"ذي جارديان": مصير العراق هو القاسم المشترك الوحيد بين بوش وبلير

إنّ مشهد توني بلير وجورج بوش يتصافحان ويربتان الواحد على ظهر الآخر في الأيام القريبة المقبلة يبقى من أغرب الأمور وأكثرها حيرة. هل ستكون هذه المقابلات مقابلات عادية وكأن كل شيء على ما يرام "Business as usual"، تزيّن بالمزيد من الأعلام في المجمعات التجارية لقائد أجنبي آخر ودنيء؟ إذا كان الأمر كذلك، فإنّ بلير يتّقن دوره على أتم وجه، دون أن ينسى الحفاظ على ابتسامته الوفية والمليئة بالنشاط على وجهه.

حتّى على المستوى الشخصي فإن بلير يصر بشدة أن بوش الذي يعرفه لا يشبه بتاتًا تلك الشخصية التي تظهر في رسوم الكاريكاتور. لا ثم لا، فإن الرئيس حذق، ومراع لشعور الآخرين، وملم بالأمور السياسية، ومستمع جيّد ويتمتع بصفات مذهلة أخرى. وإذا نظرت إلى وجه بلير فلن تلاحظ ولا حتى ومضة عين واحدة؛ إنّه مخادع و جيد في هذا. إنّه يعرف أنّ لا أحد يصدّق أي كلمة مما يقوله، لكنه يستمر في التظاهر بأن الأمر هو على هذا النحو حتى النهاية. فقد صنع بيديه سرير المسامير المصيري وعليه الآن أن يستلقي عليه – وأن يستمر بالكذب حتى ولو من خلال عض أسنانه أيضًا. فإذا كان يساوره الشعور بالندم على أي خطوة اتخذها، حتى ولو أنّه يشك بأنّه اتخذ الطريق الصحيح، لن يظهر هو ذلك أبدًا. تستطيعوا المراهنة على أنّه لن يكتب أي شيء يوحي بشكه إزاء أخطائه المأساوية في كتاب سيرته الذاتية. لم نر بعد ما إذا كان قد تحطّم جراء أخطائه، كما حدث مع ليندن جونسون بعد حرب الفييتنام: إنّ الأمر ليس بمستحيل.

ولكن من الصعب جدًا أن نصدّق فكريًا بأن لبوش وبلير أمور مشتركة غير ماركة معجون الأسنان الذي يستعملونه – وفق ما مزح به بوش مرة. فالأمر الوحيد الذي يفسّر الابتسامة المصطنعة بين هذا الرئيس اليميني المتطرف ورئيس وزراء بريطانيا من حزب الديمقراطيين الإجتماعيين هو "كولجيت" (شركة معجون أسنان – س.م.).

هذه الحقبة من السياسة البريطانية لا تختلف كثيرًا عن بناء جونسون "للمجتمع العظيم"، بوجود خطط إجتماعية جديدة يتم نشرها في إطار أكثر مشروع حكومي كان قد صرف أموالاً على الجمهور خلال حياتنا السياسية. فمع التفائل ذاته والمحاولات التي جرت في الولايات المتحدة في الستينات من القرن الجاري، وصل حزب العمال إلى السلطة مصممًا على أن يحارب مظاهر الفقر، والانعزال الاجتماعي والبطالة. ولأول مرة فإن النفقات في مجالي الصحة والتعليم تتصاعد لتلائم المعايير المعدلة في الإتحاد الأوروبي. من المتوقع أن يصل إلغاء الفقر إلى ربع الطريق في عام 2005 – هنالك 1.1 مليون طفل أقل فقرًا. فغالبيّة آراء، وطاقات وميزانيات حزب العمل ذهبت في سبيل خطط وإصلاحات تتعلق بالعدالة الإجتماعيّة. نستطيع أن نحتج على أن الاختيارات تسير في الطريق الخاطئة، ومن الممكن زيادة الضرائب أو أنّه بإمكان الحكومة إجراء الكثير من الأمور بشكل أسرع، ولكن حقائق النفقات تثبت الأمر الآتي: هذه الديمقراطية هي ديمقراطية اجتماعية ناجحة.

والآن حاولوا مقارنة هذه الإصلاحات بالدمار الذي يجلبه جورج بوش وأيديولوجياته المتحفظة على أمريكا. فآخر بقايا خطة "المجتمع العظيم" هي في صدد التفكك، إذا ما حدثت الأمور مثلما يرغب البيت الأبيض حدوثها. هذه الاصلاحات التي صمدت محاولات ريتشارد نيكسون، رونالد ريغين وجورج بوش الأب باتلافها على وشك الانهيار تحت وطأة بلطة جورج بوش الإبن. هذه البلطة هي النتيجة الطبيعيّة للتقليصات الشاهقة في الضرائب خلال السنوات الثلاث الأخيرة – 1.3 ترليون دولار عام 2001، 96 بليون دولار عام 2002، و330 بليون دولار هذه السنة.

