الغارديان: اطاحة مرسي تخلق حالةً من عدم اليقين للاسلاميين في كل مكان

وتقول المؤرخة السعودية الدكتورة مضاوي الرشيد: "انها مثل 11 سبتمبر في حجمها. استطاع الاخوان المسلمون اعادة تغليف انفسهم كاسلاميين معتدلين. ارتفعت الآمال بعد ثورات 2011، والآن عادوا الى المربع الاول".

الغارديان: اطاحة مرسي تخلق حالةً من عدم اليقين للاسلاميين في كل مكان

 


نشرت صحيفة "ذي غارديان" البريطانية، اليوم السبت، تحليلا كتبه كبير مراسليها لشؤون الشرق الاوسط ايان بلاك يقول فيه ان خبراء يحذرون بان الانقلاب ضد الرئيس المصري الاسلامي محمد مرسي يمكن ان يقوي شوكة الراديكاليين، بينما يقول بعضهم ان سقوط الاخوان المسلمين يمثل انحداراً اعم للاسلام السياسي.


"كانت هدية رمضانية من نوع مختلف: المملكة العربية السعودية، والكويت والامارات العربية المتحدة غرفت من عائداتها النفطية هذا الاسبوع ما مجموعه 12 مليار دولار (8 مليارات جنيه الاسترليني) لمساعدة مصر المفتقرة الى السيولة النقدية – جاء ذلك كمكافأة سريعة على قيام الجيش بازاحة الرئيس محمد مرسي وعلى توجيه الضربة المذهلة لجماعة الاخوان المسلمين التي ينتمي اليها.


كانت ازاحة مرسي لحظة كبيرة في قصة الثورة المصرية غير المكتملة. ولكنها تضع ايضاً اسئلة مقلقة امام الاسلاميين في اماكن اخرى. هل يستطيعون الاحتفاظ بالسلطة حيث يملكونها، او يفوزون بها حيث لا يملكونها؟ وهل الانقلاب ضد الرئيس المنتخب ديموقراطياً لاكبر بلد عربي – وإن كان غير شعبي وغير كفؤ – يعني ان الآخرين سيديرون ظهورهم لصندوق الاقتراع وسيتجهون نحوالعنف؟


يصف الاخوان المسلمون في مصر ما حدث بانه "نكسة". وتقول المؤرخة السعودية الدكتورة مضاوي الرشيد: "انها مثل 11 سبتمبر في حجمها. استطاع الاخوان المسلمون اعادة تغليف انفسهم كاسلاميين معتدلين. ارتفعت الآمال بعد ثورات 2011، والآن عادوا الى المربع الاول".
وقد ذهب الرئيس السوري بشار الاسد، الراغب في تصوير اعدائه كمتعصبين جهاديين، الى حد الترحيب بـ"سقوط الاسلام السياسي" عندما اطيح بمرسي. ووضع هذا الاسد في موضع اتفاق نادر مع المملكة العربية السعودية التي تدعم الثوار الذين يقاتلون من اجل الاطاحة به. وقد نددت تركيا وتونس، حيث يتولى الاسلاميون الحكم، كلتاهما بانقلاب القاهرة. وكذلك فعلت ايران.


يتصل الكرم المالي من الخليج بكل من الاستراتيجية والامور السياسية: السعوديون يريدون من مصر ان تتصدى لايران وتبقى قريبة من الولايات المتحدة. ولكن هذا يعكس ايضاً القلق الداخلي من نوع الاسلام السياسي "الاخواني" المنافس. وثمة عامل آخر هو كراهيتهم لجارتهم المستقلة المسلك قطر التي مولت مصر خلال سنة مرسي في السلطة وناصرته عبر قناة "الجزيرة" التلفزيونية التي يوجد مقرها في الدوحة.


قال اميل هوكاييم من المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية: "دول الخليج تستطيع ان تعيش مع مصر ضعيفة ولكن مطيعة ولكن ليس مع مصر مضطربة ذات سياسة خارجية متقلبة. انهم (الخليجيين) يحتاجون لمعرفة ان جناحهم الغربي آمن بينما بلاد الشام مضطربة وبينما العراق وايران على طرف النقيض بالنسبة الى كل قضية استراتيجية".


