هآرتس: "براك لم يقترح على الفلسطينيين أكثر من 88 % من المناطق الفلسطينية وبدون غور الأردن"

هآرتس:
يكشف الصحفي الإسرائيلي عكيفا الدار، في مقالة ينشرها في صحيفة "هآرتس" الاسرائيلية، اليوم، حقائق أخرى تؤكد كذب المزاعم الإسرائيلية بشأن "السخاء" الذي أبداه ايهود براك ازاء الفلسطينيين في محادثات كامب ديفيد، حيث يحلو للسياسيين الإسرائيليين، من اليمين واليسار الصهيوني معاً، الادعاء بأن براك عرض على الفلسطينيين 99% من مناطق الضفة الغربية إضافة إلى كل قطاع غزة، وأن الفلسطينيين رفضوا ذلك واختاروا بدء الانتفاضة.
ففي مقالته يقتبس الدار تصريحات هامة أدلى بها شاؤول اريئيل، أحد الشخصيات الإسرائيلية البارزة التي رافقت المفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية منذ عام 1995. فقد كان اريئيل رئيسًا لـ-"دائرة الاتفاقيات المرحلية"، ومن ثم عين بعد 5 سنوات رئيسًا لدائرة السلام، ورافق عن قرب كل مراحل المفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية حول الاتفاق الدائم، ابتداءًا من المفاوضات التي سبقت قمة كامب ديفيد في تموز 2000 وحتى لقاء طابا في كانون الثاني 2001.
ويقول الدار انه منذ تسرح اريئيل من الجيش الإسرائيلي ، قبل سنة ، يشارك في عدة قنوات للحوار ، العلني والسري، بين تنظيمات اسرائيلية وفلسطينية ، لإيمانه بأنه يمكن إعادة الروح إلى اتفاقيات اوسلو التي يعتبرها قمة العلاقات الإسرائيلية الفلسطينية.
ويضيف الدار ان اريئيل قرر أمس الأول، الخروج عن صمته الطويل وكشف الحقائق.
ففي محاضرة القاها في فرع حركة ميرتس في هرتسليا بحضور عشرات أعضاء الحزب، عرض ولأول مرة حكاية العملية السلمية من وجهة نظره كشريك مركزي في المفاوضات.
وقدم اريئيل في بداية محاضرته توضيحًا للأسباب التي جعلت من روح اوسلو روحا شريرة. وقال "لقد مضى الفلسطينيون نحو اتفاقيات اوسلو من خلال الادراك بأنهم سيحققون عبر هذا النهج السياسي الهدف الذي وضعوه نصب أعينهم منذ عام 1988، أي إقامة الدولة الفلسطينية داخل حدود 67 بحيث تكون القدس عاصمة لها.
ومن وجهة نظرهم فإن أكبر تنازل قدموه يتمثل في موافقتهم على الحصول على 23% فقط من مناطق فلسطين التاريخية. واعتقدوا انهم سيتمكنون في المستقبل من ايجاد حل لقضية حق العودة. وبالنسبة لهم ، يقول اريئيل، لم يكن بمقدور اي اتفاق يطرح أقل من ذلك، تقديم تنازلات في مواضيع أخرى. ويقول انهم لم يتنازلوا عن الكفاح المسلح من أجل الحصول على نبضة هنا واخرى هناك. لقد اشترطوا وقف الكفاح المسلح بتحقيق الهدف ولذلك عندما فهموا بأن اسرائيل لا تنوي تمكينهم الوصول الى الهدف عادوا الى انتهاج الكفاح المسلح".
ويقول اريئيل ان ما عرضه براك على الفلسطينيين، وما يوصف بأنه "كل شيء تقريبًا"، لم يكن يساوي بالنسبة للفلسطينيين أي شيء. "لقد كان المسؤولون في دائرة السلام يعرفون طيلة الوقت انه لا يمكن أبدًا لياسر عرفات أن يتحول الى مقاول لجهاز المخابرات الإسرائيلي دون حصوله، على الأقل، على دولة داخل حدود 1967، تشمل اجراء تعديلات حدودية وتبادل مناطق. كما انهم ادركوا من جهة أخرى، أنه لا يمكن لبراك، أو لأي سياسي اسرائيلي آخر، يرغب بالحياة، التوقيع على عبارة حق العودة. ويقول اريئيل "اننا لم نفهم انه في المأزق بين الحفاظ على أمننا وبين مصالح جمهورهم سيختار الفلسطينيون دائمًا الخيار الثاني ولن يتفهموا حساسيتنا لتصريحات تشبه تلك التي صدرت عن اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية في عام 1999 والتي جاء فيها ان عودة اللاجئين الفلسطينيين الى اسرائيل لن تتسبب باقتلاع عدد كبير من المهاجرين اليهود".
ويضيف الدار نقلا عن اريئيل قوله ان ضعف القيادة في الجانبين الاسرائيلي والفلسطيني، في كل ما يتعلق باتخاذ القرارات ساهم باقحام جهات غير مهنية وفئوية، كان أبرزها تدخل الجيش الإسرائيلي "ففي غياب الحوار على مستوى القيادة السياسية تبنى الجيش الاسرائيلي افكارًا قصيرة المدى ركزت على ضمان الأمن الجاري. وكان الجيش هو من قاد نحو السيطرة على المناطق "ب"، الأمر الذي خلق مراكز احتكاك بين معسكرين مسلحين. لقد جاءت هذه الخطوة كمحاولة للتوصل الى تسوية مع المستوطنين - الذين شكلوا العامل الثاني الذي تجاوز تدخله في العملية، كل حدود. لقد كانت ابواب كل رؤساء الحكومات الإسرائيلية بما فيها أبواب حكومة رابين، مفتوحة امامهم على مصراعيها، وسمح لهم التدخل في كل مسألة. بل تسببوا بتأخير تنفيذ الاتفاقيات وفرضوا اجراء تغييرات عليها، بدءًا من اتفاقية التفاهمات، مرورًا باتفاقية واي وحتى اتفاقية شرم الشيخ عام 99".
