"الفرصة الإستراتيجية لإسرائيل مع زوال أي تهديد"..

"الجيش ليس جيش الشعب وإنما جيش الحكومة فهي تقرر والشعب المجند ينفذ.. لإقناع الشعب بصوابية قرارات الحكومة فإن الأخيرة تمتدح خبرة عناصر الجيش والتي يفترض أنها مهنية نقية وبريئة من الربط السياسي"..

كتب أمير أورن في صحيفة "هآرتس"، الخميس، أن رئيس أركان الجيش الإسرائيلي بيني غنتس يعتقد أن الوضع في الشرق الأوسط يوفر لإسرائيل "فرصة إستراتيجية". وأنه خلافا لما كان عليه الوضع قبل عشر سنوات، قبل الغزو الأمريكي للعراق وقبل الإطاحة بأنظمة عربية وقبل الأزمات العربية، فإنه لا يوجد أي دولة يمكن أن تهدد إسرائيل اليوم. فمصر ليست مستقرة، وكذلك سورية، في حين أن الأردن، التي لم تشكل تهديدا منذ البداية، تعيش صراعات. وبحسب ضابط كبير في الجيش، تحدث مؤخرا مع غنتس، فإن "الإسرائيليين أنفسهم بدأوا يفكرون في كيفية استغلال هذه الفرصة الإستراتيجية".

ويضيف الكاتب أن غنتس لم يشرك الجمهور بخواطره مباشرة، ولم يفعل ذلك الناطق بلسان الجيش، مشيرا إلى أن من فعل ذلك ضابطا كبيرا في الجيش يدعى موطي ألموز، إضافة إلى الجنرال مارتين ديمبسي، رئيس الأركان المشتركة للجيوش الأمريكية. وكتب في هذا السياق أن ديمبسي تحدث، قبل شهر، في لقاء مع رجال الأعمال في "وول ستريت جورنال" عن محادثته مع نظيره في الجيش الإسرائيلي.

وفي حين لم يشرح ديمبسي بالتفصيل عن "الفرصة الإستراتيجية"، يضيف الكاتب أن ذلك على فرض أن قيادة الجيش قد أقلعت عن "طموحات" سابقين لغنتس في المنصب، مثل موشي ديان في سنوات الخمسينيات، ورفائيل إيتان في بداية الثمانينيات، في المبادرة إلى الحرب، وأن الفرضية المطلوبة الآن هي "ترتيبات السلام والأمن".

ويتابع الكاتب أورن أن "الجيش الإسرائيلي ليس جيش الشعب، وإنما جيش الحكومة، فهي التي تقرر والشعب المجند ينفذ". ويضيف أنه من أجل إقناع "الشعب"، الذي ينتخب الكنيست، بصوابية قرارات الحكومة، فإن الأخيرة تمتدح خبرة عناصر الجيش، والتي يفترض أنها "مهنية نقية وبريئة من الربط السياسي". ويستدرك الكاتب أن ذلك "كذبا متفقا عليه، فعندما يريدون البقاء على قمة جبل محتل، يجلبون رئيس الأركان ليشرح أنه بدون محطة إنذار هناك سيتم اقتطاع كلية من الدولة. وعندما يكونون على استعداد لاستبدال مخاطر استمرار الصراع بمخاطر الانسحاب لأجل التسوية، يحضرون رئيس الاستخبارات العسكرية الذي يتعهد بإيجاد بديل تكنولوجي ملائم".

ويتابع الكاتب أنه في الحيز الكامن بين "أن نكون شعبا حرا في دولتنا" وبين "جيد أن نموت من أجل دولتنا"، يهرب المجتمع الإسرائيلي والحكومة والأذرع التنفيذية من السؤال الأساسي: "ما هي دولتنا". وعلى افتراض أن الخلاف حول المناطق المأهولة في الضفة الغربية لن يحل إلا بواسطة معادلة متفق عليها حول تبادل الأراضي، فمن هو المخول باتخاذ قرار إعطاء أراض في غرب النقب للفلسطينيين مقابل مستوطنتي "كيدوميم" و"عوفرا"، ومن هو المخول باتخاذ قرار أية أرض "إسرائيلية" مثل غرب النقب أكثر من المستوطنات التي أقيمت بعد 1967. ويضيف أنه لم يجر أي "فحص وطني مخول" يحدد أن الضفة الغربية أهم من غرب النقب.

ويتابع الكاتب أن الطموح الإسرائيلي التقليدي كان الحصول على القبول العربي لوجود إسرائيل في خطوط الهدنة مع تعديلات بسيطة. ويضيف أن إسرائيل أرادت، خارج هذه الخطوط، تثبيت حيز إنذار في سيناء وبدون قوة مصرية كبيرة نظامية وقريبة من النقب. وفي الضفة بدون مدرعات أردنية، وبدون قوات عراقية، ولذلك وافقت إسرائيل، مقابل الحصول على دبابات "باتون" الأمريكية، والتي يزود بها الجيش الأردني أيضا بشرط ألا تعبر إلى غرب النهر.

ويضيف الكاتب أن التخطيط العملاني للجيش الإسرائيلي مع اقتراب 5 حزيران من العام 1967 هو القضاء على القوة المصرية المدرعة في سيناء في الأسابيع الثلاثة التي تسبق الموعد، وتحذير الأردن من نقل مدرعات إلى الضفة الغربية.

