست إسرائيل.

هناك أسئلة كبيرة لا تزال على جدول الأعمال، مثل مستقبل دولة إسرائيل، ومفهوم المركب اليهودي في هوية الدولة، وعلاقة المجتمع الإسرائيلي بالتطرف المتصاعد لدى قادة الجمهور العربي. وبناء على قرار المحكمة العليا، يستطيع الجمهور أن يقف على تعامل قضاة المحكمة العليا مع هذه القضايا، والذي سيتقرر بموجبها مدى ثقة الجمهور بالمحكمة.

التعليقات