حوالي نصف التقليصات بالضرائب وصلت إلى جيوب أغنى 1% من الأمريكان. حكومة الأثرياء بقيادة بوش يقودها أيضًا مجلس وزراء ذو ثروة تفوق ثروة مجلس وزراء بيل كلينتون بعشرة أضعاف. وخطّتهم الآن هي التخلص من ضريبة الإرث – التي يدفعها فقط أغنى 2% - والضرائب المفروضة على رؤوس الأموال. والتقليصات في المناهج الفدراليّة – الإجتماعيّة هي توأم إيديولوجي وكذلك إقتصادي للتقليصات في الضرائب..

لقد كمن النجاح الأكبر لجونسون في خطّته المسمّاة "بداية مبكرة" للأطفال تحت جيل الخمس سنوات التي أسّست قبل 38 سنة. كل البحوثات تشير إلى أنّ الدعم الكثيف للأطفال الفقراء من خلال التربية والتعليم والصحة والتغذية طورت لدى الأطفال استعدادًا للتعلم حين يدخلون المدارس الابتدائيّة. وقد تابع أحد هذه البحوثات المشهورة لمدة 30 سنة مصير مجموعة من الأولاد التي كانت في إطار هذه الخطة وقارن النتائج مع مجموعة أخرى من الأطفال الفقراء الذين كانوا من ضمن الكثيرين الذين لم يكونوا ضمن مشروع "بداية مبكرة". وجد البحث بأنّ كل دولارًا صُرف في مشروع "بداية مبكّرة"، وفّر 7 دولارات لاحقًا في مجال الأمن الاجتماعي، والصحة العقلية والجرائم. وكان الكثير من الأطفال الذين اشتركوا في المشروع التحقوا بالجامعات، امتلكوا بيوتًا لهم ولم يعتاشوا على الصدقة إطلاقًا. بحث آخر كان قد نشر مؤخرًا يصحّح مجموع التوفير بتوفير 8.47 دولارات مقابل كل دولار تم صرفه. وكانت نتائج مشروع "بداية مبكرة" المراقبة بانتباه هي التي أوحت لبريطانيا بأن تقوم بمشروع "بداية أكيدة" المشابه. إنّ ثلث العاملين في إطار مشروع "بداية مبكرة" هم أمّهات مرّوا بالمشروع وقد ساعدهم في حياتهم.

لقد انقذت قوة تلك الإثباتات هذا المشروع من الرؤساء الأمريكان الجمهوريين السابقين: فنيكسون مثلاً زاد من التمويل لهذا المشروع. ولكن جورج بوش يخطط الآن، لتفكيك هذا المشروع. مجلس النواب حقّق رغبته بنقل التمويل والسيطرة من المستوى الفيديرالي إلى الولايات الفردية نفسها. ولكن كون الولايات ترسخ تحت ديون طائلة ومجبرة على تقليص مشاريعها الاجتماعية الوجودية، ستستعمل على الأرجح هذه الأموال التي ستقع تحت سيطرتها لأغراض أخرى.

إنّ تفكيك هذا المشروع مع وعد ماكر بتحسينه من خلال المطالبة بتوظيف المزيد من المعلمين الخريجين فيه يظهر عليه ختم واضح لبوش نفسه. فهذا يضاعف من تكاليف المشروع، ولكن بسبب التقليصات وعدم توفر المزيد من المال للمعلمين، سينكمش المشروع بصورة حادّة. وقد حدثت هناك موجة عارمة من الاعتراضات على هذه الخطوة، بما يشمل دعاية على صفحة كاملة في جريدة "النيو يورك تايمز" التي قد نشرها رؤساء أصحاب الأعمال، كمدير شركة "هاسبرو" للألعاب، منتجة لعبة الأطفال "أكشن مان".

إذن، ما الذي قد يتحدث بوش وبلير عنه حول زجاجة من المياه المعدنيّة قرب الموقد؟ أين لقاء الأدمغة الأسطوري هذا؟ بعدما يفعل الإثنان ما عليهم فعله – أو عدم فعله – في العراق، وجوانتانامو وتعريفة المقايضات ? هذا هو القائد ذو الثروة والقوة الأكبر والأعظم في العالم تحت سلطته، وهو يقوم باستغلالها وتبذيرها وإساءة استعمالها في كل خطوة يتّخذها. لا يستطيع الاثنان المقارنة بين ملاحظاتهما المتعلقة بمشاريع وسياسات. فصعوبة التحدث مع شخص ذو سياسة دنيئة لفترة طويلة مثير للدهشة.

وفي الحقيقة، وبغض النظر عمّا ستوحي به المظاهر خلال اليومين القادمين، يوجد فقط القليل المشترك بين الإثنين، فعدا مصائرهم السياسية المرتبطة بالعراق، يكاد لا يوجد إلا ما ندر من المشترك بين الإثنين.

التعليقات