"إسرائيل وجنوب أفريقيا: إسرائيل تقترب من نقطة تحول"

"كيري أكبر صديق لإسرائيل لدوره في عدم حصول نقطة تحول وإصراره على الدفع بما يسمى بـ"عملية السلام" هو الذي يمنع حصول نقطة تحول وما يمكن أن يشتق من المقاطعة الدولية لجنوب أفريقيا"

تناول حامي شاليف في صحيفة "هآرتس"، يوم أمس الجمعة، أن تغيب رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتانياهو عن مراسم تأبين نيلسون منديلا حول الأنظار إلى العزلة المتصاعدة على إسرائيل، وأن وزير الخارجية الأمريكية جون كيري هو الذي يمنع الآن تدهور الوضع لتصل إلى حالة جنوب أفريقيا في أيام الأبرتهايد.

وكتب أنه كانت هناك تبريرات جيدة مع وضد مشاركة نتانياهو في مراسم التأبين التي جرت هذا الأسبوع في يوهانسبورغ، مشيرا إلى أن ذلك تحول إلى مسألة حساسة وإشكالية. كما أشار إلى أن تواصل تكرار الأنباء بأن "نتانياهو سيسافر، ثم لن يسافر، ولا يوجد أموال، والرئيس مصاب بوعكة صحية".. كل ذلك أثار ضجة إعلامية محلية وعالمية سلطت الأضواء بالضبط على النقاط الإشكالية التي لم تكن ترغب إسرائيل بإثارتها.

وأضاف الكاتب أن ذلك يتمثل في "العلاقات المخزية التي كانت بين إسرائيل وبين نظام الأبرتهايد في السابق، والمقارنات الإشكالية بينهما في الحاضر، وما يمكن أن يشتق من المقاطعة الدولية التي ساعدت في إخضاع الأولى، والذي قد يشكل نموذجا لأولئك الذين يسعون لإخضاع الثانية".

كما كتب شاليف أنه قبل وفاة مانديلا فإن حركة المقاطعة في الشهر الأخير قد حققت إنجازات. ففي الأيام الأخيرة أعلنت شركة المياه الهولندية عن قطع علاقاتها مع شركة المياه الإسرائيلية "مكوروت"، والكنيسة البروتستانتية الكبرى في كندا قررت مقاطعة ثلاث شركات إسرائيلية تنشط في الضفة الغربية، وحكومة رومانيا منعت إرسال عمال بناء إلى إسرائيل، وآلاف الأكاديميين الأعضاء في "جمعية دراسات أمريكا" في الولايات المتحدة يصوتون في هذه الأيام على اقتراح بمقاطعة المؤسسات الأكاديمية الإسرائيلية.

ويشير في هذا السياق إلى أن مؤيدي المقاطعة قد تلقوا تشجيعا من الخضوع الإسرائيلي لإملاءات الاتحاد الأوروبي بشأن إخراج المستوطنات من التسوية بما يتيح لإسرائيل الانضمام إلى برنامج "أفق/ هورايزون 2020".

ويشير أيضا إلى أن المتحفظين يدعون أن الاتحاد الأوروبي يقاطع المستوطنات فقط وليس إٍسرائيل نفسها، بيد أن الكاتب يستدرك فيقول إن هذا صحيح حتى اليوم على الأقل. ويشير في هذا السياق إلى أن القس الراحل ليون ساليفان وفي العام 1977 واجه معارضة من قبل شركات أمريكية لسحب الاستثمارات بشكل جارف من جنوب أفريقيا، فقام بصياغة مبادئ بموجبها تفرض المقاطعة على شركات جنوب أفريقيا التي لا تتعامل مع عمالها بمساواة كاملة. وبالنتيجة فإن غالبية الشركات وقعت ضمن معايير "مبادئ ساليفان".

ويضيف الكاتب أن حركة المقاطعة ضد جنوب أفريقيا بدأت في وقت كانت فيه الدول الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة وبريطانيا، تقف في وجه الحركة كالسد المنيع. وأن ما بدأ كمقاطعة أكاديمية في بريطانيا وعدد من دول أفريقيا، توسع تدريجيا ليصل إلى الرياضة والترفيه، ثم تصاعد فشمل سحب استثمارات وقطع علاقات تجارية، وفي النهاية جر الدول الرافضة، بينها الولايات المتحدة وإسرائيل، إلى فرض المقاطعة الكاملة. أي أن "التيارات القليلة تحولت في لحظة معينة إلى تسونامي جارف".

