داغان: "ملتهم العرب" الذي أدرك حدود القوة

رئيس الموساد الأسبق، مئير داغان، الذي توفي أمس، عُرف بأوصاف مرادفة لكلمة سفاح، خلال قيادته عمليات ضد الفدائيين الفلسطينيين، لكن في السنوات الأخيرة لولايته بات يعرف حدود القوة العسكرية، من دون التخلي عن العمليات السرية والاغتيالات

داغان:

صدرت الصحف الإسرائيلية، اليوم الجمعة، بعنوان رئيسي موحد وهو وفاة رئيس الموساد الأسبق، مئير داغان. وخصصت الصحف صفحات عديدة لمقالات عن داغان وإرثه الأمني والسياسي.

وكان داغان، الذي أمضى معظم حياته كعسكري في الجيش الإسرائيلي، وتسرح منه برتبة لواء، يتمتع بسمعة وألقاب مرادفة لكلمة سفاح. فقد لُقب بـ"ملتهم العرب"، بسبب دوره في العمليات التي نفذتها وحدة عسكرية تحت قيادته ضد الفلسطينيين، وخاصة في فترة "العمليات الانتقامية"، بحسب التعبير الإسرائيلي، ضد الفدائيين، والتي بادر إليها وأشرف عليها أريئيل شارون. وكان داغان يقود حينذاك وحدة "مستعربين" باسم "سرية رامون"، التي تم وصفها ب"القتلة".

وفي أعقاب هذه المهمات، أصبح داغان صديقا مقربا من شارون، واضطلع بدور كبير في العمليات ضد الفلسطينيين خصوصا في لبنان بعد اجتياح العام 1982 الذي بادر إليه شارون.

وكان شارون قد وصف داغان بأنه "خبير في فصل الرأس عن جسد العربي". وكتب محلل الشؤون الاستخبارية في صحيفة "معاريف"، يوسي ميلمان، اليوم، إنه بفضل صورة داغان هذه، عينه شارون رئيسا للموساد، في العام 2002 واستمر في هذا المنصب خلال ولاية ايهود أولمرت وبنيامين نتنياهو في رئاسة الحكومة، وانتهت ولايته في العام 2011.

داغان (في الوسط) في لبنان

وتحت رئاسة داغان، نفذ الموساد العديد من عمليات الاغتيال، أبرزها اغتيال القائد العسكري في حزب الله، عماد مغنية، في دمشق، والقيادي في حماس، محمود المبحوح، في دبي، وعلماء في المشروع النووي الإيراني. وفي هذه الفترة شارك الموساد في محاولات تخريب البرنامج النووي من خلال زرع فيروسات الكترونية.

وخلال ولاية داغان، اكتشف الموساد، بعدما سرق عملاء هذا الجهاز وثائق من مسؤولين سوريين كانوا يقيمون في فندق في موسكو، أن سورية تبني مفاعلا نوويا، وقاد هذا الاكتشاف إلى الغارة الإسرائيلية على منطقة دير الزور حيث تتواجد المنشأة النووية بحسب الادعاءات الإسرائيلية.   

وعين شارون داغان، كرئيس للموساد، مسؤولا عن مواجهة البرنامج النووي، وبذلك خضعت لداغان قدرات استخبارية هائلة في شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية، وخاصة وحدة التصنت "الوحدة 8200". كذلك سيطر داغان في هذا السياق على جانب من وزارة الخارجية الإسرائيلية، وحصل على ميزانيات هائلة.

وأشار محللون إسرائيليون إلى أنه عندما تولى داغان رئاسة الموساد علّق في غرفة مكتبه صورة لجده راكعا أمام جنود ألمان نازيين قبيل إعدامه. وكتب المحللون أن "المحرقة كانت بوصلته وجهاز الملاحة (GPS) الذي وجهه طوال فترة خدمته من أجل أمن إسرائيل". وعبر ذلك عن مفهومه بأن على إسرائيل أن تكون قوية من أجل أن تحافظ على أمنها.

وكانت علاقات داغان مع مرؤوسيه في الموساد مشحونة بالتوتر في بداية ولايته، واختلف مع ثلاثة من نوابه، حغاي هداس ونفتالي غرانوت وتمير باردو، الذي خلفه في المنصب. وكان المسؤولون في الموساد قد اعترضوا على تعيينه رئيسا لهذا الجهاز، واعتبروا أنه "أنزل عليهم" من خارجه. لكن داغان عاد وأصلح علاقاته مع قسم كبير منهم، بعد أن قرر احتواءهم وليس الدخول في صدام معهم.

لكن الأمر الذي أجمع عليه كافة المحللين كانت فكرته القائلة إن إسرائيل لن تتمكن من الاستمرار في الاعتماد على القوة العسكرية فقط. وأشاروا في هذا السياق إلى لقاءاته مع عدد من قادة أجهزة الاستخبارات العربية، وخاصة السعودية، وذلك على خلفية العداء المشترك لإيران.

من الجهة الأخرى، فإنه بالإمكان القول إن داغان، سوية مع رئيس أركان الجيش الإسرائيلي الأسبق، غابي أشكناي، ورئيس الشاباك السابق، يوفال ديسكين، منعوا نتنياهو ووزير الأمن السابق، ايهود باراك، شن عملية عسكرية ضد المنشآت النووية في إيران، والتي كان يمكن أن تؤدي إلى حرب. فقد كان داغان يؤيد العمليات السرية ضد إيران، وليس حربا معها. وبعد انتهاء ولايته عبر داغان عن معارضته للمبادرة إلى حرب مع إيران من خلال مقابلات في وسائل إعلام محلية وأجنبية.

نتنياهو وداغان

كذلك رأى داغان، انطلاقا من رؤيته لمصلحة إسرائيل والحفاظ على أمنها، أنه بواسطة تسوية سلمية مع الفلسطينيين سيكون بإمكان إسرائيل أن تعيش بشكل آمن ويكون مجتمعها أفضل.

وقال في آخر خطاب له، عشية الانتخابات العامة الأخيرة، إن "لدي حلم بأن أترك لأولادي الثلاثة وأحفادي السبعة مجتمعا أفضل. وأحلم أن يتمكنوا من تخصيص حياتهم للنمو والتطور وتحقيق الأحلام وليس للحرب من أجل الوطن. أردت أن أضمن لهم حياة أفضل من الحياة التي عشتها. أردت أن أضمن لهم مجتمعا ينتزع من داخله التمييز والعنف، وأن يعود إلى الجذور ويتحمل مسؤولية مصيره. مجتمع يضمن فرصا حقيقية لكافة المواطنين ويسعى إلى المساواة الحقيقية".

ويشار إلى أن داغان ألقى هذا الخطاب في مهرجان انتخابي لأحزاب الوسط يسار المعارضة، وسعى داغان من خلاله إلى مناكفة نتنياهو وسياسته اليمينية المتطرفة.     

التعليقات