26/10/2016 - 10:02

الدولة تتجاهل صحة سكان الجليل

عرضت وزارة الصحة بعد 20 شهرا من العمل، معطيات صعبة للغاية تشير إلى الفجوات الهائلة في الخدمات الصحية المقدمة بمنطقة الشمال وتلك التي تقدم في منطقة المركز، لكنها لا تنوي تمويل الخطوات المطلوبة لتصحيح هذا الوضع.

الدولة تتجاهل صحة سكان الجليل

طلاب عرب في الجليل

عرضت وزارة الصحة بعد 20 شهرا من العمل، معطيات صعبة للغاية تشير إلى الفجوات الهائلة في الخدمات الصحية المقدمة بمنطقة الشمال وتلك التي تقدم في منطقة المركز، لكنها لا تنوي تمويل الخطوات المطلوبة لتصحيح هذا الوضع.

خصص للجنة فحص توسيع الخدمات الصحية في الشمال (لجنة جروطو)، 60 يوما لتقدم استنتاجاتها لوزيرة الصحة السابقة ياعيل جيرمان، لكن بعد أن اتضح حجم الفجوات، كان هناك حاجة لسنتين لإصدار تقرير اللجنة والذي يشار به ليس فقط إلى مواقع اللامساواة بل ولأول مرة تتم جدولة تكاليف الخطوات التي يتوجب على الحكومة القيام بها لتقليص الفجوات الصحية بين الشمال والمركز. كما أن التأخر الاستثنائي في تقديم نتائج اللجنة يعود إلى النية في التنسيق بين اللجنة وميزانية الدولة حيث صرح رئيس اللجنة، بروفيسور إيتمار جروطو، حينها أن اللجنة مكلفة بالإشارة إلى الموارد المطلوبة وليس فقط وصف الوضع الصحي الصعب.

عمليا، يأتي نشر التقرير في توقيت إشكاليّ، بعد أكثر من سنة ونصف حيث يتقاطع مع توقيت اقتراب نهاية إعداد ميزانية الدولة المعدة لسنتين والتي يتم مناقشتها حاليا، الأمر الذي يعني خطر تجاهل توصيات اللجنة في الميزانية. إضافة لذلك، فإن الميزانية ستكون لسنتين مما يعني أن ما لا يتم شمله فيها الآن، لن تكون إمكانية لعمل ذلك إلا بعد سنتين.

يذكر أن وزارة الصحة اعترفت وقصدت تقديم المساعدة لمعالجة المشاكل الصحية في الشمال في مناسبات عدة، لكنها ادعت أنها لا تملك الميزانيات والموارد المطلوبة، أما اليوم وبعد أن اتضح أن وزارة الصحة ستحصل على ميزانية إضافية بمبلغ 4 مليارات شيكل (الميزانية الجديدة المعدة  لسنتين تحولت من 29.8 مليار شيكل إلى 33.8 مليار شيكل) لا يزال موضوع تقليص الفجوات بين المركز والأطراف خارج سلم أولوياتها.

أشار التقرير الواسع إلى أنه إذا لم تغّير الحكومة سلم أولوياتها بما يتعلق بتوزيع الموارد والميزانيات، ستتسع الفجوات الصحية أكثر في كل المجالات الصحية. 'رصدت اللجنة بشكل واسع جميع مجالات الطب في الشمال للوصول إلى الصورة الكاملة في هذا التقرير وتم فحص خدمات الصحة الجماهيرية، خدمات المبيت في المستشفيات، عيادات الأم والطفل، تطّور الطفل، التأهيل، الشيخوخة، صحة الأسنان، نجمة داوود الحمراء، الصحة النفسية، الجاهزية لحالات الطوارئ، المراكز الطبية الليلية، القوى العاملة الطبية في الشمال. وقد وجدت اللجنة أن هناك فجوات صحية واضحة من شأنها أن تتسع أكثر إذا لم يتم أي تدخل من الحكومة'(صفحة 5 من التقرير). 

وفي هذا السياق أشار تقرير لجنة 'جروطو' العديد من مواقع النقص والحاجات الصحية الملحة لسكان الشمال، مثلاً:

هناك فجوات تصل إلى 900% بعدد الأسرة للتأهيل بين الشمال والمركز ونقص كامل في خدمات التأهيل للأطفال ومراكز تأهيل القلب والرئتين. بناء على ذلك تضطّر العائلة المحتاجة لهذه الخدمات من الجليل إلى السفر إلى منطقة (الكريوت) لمدة تزيد عن ساعة حتى تحصل على خدمات التاهيل.
الموعد الزمني (الدور) القريب لتلقي خدمة في عيادة الأوجاع هو بعد سنة ونصف!
لا توجد عيادات للصحة النفسية في القرى العربية.
نسبة الأطباء، الممرضات والمهن الطبية المساعدة في الشمال، أقل بكثير مقارنة مع المركز.
عدد الاطباء لكل 1000 نسمة في منطقة المركز هو ضعفي عدد الأطباء في الشمال.

