"الحملة العسكرية على الضفة الغربية: حملة واحدة وأهداف متناقضة"

أحد رؤساء ما يسمى "الإدارة المدنية" لكبار الضباط في سنوات الثمانينيات: "لقد أدركت ما نفعله هنا: نحن نغلق مكاتب لكي يكون لدينا ما نفتحه مستقبلا، ونفتح مكاتب ليكون لدينا ما نغلقه"..

تحت عنوان "حملة واحدة وأهداف متناقضة" تناول الكاتب عاموس هرئيل في صحيفة "هآرتس" الصادرة صباح اليوم، الجمعة، حملة الاحتلال العسكرية في الضفة الغربية الموجهة أساسا ضد حركة حماس، الأمر الذي قد يمس بالهدف الثاني المعلن وهو البحث عن المستوطنين الثلاثة المختطفين.

وأشار الكاتب بداية إلى أقوال أحد رؤساء ما يسمى "الإدارة المدنية" في سنوات الثمانينيات، وبعد عام من تسلمه للمنصب، لكبار الضباط، والتي جاء فيها: "لقد أدركت ما نفعله هنا: نحن نغلق مكاتب لكي يكون لدينا ما نفتحه مستقبلا، ونفتح مكاتب ليكون لدينا ما نغلقه".

واعتبر الكاتب أن هذه الأقوال تلخص ما يقوم به جيش الاحتلال في الأسبوع الثاني من الحملة العسكرية في الضفة الغربية، مشيرا إلى أنه لم يتم بعد تحقيق الهدف الرئيسي للعملية، وهو العثور على المستوطنين الثلاثة واستهداف الخاطفين.

كما يشير إلى أن جيش الاحتلال والشاباك لا يزالان يبحثان عن طرف خيط أو "كسرة" معلومات ذات صلة، أو احتجاز صدفي لعابر سبيل على حاجز، بما يقود إلى العثور على المستوطنين. ويلفت إلى أنه مرت لحظات كان يعتقد فيها أن الهدف بات قريبا، ولكن سرعان ما تبددت هذه الأوهام. كما يلفت إلى أنه في حال لم يكن المستوطنون على قيد الحياة، مثلما يحصل في غالبية عمليات الاختطاف في الضفة الغربية، فإن استكمال "اللغز الاستخباري" سيكون أصعب بكثير.

وبحسب الكاتب فإن تأخر إنجاز الهدف الأساسي يزيد من حاجة المستوى السياسي، وإلى حد ما العسكري، إلى تحقيق إنجاز بديل، ومن هنا تولدت المعركة ضد حركة حماس، وبضمن ذلك اقتحام مكاتب جمعيات الزكاة ونقابات الطلاب ومحطات الإذاعة.

ويشير إلى ما أسماه "إغراق" الضفة الغربية بقوات الاحتلال، حيث انضم الأربعاء الماضي كتائب مشاة من لواء "غفعاتي"، وذلك بهدف تعزيز ثقة المستوطنين بالأمن، وإعطاء صورة "فعل عملاني" رغم أن ضآلة علاقة ذلك بالعثور على المستوطنين الثلاثة. كما يشير إلى أن جهود العثور على المستوطنين تتركز بيد الشاباك والاستخبارات العسكرية والوحدات الخاصة، وفي منطقة الخليل.

ويتابع الكاتب أنه في ظل عدم تحقيق أي إنجاز، فإن الجميع ينشغلون بالإحصائيات المتعلقة بعدد المعتقلين وعدد المكاتب التي أغلقت، وعدد الحواسيب التي صودرت.

ويضيف أن الادعاء بأن الحملة ستضعف حركة حماس غير مقنع، فالمصلحة الواضحة في محاربة النشاط المدني – السياسي لحماس هو للسلطة الفلسطينية، وقد فعلت ذلك بشكل جيد في السنوات 2008 وحتى 2013، ولم تتدخل إسرائيل تقريبا، بل اكتفت باعتقال عناصر الذراع العسكري لحماس. وأبطأت السلطة الفلسطينية الوتيرة في الشهور الأخيرة على خلفية المصالحة، ومن الممكن أن تجدد ذلك بذريعة أن حماس ورطت السلطة الفلسطينية في عملية الاختطاف.

