عميرة هس: نجوم أوسلو أعطوا الإحتلال الموارد والسيادة وتركوا للسلطة المشكلات والمسؤوليات

وحتى من دون الازمة العالمية ومن دون الضرائب المرتفعة غير المباشرة – والاخيرة اثيرة عند رئيس الوزراء (الاسرائيلي) بنيامين نتنياهو – فان الاقتصاد الفلسطيني معوق وهش، بسبب السيطرة الاسرائيلية. ولنذكر بعض الحقائق القليلة فقط – وليس كلها، لاننا ان فعلنا ذلك فسنحتاج لصفحة باكملها (في الجريدة):

عميرة هس: نجوم أوسلو أعطوا الإحتلال الموارد والسيادة وتركوا للسلطة المشكلات والمسؤوليات

 

نشرت صحيفة "هآرتس" الاسرائيلية، اليوم الاثنين، مقالا بقلم مراسلتها عميرة هاس تعليقاً على مظاهرات فلسطينيي الضفة الغربية ضد حكومة رئيس الوزراء سلام فياض بسبب ارتفاع اسعار الحاجيات الضرورية تحت عنوان "فليقل احد ما للفلسطينيين: انه الاحتلال، يا بلهاء".:

"قلت لنفسي "عباقرة" عندما عطلت عشرات سيارات الشحن وسيارات التاكسي حركة السير في قلب مدينة الخليل يوم الاربعاء احتجاجا على زيادات الاسعار. وواصلت الاعتقاد بانهم "عباقرة" عندما مررت بعد اربع ساعات على ذلك بنفس المكان وسمعت ان متظاهرين آخرين اشعلوا النار في دمية تمثل رئيس الوزراء السلطة الفلسطينية سلام فياض. واستنتاجي عن الـ"عباقرة" تعزز عندما اضطررت انا وسائقون آخرون على طريق القدس في البيرة الى العودة من حيث اتينا لان السنة اللهب كانت تسد الطريق عند مدخل مخيم الامعري للاجئين. ومرة اخرى، عندما ذكرت صحف السبت ان صناديق القمامة اشعلت بها النيران وان سلسلة عمليات سطو وسرقة قد تمت تحت ستار مظاهرات الجمعة في بيت لحم وضواحيها، لم اتمالك الا ان اكرر: الاسرائيليون، الذين صمموا اتفاقات اوسلو قبل 20 سنة، عباقرة. اذ انهم بعملهم ذاك ضمنوا ان الفلسطينيين سيلومون قيادتهم على الازمة الاقتصادية وسيتظاهرون ضدها بالآلاف.

ان الذعر يزداد في اوساط قيادة السلطة الفلسطينية بصورة مضطردة. خطابات كل يوم، بلغت ذروتها بعد ظهر السبت في المؤتمر الصحافي الذي عقده رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، والذي وصفته انباء اذاعة "صوت فلسطين" منذ مساء الجمعة بانه نبأ مهم. وهناك لجان من وزارات مختلفة يتم تشكيلها يوما بعد يوم مع وعد بالعثور على اسعار ارخص. ووعد آخر باجتماعات ومناقشات مع ممثلي مختلف الاطراف والمنظمات غير الحكومية، وبرامج اذاعية يتفهم فيها المحاورون ومن تجرى معهم المقابلات، بعجرفة ولهجة تعالٍ، المتظاهرين لكنهم يوبخونهم على الاضطرابات والتخريب. ومقابلة مع طباخ مطعم زيت وزعتر الذي يشرح كيف ستساعد العودة الى اطعمة الجدة التقليدية الارخص، والاجود للصحة في التغلب على ارتفاع الاسعار.

كل متظاهر لم يكمل الدراسة الثانوية لانه خرج للعمل ليساعد في اعاشة عائلته يدرك تماما ان الازمة العالمية تؤثر ايضاً في فلسطين اللا دولة. وكل واحد من انصار "فتح" يشتم فياض ويطالب باستقالته (كما فعل مبارك) يعي ان رئيس الوزراء ليس بوسعه اتباع سياسة غير مقبولة لدى عباس، الذي عينه في منصبه. وكل مدرس يبلغ راتبه 2000 شيكل يشعر شخصياً بنتيجة الاتفاق الاقتصادي مع اسرائيل، بروتوكول باريس، الذي وقعه القيادي الفتحاوي احمد قريع (ابو علاء). الاتفاق الجمركي هذا ("الموقت"، مثل اوسلو والمنطقة ج) يكبل الاقتصاد الفلسطيني ويربطه بسياسة اسرائيل القاضية بضرائب غير مباشرة وتنازلية. واذا كانت هذه السياسة تشكل عبئاً علينا نحن، اي الاسرائيليين الذين هم ليسوا في الشريحة العليا، فكيف لا يمكن ان تكون عبئاً اثقل على الفلسطينيين الذين لا تعادل مرتباتهم الحد الادنى من مرتبات الاسرائيليين؟

اوسلو الصفقة العذبة لاسرائيل

لقد استطاع نجوم اوسلو البارزون كتابة عقد يترك لاسرائيل الموارد والسيطرة عليها، وكذلك صلاحيات السيادة، بينما اعطوا السلطة الفلسطينية المشكلات والمسؤولية عن حلها، ولكن من دون الصلاحية والموارد. وبعملهم هذا حولوا السلطة الى ترس دفاعي يحمي الحكومة الاسرائيلية من السخط الفلسطيني. فهل من عجب في ان المتظاهرين يتوجهوان الى العنوان الوحيد المتوافر ويلومون السلطة الفلسطينية على ارتفاع الاسعار الذي لم تقرره؟ اما الاسرائيليون فيتمتعون بالاعتقاد بان لا صلة بين هذه الازمة التي تضرب الفلسطينيين والاحتلال.

