"دولة ممزقة ومشحونة وخائفة ذات هوية مشكوك بها"

عقدة الهوية ترافق الدولة منذ إقامتها، وهي التي تغذي المطاردة التي لا تنتهي خلف الاعتراف بمبرر وجوده

"دولة حانقة وغاضبة وخائفة وممزقة ومشحونة بالكراهية تحتفل اليوم باستقلالها. دولة بدون حدود، عالقة باحتلال شعب آخر، تحتفل بنجاحها في وصولها إلى عامها الـ67".

بهذه الكلمات افتتح تسفي برئيل مقالته في صحيفة "هآرتس"، اليوم الأربعاء، بعنوان "دولة مستقلة بهوية مشكوك بها". واعتبر الكاتب أن إسرائيل ليست مستقلة، لأنها لا تزال تعاني من عقدة الهوية التي ترافقها منذ إقامتها، ولا تزال تلهث خلف الاعتراف بمبرر وجودها، ولا تكتفي بكونها دولة الإسرائيليين الذين يعيشون فيها، باعتبار أنها تدعي أنها دولة اليهود في حين أنها غير قادرة على إقناع غالبية اليهود بالسكن فيها.

كما يؤكد الكاتب على أن الدول المستقلة هي دول جميع مواطنيها، ولا تخوض صراع بقاء مع 20% من مواطنيها.

وكتب أن "يوم الاستقلال هو عيد إسرائيلي، أي عيد كل يهود إسرائيل، كأنه عيد ديني، لأن الدولة المستقلة لا تزال تخوض صراع بقاء ضد 20% من سكانها. ورغم أنها حظيت باعتراف دولي، فهي تتصرف كأنما لا تزال مرشحة لمثل هذا الاعتراف، وكأنما المجتمع الدولي الذي صادق على استقلالها قد يلغي اعترافه بها أو يمس بسيادتها".

ويضيف أن إسرائيل تبتكر في كل مرة اختبارا جديدا للمجتمع الدولي لفحص مدى التزامه بقراره. وعلى سبيل المثال فإن رفض الاعتراف بالدولة الفلسطينية هو اختبار عالمي لفحص حق إسرائيل في الوجود، أي أن من يدعم إقامة الدولة الفلسطينية فهو ينفي حق إسرائيل في الوجود.

ويتابع أنه بالنتيجة فإن شعوب العالم مشتبهون بكراهية إسرائيل، ولكن ذلك نفسه بمثابة اختبار لليهود في البلاد وفي العالم، حيث أن دعم الاستقلال الفلسطيني ينفي لقب الصهيونية عن اليهود الإسرائيليين وغير الإسرائيليين، فالدولة تحدد أن من ليس صهيونيا فإن يهوديته مشكوك بها، فالصهيونية هي بنية اليهودية السياسية والبوليتية، وبدونها لا مبرر لقيام الدولة اليهودية ككيان وطني وليس دينيا فقط.

ويتابع الكاتب أن إسرائيل لا تكتفي بتحقيق الحلم الصهيوني، فهي تسعى لتكون الدولة الملجأ لكل يهود العالم، ولكن المشكلة تكمن في تعريفها كدولة صهيونية، ما يعني أن اليهود الصهاينة فقط يرون في إسرائيل الدولة الملجأ. وبحسبه فيهود فرنسا والولايات المتحدة وبريطانيا الذين يعتبرون مواطنتهم في هذه الدول هويتهم الأولى، وأحيانا الوحيدة، يعتبرون غير صهاينة، وبالتالي معادين لإسرائيل، كمن يشكك بذرائع إقامة إسرائيل كدولة للشعب اليهودي.

ويضيف أن التناقض في هذه المعادلة هو لكون إسرائيل الدولة الوحيدة في العالم التي تحتاج إلى اعتراف مضاعف: اعتراف دولي بات بحوزتها، واعتراف الشعب اليهودي والإشارة إلى الجزء الذي "لم يكتشف بعد الضوء الصهيوني"، في إشارة إلى اليهود الذين يعيشون خارج البلاد.

وبحسبه فإن هذا التناقض كحجر الرحى على عنق كل يهودي يعيش خارج إسرائيل، سواء إذا كان ممن غادروا البلاد أم لا ينوي الهجرة إليها، فكل واحد منهم هو "خائن لفكرة الدولة اليهودية"، فهو لا يحدث تآكلا في الأساس الديمغرافي المطلوب للحفاظ على غالبية صهيونية في إسرائيل فحسب، وإنما يزعزع مبدأ "الدولة الملجأ"، كما يزعزع الادعاء بأن إسرائيل هي الدولة الوحيدة في العالم التي يستطيع فيها اليهود تحقيق يهوديتهم.

وكتب أيضا أن "عقدة الهوية ترافق الدولة منذ إقامتها، وهي التي تغذي المطاردة التي لا تنتهي خلف الاعتراف بمبرر وجودها". ويستدرك الكاتب بأن هذه المطاردة هي التي تغذي الشكوك. ويتساءل "هل يمكن لدولة ليست واثقة من هويتها أن تعتبر مستقلة؟ وهل يمكن لدولة الشعب التي لا تستطيع إقناع غالبية الشعب بالسكن فيها أن تعتبر نفسها الدولة الملجا وأن تبني على ذلك مبررات وجودها؟".

ويختم الكاتب مقالته بالقول إن هذه الأسئلة لا تطرح في أي دولة في العالم، لأن الدول المستقلة هي "دول جميع مواطنيها، وبضمنهم أولئك الذين تعود أصولهم العرقية أو الدينية إلى أماكن أخرى. وفي المقابل فإن الدولة التي تشترط حقها بالوجود بمدى إخلاص يهود دول أخرى ستجد صعوبة في إقناع نفسها باستقلالها، وستظل تشكك بقدرتها على تحقيق رؤيتها.

وبحسب برئيل فإن "استقلال إسرائيل سوف يستكمل في اللحظة التي توافق فيها على الاعتراف باستقلال يهود المهجر، وبحقهم في اختيار مكان عيشهم، والاكتفاء بكونها دولة الإسرائيليين الذين يعيشون داخل حدودها السيادية التي يعترف بها المجتمع الدولي".

 

التعليقات