"إسرائيل والثورات في العالم العربي: تجنب استفزاز العرب"..

في ظل الوضع الحالي لم يبق أمام إسرائيل سوى المبادرة إلى خطوات من شأنها أن تقلل من مخاطر اندلاع مواجهات؛ مثل إجراء تخفيفات ملموسة على حرية الحركة للفلسطينيين في الضفة الغربية، وخطوات لتحسين الأوضاع الاقتصادية في الضفة وقطاع غزة، وتجنب القيام بعمليات ينظر إلهيا الفلسطينيون والعرب على أنها استفزازية، وتوخي الحذر في كل ما يتصل بالقدس والحرم المقدسي، ومحاولة تجديد المفاوضات مع أبو مازن ورجاله

تعكس مقالة رون بن يشاي في "يديعوت أحرونوت" اليوم المخاوف الإسرائيلية من التطورات التي تتوالي تباعا في الشرق الأوسط. وتحت ستار هذه المخاوف يزج بما يسميه "الإسلام المتطرف" على اعتبار أنه الرابح الأساس. كما يتناول الكاتب تبعات هذه التطورات على اتفاقيتي السلام الموقعتين مع مصر والأردن، بما في ذلك التعاون الأمني والعلاقات الاقتصادية. ويخلص الكاتب في نهاية مقاله إلى ضرورة العمل بشكل سريع على تطوير حقول الغاز في البحر المتوسط كبديل عن الغاز المصري، وتعزيز القدرات الدفاعية الإسرائيلية وخاصة في مجال اعتراض الصواريخ القصيرة والبعيدة المدى، وإعادة النظر في القدرات الهجومية للجيش الإسرائيلي البرية والبحرية والجوية، وفي الوقت نفسه تجنب كل ما من شأنه أن يعتبر استفزازا في نظر الفلسطينيين خاصة والعرب عامة.
 
كتب بن يشاي أن "موجة الانتفاضات" التي تعم الشرق الأوسط لا تزال في أوجها، ولذلك لا يمكن تقدير أبعادها على إسرائيل وعلى المنطقة، ومع ذلك يمكن حاليا القول إن "الإسلام المتطرف" هو الرابح الأساس من "الفوضى". التي نشأت. وبحسبه فإن الحركات الإسلامية هي الجهة المنظمة الأساسية في غالبية الدول التي تهتز أنظمتها، والقادرة على استغلال الأزمة من أجل مراكمة القوة والنفوذ السياسيين في مصر ولبنان وتونس والجزائر، وربما الأردن بعد ذلك.
 
ويدعي بن يشاي أنه إذا عملت حركة الإخوان المسلمين بحذر من أجل توسيع قواعدها الشعبية فسوف تحقق أهدافها في نهاية المطاف، الأمر الذي من شأنه أن يحدث تآكلا في اتفاقيتي السلام مع مصر والأردن وفي استعداد هاتين الدولتين لمواصلة التعاون الأمني والعلاقات الاقتصادية مع إسرائيل.
 
وكتب في هذا السياق أيضا أن هناك جهات في مصر، ليست إسلامية فقط، تطالب الآن بإعادة النظر في بنود اتفاقية السلام التي تمنع دخول قوات الجيش المصري إلى سيناء، وكذلك اتفاقية تصدير الغاز إلى إسرائيل. وبحسبه فإن ما تطلق عليه إسرائيل "الجهاد العالمي" استغل الفرصة، فتراجع السيطرة الأمنية لمصر على سيناء في أعقاب الثورة، واهتزاز السلطة المركزية في اليمن، والانسحاب المتوقع للولايات المتحدة من العراق، كل ذلك يسمح للمنظمات التي تعمل بروح "القاعدة" لتعزيز قواعدها وتجنيد ناشطين والعمل بحرية ضد مجموعة من الأهداف في المنطقة، في الوقت الذي تتراجع فيه قدرة الغرب على محاربتها بالتعاون مع الأنظمة المحلية.
 
كما كتب أن إيران سوف تحاول استغلال الفرصة أيضا لتعزيز نفوذها في العراق واليمن ولبنان والبحرين ودول أخرى في الخليج، وذلك بهدف العمل على وقف التعاون الأمني والسياسي مع الولايات المتحدة، وتهديد مصادر الغرب النفطية في حال عملت الأخيرة ضد البرنامج النووي الإيراني.
 