ويتهم اريئيل رئيس الحكومة السابق ايهود براك، بعدم تطبيق اتفاقيات واي ريفير ، التي جمدها بنيامين نتانياهو. ويقول "بعد ذلك كرس من بين الـ 15 شهرًا التي تبقت له ، 5 اشهر للمسار السوري. وفي نهاية 1999 فتح باب النقاش المتواصل مع الفلسطينيين . لقد عرض براك مطلبهم الداعي الى بدء المساومة من نقطة حدود 1967 وان تعرض اسرائيل التعديلات التي تطلبها. وطالب بأن تبدأ المفاوضات من نقطة الـ40% من المناطق الخاضعة للسيطرة الفلسطينية وأن يضيفوا عليها ما يطلبونه. وتواصل هذا النقاش عدة أشهر . وفي اكتوبر 1999، كتبنا وثيقة جاء فيها ان اهداف المفاوضات هي التوصل الى اقامة دولتين مستقلتين الا ان براك اصرّ على أن نستبدل كلمة دولتين بكلمة كيانان".
ويقول اريئيل ان اسرائيل لم تقترح على الفلسطينيين في مفاوضات ستوكهولم، في ربيع 2000، التي سبقت قمة كامب ديفيد أكثر من 87% من مناطق الضفة الغربية. هذا يعني، يقول اريئيل "ضم 650كم2، الى اسرائيل وهذا لا يشمل غور الأردن الذي طلبت اسرائيل مواصلة السيطرة عليه لعدة سنوات. وكان من المفروض بالمنطقة التي تطلب اسرائيل ضمها ان تضم اصابع طويلة تمتد داخل الأراضي الفلسطينية. لقد كان ذلك هو كل ما اقترحناه على اناس يسود لديهم الرأي القائل بأن قرار 242 يعني موافقتهم على الحصول على 23% فقط من فلسطين الكبرى، أي الضفة الغربية وقطاع غزة".
ويدعم اريئيل الرواية التي سبق ونشرها المحامي جلعاد شير، مندوب براك في المفاوضات مع الفلسطينيين، الذي كان كذّب في كتابه ادعاء براك القائل بأن الفلسطينيين لم يعرضوا أية خرائط في كامب ديفيد ويقول اريئيل ان الفلسطينيين عرضوا في كامب ديفيد خارطة تقترح ابقاء بعض المستوطنات المفصولة عن بعضها البعض بأيدي اسرائيل، على طول الخط الأخضر.
وقال اريئيل انه تسنى له مؤخرًا سؤال براك عن سبب التغيير المتواصل في النسب المئوية المعروضة على الفلسطينيين. فقال له براك "لقد تحتم علينا ممارسة هذه اللعبة لأنها تنبع من ثقافة الفلسطينيين." ويضيف اريئيل "يمكنني أن أشهد بأنني عندما استدعيت الى براك في بداية المفاوضات كي أطلعه على تطورات العملية السلمية، لم يفكر حتى بهذه النسب ، بل انه كان مجرورًا وراء الواقع، بكل بساطة".
كما يعتبر اريئيل مخطط الرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون، يعرض القليل ولم يأت في موعده، اضافة الى انه كان فضفاضًا. وقال "كان من المفروض بالأمريكيين أن يطرحوا مخططهم هذا في كامب ديفيد وعدم الانتظار حتى ديسمبر. وكان عليهم تحديد النسبة التي ستنسحب منها اسرائيل وليس التحدث عن نسبة تتراوح بين 94% و96%. وكان عليهم التحديد، مرة واحدة والى الأبد، ان هذه النسبة تشمل القدس وشمال البحر الميت. كما انهم لم يحسموا الأمر في مسألة ما اذا كانت مساحة الـ80% من المستوطنات التي ستضم الى اسرائيل، حسب الاتفاقية، تشمل سكان الأحياء اليهودية في شرقي القدس أيضًا".
ويقول اريئيل أن براك منع، حتى محادثات ستوكهولم، المسؤولين في دائرة السلام من مناقشة مسألة القدس. لقد كان على اقتناع بأن القدس تعتبر الورقة الفائزة وانه عندما سيتم طرحها على الطاولة يمكن الاتفاق على مسائل الاقليم واللاجئين والأمن، التي كانت لا تزال مفتوحة. وأعلن في كامب ديفيد انه لن يتنازل أبدًا عن السيادة على الحرم القدسي. لقد اعتقدنا أن التنازل الفلسطيني في مسألة حق العودة بات موضوعًا في جيوبنا ورغبنا بالحصول على مزيد من التنازلات. وهذا ما جعل الفلسطينيين يطرحون مجددًا، وبكل قوة، مسألة حق العودة على طاولة المفاوضات".
ويخلص اريئيل الى القول "ان حكومات اسرائيل فشلت بإعداد جمهورها لتقبل تجميد الاستيطان ونقل بعض المستوطنات فيما فشلت القيادة الفلسطينية بإعداد جمهورها للتوصل الى تسوية تاريخية مع إسرائيل". لكنه على الرغم من ذلك ما زال اريئيل متفائلاً، ويقول "يبدو اليوم ان غالبية الاسرائيليين يفهمون انهم مطالبون بالتنازل عن المناطق مع اجراء تعديلات يتقبلها الفلسطينيون، فيما يفهم الفلسطينيون بأنه يتحتم عليهم التنازل عن حق العودة. ويتفقان معًا على ان القدس يجب ان تكون عاصمة للدولتين".

التعليقات