"وقت الأخلاقيين"..

-

تكشف هذه الحرب، ربما أكثر من سابقاتها، التيارات الداخلية الحقيقية في أعماق المجتمع الإسرائيلي. وترفع العنصرية والكراهية رأسيهما، وكذلك غريزة الانتقام والعطش إلى الدماء. إنها "روح القائد" الآن في جيش الدفاع "لقتل العدد الأكبر"، كما يصفها المراسلون العسكريون في التلفزة. وحتى لو أن هذه الروح هي لمقاتلي حماس – فقد تقشعرّ لها الأبدان.

يبرّر ألعنف والوحشية المنفلتين على أنهما "وسائل للاحتراس": حتى ميزان الدم المشوّه، نحو مائة قتيل فلسطيني مقابل القتيل الإسرائيلي الواحد، لا يثير أي تساؤل، ونقرّ، من خلال العنصرية المغروسة فينا، كأننا قطعنا بأن دمهم أرخص مائة مرة عن دمنا.

أليمين، القومية، ألشوفينية والعسكرة هي السمة الشرعية الوحيدة في المدينة. ألإنسانية والرأفة – بعيدتان عنّا. فقط في هامش المعسكر يسمع صوت الاحتجاج – غير الشرعي، والمنبوذ وغير المغطى إعلاميا – من مجموعات شجاعة لكنها صغيرة من اليهود والعرب.

هنالك إلى جانب كل هذا صوت مختلف، الأسوأ ربما من كل الأصوات. إنه صوت الأخلاقيين والملونين. حيث يشكل زميلي آري شافيط ناطقهم المتدفّق. فقد كتب هنا شافيط هذا الأسبوع ( هنالك حاجة لخطوة إنسانية، "هآرتس 7.1.09) "الهجوم الإسرائيلي على غزة شرعي.. فقط مبادرة إنسانية كريمة، وحالا، يمكنها أن تبرهن أنه حتى أثناء هذه الحرب القاسية التي فرضت علينا فإننا نتذكّر أن هناك أيضا حياة وبشرا في الجهة الأخرى".

لا يهم الثمن لدى شافيط، الذي دافع عن مصداقية هذه الحرب وقطع بوجوب عدم الانهزام فيها، ولا تهمه حقيقة أن لا انتصارات عادلة في حروب كهذه – وهو يتجرّأ، في الآن ذاته، لأن يعظ لـ "الإنسانية".

هل يريدنا شافيط أن نقتل ونقتل، وأن نبعث بعد ذلك مستشفيات ميدانية وأدوية لمعالجة الجرحى؟ فهو يعرف أن الحرب ضد مواطنين لا حيلة لهم، ربما الأضعف في العالم، الذين لا يملكون مكانا يلجأون إليه، من شأنها أن تكون أكثر قسوة ومقتا. لكن هؤلاء الناس يريدون دائما أن يخرجوا منها بشكل حسن. نقصف القنابل على البيوت ونعالج المصابين في إيخيلوف: نقصف أماكن اللجوء البائسة في مدارس الأمم المتحدة، ونرمّم المعاقين في بيت ليفنشطاين. نطلق النار ونبكي، نقتل ونندب، نبيد نساء وأطفالا مثل ماكنات قتل أوتوماتيكية، ونحافظ أيضا على إنسانيتنا.

لكن، لا يوجد أمر كهذا، وكل ما في الأمر هو تلوّن وتظاهر بالأخلاقية المستفزّة. المتقاتلون الذين يدعون إلى الضرب والقتل أفضل من هؤلاء. فهم مستقيمون وصادقون على الأقل.

لا يمكن أكل هذه الكعكة والإبقاء عليها سالمة. "ألنقاء" الوحيد في هذه الحرب هو "التخلص من المخربين"، ما يعني زرع مآس مهولة. ليس الأمر كارثة طبيعية في غزة، هزة أرضية أو فيضانات، حيث من واجبنا أن نمدّ يدنا للمصابين منهما، بأن نرسل بعثات إنقاذ، مثلما نحبّ كثيرا. عمل شيطاني، كل المآسي التي لحقت الآن بغزة هي من فعل الإنسان، من فعلنا. لا يمكن تقديم المساعدة بHيد ملطخة بالدم. فمن خلال الوحشية لا يمكن أن تبزغ الرحمة.

لكن هناك من يرغب "بهذا وذاك". أن يقتل ويهدم دون تمييز وأن يخرج نظيفا من الحكاية أيضا، وبضمير نقي. أن يكون مع وأن يشعر بدون: مع جرائم الحرب وبدون الإحساس بذنبها الثقيل. إنها أمنية وقحة. من يدعو إلى هذه الحرب مؤمنا بمصداقية المجزرة التي تزرعها، لا يملك أي حق لأن يتحدّث عن الأخلاق والإنسانية. لا يوجد وحش كهذا، يقتل ويعالج.

يعكس هذا التوجّه بصدق المشاعر الإسرائيلية الأساسية والمزدوجة، التي ترافقنا دائما: أن نرتكب المساوئ، لكن أن نشعر أننا نظيفون أنقياء في نظرنا. أن نقتل وندمّر ونجوّع ونعتقل ونهين – وأن نكون محقين، هذا إذا لم نقل صدّيقين. فلا يمكن لصدّيقي الحرب أن ينعموا بهذا.

فمن يبرّر هذه الحرب يبرّر جرائمها أيضا. ومن يعتبرها حربا وقائية عليه أن يتحمّل مسؤولية نتائجها الضميرية. ومن يشجّع الآن السياسيين والعسكر للمضي في هذه الحرب عليه أن يحمل وصمة الخزي التي ستطبع جبينه بعد الحرب. فكل مؤيّدي الحرب – هم مؤيّدون للفظاعة.

التعليقات