واعتبر بن يشاي عبور السفينتين البحريتين الإيرانيتين لقناة السويس، للمرة الأولى منذ العام 1979، على أنه مثال على خطة عمل إيران. وبحسبه فإن عبور السفينتين الإيرانيين لا يغير ميزان القوى في حوض البحر المتوسط لصالح إيران وحلفائها في المنطقة، ولا يشكل تهديدا مباشرا لإسرائيل، وإنما يشكل سابقة تفتح أمام إيران إمكانيات عمل جديدة فيما يتصل بنقل مركبات حساسة للعتاد العسكري والخبراء العسكريين من إيران إلى سورية ولبنان وقطاع غزة.
 
ويضيف أن السفن الحربية من الممكن أن تستخدم كقاعدة تنصت وتجسس وإنذار في خدمة إيران وحلفائها، كما تستطيع المشاركة في الحملات البحرية لكسر الحصار عن قطاع غزة. كما يشير في هذا السياق إلى أن قيام سفن الأسطول السادس الأمريكي بإجراء تفتيش للقطع العسكرية من الممكن أن يؤدي إلى حصول تصعيد في المنطقة، وإلى ممارسات ممثالة ضد الأسطول الخامس الأمريكي في الخليج العربي.
 
وبحسبه فإن الارتفاع الذي تشهده أسعار النفط في الأيام الأخيرة بسبب عدم الاستقرار في الشرق الأوسط يلعب لصالح إيران، فهي تطور من قدراتها على المواجهة الاقتصادية للعقوبات التي فرضت عليها من قبل مجلس الأمن، ولتمويل مشاريع محلية في إيران من أجل الحفاظ على الهدوء.
 
ويشير أيضا إلى أن ارتفاع أسعار النفط والتشويشات المرتقبة في الإمدادات النفطية تهدد انتعاش الاقتصاد العالمي من الأزمة الاقتصادية الأخيرة، وتسمح لإيران باستخدام سلاح النفط لتهديد الغرب في حال تعرضها للهجوم، مع أنه من الجائز الافتراض أن إمكانية شن هجوم على إيران من قبل إسرائيل أو الولايات المتحدة قد تراجعت بشكل كبير في الأيام الأخيرة.
 
ويستخلص يشاي مما سبق على أنه أخبار سيئة بالنسبة لإسرائيل والولايات المتحدة، مشيرا إلى أنه بالرغم من أن مكتب رئيس الحكومة الإسرائيلية يحاول الادعاء بأن الاضطرابات في المنطقة تبرز "حقيقة كون إسرائيل جزيرة الاستقرار والديمقراطية في المنطقة"، وبالتالي فإن إسرائيل هي ذخر استراتيجي وقيمي للغرب، فإن هناك شكوكا فيما إذا كانت هذه الادعاءات تحسن من وضع إسرائيل السياسي والأمني.
 
ويضيف في هذا السياق أنه ربما تلقى هذه الادعاءات آذانا صاغية في الرأي العام الأمريكي، وربما في أوروبا، ولكنها أهميتها العملية ضئيلة جدا، فحتى لو قررت إدارة أوباما العمل العسكري ضد البرامج النووية الإيرانية أو البحث عن قواعد جديدة ضد ما أسماه "الإرهاب العالمي"، فهناك شك بأن يتم ذلك من إسرائيل، ذلك لأن من شأنه أن يثير الشارع الإسلامي ضد الولايات المتحدة، ويعزز الدعم الداخلي في الدول العربية للجهات الإسلامية، ودعم الشارع الإيراني للنظام في طهران، فكل ما أنجزته الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوروبيون عندما دعموا مطالب المنتفضين وفي عدم استخدام القوة ضده سوف يضيع سدى كنتيجة للتعاون الوثيق مع إسرائيل.
 
ويسوق الكاتب رد فعل الشارع العربي على الفيتو الأمريكي في مجلس الأمن على قرار إدانة الاستيطان على أنه دلالة على ذلك. ويضيف أنه بدون شك فإن الغرب ينظر إلى علاقاته مع إسرائيل في الوضع الحالي على أنها ذخر إستراتيجي وسياسي، ولكن العكس صحيح أيضا، فالصراع "الفلسطيني – الإسرائيلي" يخلق إمكانيات قابلة للتفجر، ومن الممكن أن يلهب الشارع العربي ليطال الأنظمة العربية المتحالفة مع الغرب والتي لا تزال قوية حتى اللحظة.
 