وحتى من دون الازمة العالمية ومن دون الضرائب المرتفعة غير المباشرة – والاخيرة اثيرة عند رئيس الوزراء (الاسرائيلي) بنيامين نتنياهو – فان الاقتصاد الفلسطيني معوق وهش، بسبب السيطرة الاسرائيلية. ولنذكر بعض الحقائق القليلة فقط – وليس كلها، لاننا ان فعلنا ذلك فسنحتاج لصفحة باكملها (في الجريدة):

- اسرائيل تمنع غزة من تصدير المنتجات الزراعية والصناعية.

2- تستغل اسرائيل الى اقصى مدى المصادر الطبيعية في الضفة الغربية: من مياه ومحاجر ومعادن من البحر الميت، واراض زراعية ومناطق صناعية وسياحة ومساحات للسير على الاقدام مسافات طويلة. وكل ما يعود بالنفع على الاسرائيليين في الضفة الغربية، يعود بالضرر على الفلسطينيين.

3- تسيطر اسرائيل على الطيف الكهرومغناطيسي، وبالتالي تحدد كفاءة وربحية شركات الهواتف المحمولة الفلسطينية وصناعة التقنية العالية الفلسطينية ايضا.

4- تمنع اسرائيل الصيادين في غزة من الابحار لاكثر من ثلاثة اميال بحرية، ما يحرمهم من مردود ذلك عليهم.

5- تنافس اسرائيل المنتجات الفلسطينية بطريقة غير عادلة: فهي تعوض المزارعين الاسرائيليين لاستخراج المياه، بمن فيهم اولئك الذين يقيمون في المستوطنات، مقابل تخصيص الحد الادنى من مياه الشرب للفلسطينيين. وعندما يتم توفير المياه الصالحة للشرب في الخليل وبيت لحم مرة كل شهر، فانه لا غرابة في حاجة مزارع الخضروات الى المياه (قال لي متظاهرون في مدينة الخليل: "هل تعرفين كم يكلف كيلو البندورة (الطماطم)؟ ثمانية شيكلات" كأنهم كانوا يتحدثون عن اللحوم. وقال مزارع من حلحول في نبرة غاضبة وهو يشير الى كشك قرنبيط اسرائيلي "هل تعرفين اننا توقفنا عن زاعة القرنبيط").

6- ونتيجة لرفض اسرائيل الربط بين الفلسطينيين في المنطقة "ج" (التي تمثل 61 في المائة من اراضي الضفة الغربية التي وضعتها اتفاقات اوسلو تحت السيطرة الاسرائيلية الكاملة)، فان عشرات الالاف من الفلسطينيين مضطرون الى شراء المياه من صهاريج متحركة طوال العام. وفي فصل الصيف ليس امام مئات الالاف الذين جفت مصادر المياه في حنفياتهم، إلا شراء الماء من الصهاريج. وعمليات النقل تزيد من سعر الماء الى ما يعادل ثمانية اضعاف ما يدفعه "جيرانهم" المستوطنون. فكم عدد تلك العائلات التي يمكنها ان تسدد تكاليف دراسة اللغة الانكليزية والرياضيات لابنائهم بتلك الاموال؟ وكم عدد الشبان والفتيات الذين يمكن الحاقهم بالدراسة في الجامعة؟

7- تجبر اسرائيل الفلسطينيين على التنقل عبر ممرات ملتوية من محافظة الى اخرى او من المدينة الى القرى والبلدات في المنطقة. ويمكن القول ان معدل المسافة في كل رحلة تزداد 10 كيلومترات طولا. واذا ضربنا هذا العدد بستة ايام في الاسبوع، على اساس مرتين في اليوم الواحد، فان ذلك يحتاج الى 30 الف سيارة (اذا لم نُحص حوالي 100 ألف سيارة خاصة). ويجري توزيع التكاليف الاضافية التي لا ضرورة لها على النقليات العامة والركاب وبين سائقي الشاحنات والتجار والزبائن. ترى كم عيادة يمكن لهذه الزيادة ان تغطي تكاليفها؟ وكم مليون يورو يكلف ذلك دافع الضرائب في الاتحاد الاوروبي؟

وحسب وزارة الاقتصاد الفلسطينية، فان السيطرة الاسرائيلية خلال العام 2010 وحده تسببت في خسارة الاقتصاد الفلسطيني بحوالي 6.8 بليون دولار. لكن ذلك ليس سببا يدعو للقيام بتظاهرات. فالتظاهرات الفلسطينية تقول في الواقع انه حتى في ظل هذه الشروط الخانقة، فان لدى قيادتهم مساحة سياسية واقتصادية كافية للعمل، لكنها لاسباب خاصة بها لا تستخدمها لكسر شوكة الوضع القائم الذي اوجده عباقرة اوسلو".

التعليقات