ويشير الكاتب في هذا السياق إلى دراسة أجرتها عميرة شاحار عن مخططين لعملية خداع بهدف إبقاء المدرعات الأردنية شرقي النهر. وتقول الدراسة أن "الجيش عمل على إظهار انطباع وكأنه ينوي احتلال الأغوار شمالا، واحتلال تلال إربد، والتقدم باتجاه عزل الأردن عن سورية والعراق. وتضمنت المخططات تسريبات عن طريق عملاء وغارات مكشوفة وافتعال دوريات على معابر الأردن، وعمليات رصد لمواقع أردنية، وافتعال جولات لكبار الضباط في المنطقة لفحص محاور الحركة المحتملة، وتركيز عتاد ارتباط في منطقة بيسان، وفتح طرق حتى نهر الأردن، وإجراء تجارب لعبور مدرعات في مناطق يمكن مشاهدتها على منحدرات جبال الجلبوع الشرقية.

ويتابع الكاتب أن الهدف المخطط لم يكن احتلال الضفة الغربية، وبضمنها الأغوار، وإنما العكس، فالهدف كان تجنب التورط في جبهة أخرى، خاصة وأن الجيش منشغل بمعركة برية عنيفة مع الجيش المصري. بيد أن الكاتب يضيف أن تسلسل الأحداث غير المخطط لها أدى إلى احتلال الضفة الغربية. وبحسبه فإن وزير الأمن في حينه ديان لم يكذب عندما صرح بأنه "لا يوجد لإسرائيل هدف احتلال". وفي بيان قدم إلى لجنة الخارجية والأمن التابعة لكنيست في 7 حزيران 1967، أطلق رئيس الحكومة ليفي أشكول تلميحات لخطط سلام مع انتهاء الحرب، في حين شرح ديان، "القطب اليميني" في حزب العمل"، لماذا برأيه يجب عدم تجاوز الخط الدولي والسيطرة على هضبة الجولان، في حين كان "القطب اليساري" يعكوف حزان (من "مبام") يحثه على فعل ذلك.

ويضيف الكاتب أن 46 عاما، منذ العام 1967، لم تحدث تآكلا في المعارضة العالمية المبدئية لتغيير الخارطة لصالح إسرائيل. ولذلك ومع إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، المتوقعة، فإنه يطرح مجددا في جولات وزير الخارجية الأمريكية جون كيري، وخطة الجنرال المتقاعد جون إلن، مستقبل الحدود الشرقية حتى نهر الأردن. ويضيف أنه "بذلك نعود إلى نقطة الانطلاق، أنه من أجل حماية إسرائيل من خلال تواجد عسكري (إسرائيلي وعالمي) ونزع أسلحة القوات الفلسطينية والمعادية، يجب بداية تحديد ما هي إسرائيل التي سيدافعون عنها".

وهنا، يتابع الكاتب، يدخل إلى الصورة العنصر الداخلي، حيث أن إسرائيل "زرعت المنطقة بألغام سكانية تعارض الإخلاء". ويشير هنا إلى الادعاء القديم، وكأنما الاستيطان الدائم سيعزز الأمن إلى جانب وحدات عسكرية، نقل من الخط الأخضر إلى الشرق في الضفة والجولان، حيث أقيمت عشرات المستوطنات في الأغوار يستوطنها آلاف المستوطنين، ما يوازي عدد المستوطنات في "غوش غطيف" في قطاع غزة قبل إخلائها في صيف 2005.

ويشير الكاتب إلى أن وزير الأمن موشي يعالون، وكسياسي يسعى إلى ترؤس الليكود والحكومة ويتملق المستوطنين، قد زار الأغوار، هذا الأسبوع، وتحدث عن المخاوف من إطلاق صواريخ من الضفة الغربية باتجاه تل أبيب أو مطار اللد، أو مخاطر يجب معالجتها بوسائل سياسية وأمنية، بيد أنه أكد مسبقا على معارضته إخلاء المستوطنين من هناك في أي اتفاق سلام.

وأشار إلى تصريح يعالون بأنه "رجل استيطان"، وأنه "من يريد السلام فعلا يجب أن يتحدث عن التعايش وليس عن طرد يهود، وعن اقتلاع يهود مثلما حصل في قطاع غزة، وعن دمار يؤدي إلى وضع تطلق فيه في النهاية الصواريخ من قطاع غزة". على حد تعبيره.

ويلخص الكاتب تصريح يعالون بأنه "تصريح سياسي" وليس "تصريحا أمنيا". ويشير في هذا السياق إلى أن العمل المهني يفترض أن يجري في "الهيئة للأمن القومي"، ولكن مناقشة البديل الذي يشمل إخلاء مستوطنين هو مادة متفجرة يحسن مساعدو رئيس الحكومة الهروب منها. وبالنتيجة يتبقى رئيس الأركان غنتس، ونائبه غادي آيزنكوط، ورئيس شعبة التخطيط الجنرال نمرود شيفر، ورئيس الشعبة للتخطيط الإستراتيجي الجنرال آساف أوريون، وهم يلتزمون الصمت حتى يتجنبوا الصدام مع المسؤولين عنهم. ويخلص إلى القول إن المساعدة الأمريكية ضرورية كالعادة، مشيرا إلى ديمبسي في وظيفة "الناطق بلسان غنتس"، والذي طلب منه هذا الأسبوع توضيح "الفرصة الإستراتيجية"، ولكنه فضل إبقاء الأمور مفتوحة على مختلف التحليلات. 
 

التعليقات