كما يشير الكاتب إلى مقال كتبته البروفيسور في العلوم السياسية مارتا بينمور والبرفيسور كاثرين سيكينغ، الأمريكيتين في العام 1998، وكان عنوانه "تقاليد دولية، حراك وتغيير سياسي". وتناول المقال "دائرة الحياة" التي تتحول فيها تقاليد أخلاقية إلى قاعدة ملزمة لدول العالم. ففي المرحلة الأولى يجري الدفع بالتقاليد الأخلاقية، في بدايتها، من قبل منظمات غير حكومية، ويتم تعميمها من قبل شخصيات تحظى بشعبية واسعة. وفي المرحلة الثانية تنشأ سلسلة من المعايير والتقاليد، تتبنى فيها الدول التقاليد الجديدة بوتيرة متصاعدة لدرجة التذويت التام من قبل المجتمع الدولي.

ويضيف المقال أن الشرط الضروري للانتقال من المرحلة الأولى إلى المرحلة الثانية هو "نشوء نقطة تحول". وفي حالة جنوب أفريقيا فمن الممكن الإشارة إلى المواجهات الدموية في سويتو في العام 1976 والتي أنشأت موجة احتجاجات في الجامعات (مجزرة سويتو)، وفي الأساس نظام الطوارئ الذي اتبع في العام 1984 لقمع انتفاضة السود ضد الدستور العنصري.

ويتابع الكاتب أن "ظاهرة نقطة التحول" معروفة من مجالات كثيرة في العلوم السياسية والعلوم الطبيعية، بدءا من انتشار الأوبئة، ومرورا بانهيار البورصة، وحتى الاحتباس الحراري للكرة الأرضية". وتحول المصطلح إلى عام في أعقاب كتاب "نقطة تحول" للكاتب ملكوم غلدوول، والذي تناول التراكم الذي يحدث التحول، مثل بيع ماركات الأحذية، ووقف التدخين في وسط الشبيبة، وخفط الجريمة في نيويورك. وتبقى المشكلة الوحيدة أن أحدا لم يستطع وضع معادلة يمكنها أن تتنبأ مسبقا باقتراب نقطة التحول.

ويخلص الكاتب إلى أنه "في حالة إسرائيل، فإن العلامات التي تشير إلى اقتراب نقطة التحول، وبضمنها: الوقت الذي مضى على هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001، وعندما وقفت إسرائيل إلى جانب الغرب في "الحرب ضد الإرهاب"، واختفاء شخصيات رادعة مثل القذافي واحمدي نجاد وعرفات، والضرر المتراكم لاسم إسرائيل نتيجة البناء في الضفة الغربية، المواجهات المستمرة بين إسرائيل والإدارة الأمريكية والتي تعرض إسرائيل على أنها رافضة سلام، ووقوفها مؤخرا ضد الاتفاق مع إيران، الصورة المتدهورة لإسرائيل في أعقاب الكشف عن العنصرية في المجتمع الإسرائيلي، والنموذج اليميني المتطرف للحكومة الإسرائيلية، والمواجهات مع قطاعات مختلفة تحظى بتأييد، وبضمنهم المهاجرون الأفارقة، والمهاجرون الأثيوبييون، وعرب النقب واليهود غير الأرثوذوكسيين".

كما يضيف الكاتب أن الزعماء الأمريكيين يبدون أكثر قلقا من إسرائيل. فنائب الرئيس الأمريكي جو بايدن قال في كلمة له هذا الأسبوع أمام جمهور يهويد إن "نزع الشرعية هو الخطر الأشد على وجود وأمن إسرائيل على المدى البعيد". وفي المقابل فإن وزير الخارجية الأمريكية جون كيري يقول إن "نزع الشرعية عن إسرائيل، والتي هي عامل وأيضا نتيجة لحركة المقاطعة، تعتبر خطرا وجوديا. وليس من العبث ما قاله الصحفي جفري غولدبيرغ بأن كيري هو الصديق الأفضل لإسرائيل، فعملية السلام التي يصر كيري على الدفع بها هي التي تمنع نشوء نقطة تحول تغير مكانة إسرائيل الدولية من طرف إلى طرف".

ويكتب في نهاية المقال أن هناك بالطبع من يقول بنظرية "ليس مهما ما يقوله الأغيار، المهم ما يفعله اليهود". ويشير إلى أن أولئك الذين يعارضون المحادثات مع الفلسطينيين، هم من يميل إلى التقليل من أهميتها، وهم الذين يدفعون بالنشاط الاستيطاني، وهم من يحاول أن يقلل من دور النشاط الاستيطاني في تدهور مكانة إسرائيل الدولية. ويشيرون إلى أدلة مختلفة مثل قبول إسرائيل في منظمة "سيرن" في جنيف.

التعليقات