"لماذا لم تلتقط الكاميرات موت العربي"..

-

كتب بيني تسيبر، في صحيفة "هآرتس" معلقاً على الشريط الذي عرضته كافة المحطات التفلزيونية الإسرائيلية حول ظروف استشهاد الشاب أحمد محمود الخطيب من قرية كفر مندا، الأحد الماضي.


[[.. برأيي، إن ما كان يجب أن يخيف الجمهور الواسع، هذا الأسبوع، أكثر من موشي بايغلين وإمكانية أن يعود الليكود إلى السلطة على شكل حزب "آيات الله" هو الشريط التلفزيوني الذي لفت الانتباه، لفترة قصيرة، الأحد الماضي. وتم تركيب الشريط المذكور من مقاطع التقطتها كاميرات المراقبة المنصوبة في أزقة البلدة العتيقة (القدس المحتلة) بشأن معركة إطلاق النار بين عربي من قرية كفر مندا، وبين إثنين من حراس "عطيرت كوهانيم"، والتي انتهت بموت العربي.

وقد تم بث الشريط يوم الأحد في كافة النشرات الإخبارية، ورافقه تعليقات مراسلي الشرطة، الذين تبنوا رواية الشرطة بشأن ما حصل، وقاموا بنقلها للمشاهدين، على شكل قصة مع بداية تبدأ بأن العربي يتابع أحد الحراس، وفي منتصف الشريط يقوم العربي بخطف مسدس الحارس، ويهرب من المكان، وعندها يطلق النار، وبدوره يطلق الحارس النار، ويسقط أحدهما أرضاً، بدون أن يتضح من هو، وينتهي الشريط. أما النهاية، أي موت العربي، ولسبب ما فإن الكاميرات لم تلتقطه، بحسب الشريط.

هناك شيء مقلق في الشريط. وعدت إلى الشريط مرة أخرى وتمعنت في التسجيل. انتبهت لظاهرة مثيرة: لم يبد على جمهور المارين في المكان، والذين يشهدون الأحداث العنيفة التي يحصل، أنهم مذعورون بوجه خاص، فبعضهم واصل أعماله كأن شيئاً لم يكن، وكان هناك من غادر المكان بالطبع، ولكن، وبالتأكيد، فإنه لا يوجد أي تناغم بين درامية الحدث مثلما تمت روايتها بالكلمات، وبين الملل الذي يسود التوثيق المرئي. فالمشاهد للشريط لا يفهم من المهاجم، ومن هو الذي يتعرض للهجوم، من هم الأخيار ومن هم الأشرار، وأين كان باقي الجرحى الذين تناولهم التقرير المسموع. من الواضح أنه جرت عملية لصق، وأن هناك "ثقوب" في الحقائق المعروضة، والتي تحاول الرواية الربط بين أجزائها.

توصلت إلى النتيجة إنه لا يوجد صعوبة في تلقيمنا، بشكل متعمد، نحن جمهور المشاهدين، الرواية المغرضة لما حصل، ولصق مشاهد يتم إنتاجها بعد وقوع الحادث، وربما يتم حذف مقاطع معلومات غير مرغوبة، وخلق تواصل حيث لا يكون، وباختصار، تأليف قصة..

ولعل خير مثال يثير الاستغراب، والذي لم يتضمنه الشريط الذي عرض علينا، هو "ما هو مصدر الشرعية لقتل أناس في الشارع، والتي تستمدها ميليشيات تسمى "حراس"، ولا تتبع للشرطة أو لأي من الأجهزة الأمنية؟ وكيف يمكن لمؤسسات في البلاد، في هذه الحالة المؤسسة الدينية "عطيرت كوهانيم"، أن تحيط نفسها بميليشيات خاصة مسلحة، لا يوجد ما يضمن أنها مؤهلة من الناحية الشرطية؟

باختصار، يضع التلفزيون أمامنا، أسبوعياً، وحشاً وهمياً جديداً، يفترض أنه يشكل خطراً على الديمقراطية. فتارة كان الوحش هو المستوطنون في الخليل، وتارة أخرى بايغلين ومجموعة الملتحين، في الوقت الذي يتم فيه قضم الديمقراطية بأسنان فأرية صغيرة غير بادية للعيان.

وإذا كان يتم تقبل وجود مسلحين في الشوارع بشكل طبيعي، وإذا كان المراسلون يعرضون ويحللون الأخبار على شكل قصة مغلقة ومحاكة بشكل جيد، مثلما حصلوا على القصة من السلطات، فيجب أن نبدأ بالاعتياد على عدم التحقيق بما هو أغرب من ذلك]]..

التعليقات