وعلى سبيل المثال، يشير الكاتب إلى أن تفجر الأوضاع في قطاع غزة وقيام إسرائيل بعملية عسكرية بصيغة "الرصاص المصبوب" من الممكن أن يخرج الناس في عمان ورام الله إلى الشوارع، بحيث يشكل ذلك تهديدا على الأنظمة إذا لم تعمل بحزم ولم تقم بشيء عملي ضد إسرائيل. ومن الممكن أن يحاول الفلسطينيون في الضفة الغربية، وحتى في الداخل، "ابتزاز إسرائيل بواسطة أيام غضب" تحظى بدعم إعلامي عربي ودولي وتحظى بدعم الرأي العام الأوروبي. ويشير إلى أن تجربة إسرائيل تشير إلى أن مثل هذه "الأيام" قد تتطور إلى انتفاضة ثالثة حتى لو لم يكن منظموها يخططون لذلك.
 
وفي معرض إجابته على سؤال "ما العمل؟"، يشير الكاتب إلى أن هناك في إسرائيل من يعتقد بأنه يجب تحييد عامل التفجر في الصراع "الإسرائيلي الفلسطيني" بواسطة مفاوضات متسارعة حول اتفاقية سلام، بيد أنه من الصعب التوصل إلى اتفاقية سلام كهذه في الفترة القريبة أو التوصل إلى تسوية مؤقتة على الأقل مع الفلسطينيين أو مع سورية. وبحسبه فإن إسرائيل لا تستطيع الآن التنازل عن "الميزات الدفاعية" التي توفرها منطقتا الأغوار والجولان السوري المحتل.
 
ويضيف في هذه السياق أنه حتى لو أبدى نتانياهو وحكومته استعدادا للاستجابة لمطالب الفلسطينيين والسوريين، وحتى لو أبدت إسرائيل استعداد لتجميد الاستيطان، فهناك شك بأن يوافق أبو مازن وبشار الأسد على اتفاق قد يقتضي تنازلات مؤلمة في قضايا جوهرية، وخاصة في الظروف الحالية التي تسود العالم العربي.
 
ويخلص بن يشاي إلى أنه في ظل الوضع الحالي لم يبق أمام إسرائيل سوى المبادرة إلى خطوات من شأنها أن تقلل من مخاطر اندلاع مواجهات؛ مثل إجراء تخفيفات ملموسة على حرية الحركة للفلسطينيين في الضفة الغربية، وخطوات لتحسين الأوضاع الاقتصادية في الضفة وقطاع غزة، وتجنب القيام بعمليات ينظر إليها الفلسطينيون والعرب على أنها استفزازية، وتوخي الحذر في كل ما يتصل بالقدس والحرم المقدسي، ومحاولة تجديد المفاوضات مع أبو مازن ورجاله، رغم أن احتمالات التوصل إلى نتائج ضئيلة جدا.
 
ويضيف أنه وبشكل مواز، على إسرائيل أن تستعد للمدى البعيد في مجالين؛ الأول اقتصادي يتضمن تسريعا ملموسا لتطوير واستخدام مصادر الغاز في البحر المتوسط، وذلك بهدف توفير بديل للغاز المصري، وتجنب التداعيات السلبية على الاقتصاد الإسرائيلي كنتيجة لارتفاع أسعار النفط. أما المجال الثاني فهو المجال الأمني حيث أن تهديد الصواريخ كان ولا يزال التهديد المركزي لإسرائيل، ومن الممكن أن يتصاعد في حال انسحبت الأردن ومصر من اتفاقيتي السلام أو تجميد الاتفاقيتين، أو في حال تسلحت إيران بأسلحة نووية.
 
ويضيف أنه على الجيش الإسرائيلي أن يدرس مجددا قدراته الهجومية البرية والجوية والبحرية، وملاءمتها للتهديدات الجديدة التي قد تتطور مستقبلا، ما يعني استثمارا كبيرا للاموال في ذلك حتى العام 2015، ذلك لأن عدم الوضوح والنقص في الموارد يضع متخذي القرارات في الجيش والأجهزة الأمنية أمام تحديات لم تعرف إسرائيل مثلها في مجال الأمن منذ حرب أكتوبر 1973.

التعليقات