يذكِر هذا كله بالحرب الاقليمية الباردة في ستينات القرن الماضي عندما قاد الزعيم المصري جمال عبد الناصر الكفاح القومي العربي ضد الانظمة الملكية الرجعية. ففي ذلك الحين، كما الآن، كان الملوك، والشيوخ والامراء تحت قيادة السعوديين الذين هم ليسوا اسعد من الاسد بما تحقق في الربيع العربي من تقدم للديموقراطية او الاسلاميين.


يحذر خبراء من ان هزيمة الاخوان المسلمين يمكن ان تقوي مكانة الاسلاميين الراديكاليين الذين لم يؤمنوا قط بالديموقراطية او الانتخابات على اي حال، ويستشهدون بمثال الجزائر في 1991 ومثال "حماس" في فلسطين في 2006 لاثبات انه لن يسمح لهم بتولي السلطة. وتوزع تسجيلات فيديو قديمة لزعيم "القاعدة" ايمن الظواهري يعبر فيها عن نفس هذه النقطة. ويقول نديم شحادة من تشاتام هاوس: مرسي والاخوان كانوا في موقع تحملوا فيه مسؤولية. الآن يدعون انهم كانوا ضحايا، والمتطرفون سيكتسبون مصداقية".


جماعة الاخوان المسلمين، التي ولدت في مصر، هي الحركة الاسلامية الاقدم في العالم. وقد امضت عقوداً في نشاط سياسي علني، وطورت منهجها المركب ولطفته، مع انها لم تحسم قط التوترات ما بين الديموقراطية والدين. ولكنها ليست وحدها.


ابلى السلفيون المحافظون جداً، بدعم من السعودية في كثير من الاحيان، بلاءً حسناً في الانتخابات البرلمانية المصرية السنة الماضية. وتخلت جماعات اخرى، يقود احداها شقيق الظواهري – عن الارهاب ولكن من الممكن ان تعود الى الجهاد. وفي مصر فرع خاص بها من انصار الشريعة، التي ظهرت في ليبيا كجزء من شبكة اقليمية متنامية. وقد جندت "القاعدة" شباناً اسلاميين محبطين شنوا هجمات في سيناء، اشتدت في الآونة الاخيرة.


يعتقد المصريون الذين رحبوا بخطوة الجيش ضد مرسي ان هبوط مكانة الاخوان هو جزء من اتجاه اعم. ويقول المعلق اليساري هاني شكر الله: "انني مقتنع باننا نشهد غروب تجدد النشاط الاسلامي ليس في مصر وحدها وانما في العالم العربي كله. لفترة ما كان البديل الوحيد للدكتاتورية العلمانية. كانت تلك الحكمة السائدة لـ30 عاماً. لكنها لم تعد الآن كذلك".


الا ان هناك احتمالا اخر اشد أثرا، وهو ان الاسلاميين في المواقع الاخرى سيتعظون من التجربة المصرية ويمارسون العمل بطريقة مختلفة، وسيشددون قبضتهم على السلطة ويتبعون الاسلوب الذي تتعامل به هيئات تونسية ومغربية في التآلف مع الاحزاب الاخرى.


ومن المحتمل ان يكون الاخوان المسلمون في مصر قد طردوا من الحكم، لكنهم لا يزالون حركة اجتماعية ودينية كبيرة لديها هيكل تنظيمي قوي ومتحرك. وقال المحلل ايليا زروان ان "من المبكر الحديث عن القضاء على الجماعة. فلا يزال لديهم الملايين من الانصار والمتعاطفين معهم، وهناك الكثير من المتغيرات التي لا تزال مؤثرة. اما مستقبل الجماعة فيظل مجهولا، الا ان الكثير يعتمد على القرارات التي يتخذونها ويتخذها معارضوهم الان".


واذا كانت انباء القضاء على الجماعة قد بولغ فيها، فان افرادها ليسوا هيابين، ولديهم شعور مؤكد عما يعتبر اكثر اهمية بالنسبة اليهم، خاصة بعد الاجراءات المتشددة التي اتخذها الجيش والمذبحة التي راح ضحيتها اكثر من 50 من المؤيدين في القاهرة يوم الاثنين. وقال محمد عبد الفتاح، احد القائمين على تنظيم الاخوان، ان "السعوديين والاماراتيين ارسلوا مساعدات لتهنئة الجيش بالانقلاب واحتفلوا بما اعتقدوا انه سقوط البرنامج الاسلامي. لكنه لن يسقط".

التعليقات