ويقول هرئيل إن إعلان الحرب على حماس يجب أن يكون مدعوما بتخطيط بعيد المدى وبتمهل، وهو ما لا يظهر في ما تقوم به إسرائيل عامة. ويضيف أن "الظروف تتغير، والتورط غير المتوقع مسبقا قد يؤثر إلى الاستمرار في الحملة"، منوها إلى أن قطاع غزة لا يزال هادئا نسبيا، ولكن نشر "القبة الحديدية" يشير إلى أن الجيش الإسرائيلي لا يتوقع استمرار الهدوء، كما أن "الإحباط" نتيجة عدم تحقيق نجاح في الضفة قد يدفع إسرائيل إلى تشديد قبضتها على حركة حماس في قطاع غزة.

كما يقول الكاتب إنه إلى جانب محاولة العثور على المستوطنين الثلاثة، فإن الحملة تتحرك أيضا بدوافع الانتقام "لجريمة طالبت شبانا صغارا، ولكن لا يوجد أهداف لإسرائيل، حيث لم يتبق الكثير من عناصر القسام المطلوبين للأمن الإسرائيلي في الضفة الغربية، وإلا لكانوا قد اعتقلوا من قبل سواء من قبل الاحتلال أو من قبل أجهزة الأمن الفلسطينية، ولذلك فإن المستوى السياسي يضغط على الأجهزة الأمنية لإعداد قائمة بأهداف جديدة، وتقوم الأخيرة بالبحث عن مكاتب مدنية أخرى من جهاز الدعوة والزكاة التابعة لحماس.

ويشير هرئيل في هذا السياق إلى أن ذاكرة الجمهور الإسرائيلي قصيرة، حيث أن إسرائيل بادرت إلى حملات واسعة النطاق ضد مؤسسات "الدعوة" في الضفةـ بما فيها تلك الحملات التي نفذت بعد أسر الجندي غلعاد شاليط في العام 2006، ولكن صناديق الوثائق التي صودرت في حينه لم تفتح بعد، حيث أنه من الصعوبة بمكان ترجمة المعلومات التي يتم جمعها في هذا المجال إلى أدلة قضائية أو إلى مكسب إعلامي.

كما يشير في هذا السياق إلى تصريحات ضابط إسرائيلي مطلع، والتي جاء فيها "المس على نطاق واسع بأهداف مدنية لن يقابل بالصمت من قبل الجمهور الفلسطيني لفترة طويلة، كما أن وصمة التعاون مع الاحتلال التي تلصقها حماس بالسلطة الفلسطينية ستصبح دامغة".

وتقول مصادر أمنية إسرائيلية لصحيفة "هآرتس" إن تقديرات الأجهزة الاستخبارية تشير إلى أن عملية الاختطاف أحدثت شرخا بين السلطة الفلسطينية وحركة حماس وقد يؤدي إلى وقف عملية المصالحة الفلسطينية.

وعلى صلة، قال مصدر، وصف بأنه عمل في مناصب رفيعة في الأجهزة الاستخبارية، أن توسيع العمل الاستخباري إلى معركة مدنية ضد حركة حماس يمس بجهود البحث عن المستوطنين الثلاثة، والتي يفترض أنها الهدف الأول. ويعزز هذا الموقف تقديرات ضباط في الجيش تشير إلى أن الهدفين يناقض أحدهما الآخر.

ويعقب هرئيل على ذلك بالقول إن توسيع الحملة لا يواجه برقابة شعبية، وبعد أسبوع من الحملة لم يبادر نتانياهو إلى عقد جلسة للجنة الخارجية والأمن التابعة اللكنيست، وهو ما يذكر بالرقابة البرلمانية التي تكاد تقترب من الصفر في الحرب العدوانية الثانية على لبنان.

كما يقول هرئيل إن الجيل الجديد في الخليل، أي بعد 10 سنوات من عماد قواسمة، الذي ينسب له التخطيط لعمليات قتل فيها العديد من الإسرائيليين، يبدون أنه أكثر عنادا وذكاء. ويضيف أنه لا شك أن مخططي عملية الاختطاف استخلصوا العبر من الإخفاقات في عمليات سابقة، ومن الطرق التي تمكن الشاباك من خلال الوصول إلى المنفذين.
 

التعليقات