هذه المعطيات هي عينة صغيرة من النقص في الخدمات الصحية وهذا ينعكس على وضع سكان الشمال الصحي بشكل واضح حيث يبرز ذلك في عدد من المقاييس الصحية:

* معدل عمر الإنسان المتوقع في الشمال أقل بسنتين منه في المركز. وفي المجتمع العربي فهو أقل بثلاث سنوات مقارنة مع المجتمع اليهودي.

* خلال العقد الأخير تضاعفت نسبة الإصابة بالأمراض المزمنة في المجتمع العربي وانخفض معدل عمر الإنسان المتوقع.

* ثلث السكان العرب الذين يحتاجون إلى الأدوية للأمراض المزمنة لم يحصلوا عليها لعدم قدرتهم الاقتصادية لاقتنائها.

د. محمد خطيب

لن يسّلم سكان الشمال بهذا الواقع الصعب وعدم رصد الميزانيات اللازمة للتغيير، وعليه سيتم البدء في عدد من الوقفات الاحتجاجية والفعاليات من أجل الضغط والتأثير لتغيير هذا الواقع ومحاولة إدخال توصيات لجنة 'جروطو' ضمن الميزانية المعدة للسنوات القادمة حيث أنه إذا لم يتم ذلك الآن فسيكون من الصعب بعدها تحقيق التغيير المنشود.

وفي هذا السياق، قال المختص في الصحة الجماهيرية، د. محمد خطيب: 'كم ضحية يجب على سكان الشمال أن يقّدموا حتى تحقيق المساواة في الخدمات الصحية بين الشمال والمركز؟ أخيراً وبعد نضال مستمر للمنتدى المدني لتطوير الصحة في الشمال وأطر مدنية اخرى، ينشر تقرير لجنة جروطو لتوسيع الخدمات الطبية في الشمال التي توصي بتنفيذ سلسلة من الخطوات لتقليص الفجوات بين المركز والشمال. ولكن تبقى المشكلة الأساس أنه لا توجد ميزانية لتمويل تنفيذ هذه التوصيات! يجب علينا أن لا نبقى صامتين بل نناضل ونطالب بتنفيذ فوري للتوصيات المهمة لأن ذلك سيغير الواقع الصحي في الشمال بشكل كبير'.

بكر عواودة

أما مدير جمعية الجليل، بكر عواودة، فعلق على هذا التقرير بقوله إن 'الوضع الصحي العام في المجتمع العربي في تدهور مستمر. نظرة مقارنة بين 2006 إلى اليوم فإننا نرى بوضوح إهمال وعدم وجود سياسة وبرامج ناجعة ومنتظمة للحد من القضايا الصحية، على العكس فإن الأمور في تدهور مستمر مثلا نسبة مرضى السكري تضاعفت، نسبة مرضى الأمراض المزمنة تضاعفت، نسبة المدخنين ارتفعت. لذلك من المؤسف جدا أن تتجاهل وزارة الصحة تقرير جروتو وعدم إدخاله في الميزانيات للسنة القريبة'.  

د. بشارة بشارات

وقال مدير مستشفى الناصرة ورئيس جمعية تطوير صحة المجتمع العربي، د. بشارة بشارات، إنه 'يجب علينا أن لا نسّلم ونقبل هذه النتائج. أدعو القيادة السياسية والطبية لوضع صحة سكان الشمال والمجتمع العربي على المحك والمبادرة إلى فعاليات نضالية من أجل الضغط والتأثير ومحاولة ادخال توصيات اللجنة ضمن ميزانية الدولة للعامين القادمين. الوقت ضيق لأن المصادقة والتعديلات على الميزانية تنتهي في الأسابيع القليلة القادمة ويكون تأثيرها لعامين'. 

يذكر أن المنتدى المدني لتطوير الصحة في الجليل، يضم مهنيين وخبراء من مختلف المجالات والمؤسسات الصحية والاجتماعية من العرب واليهود ويعمل على تطوير الخدمات والمستوى الصحي في الشمال من خلال التغيير الاجتماعي وتغيير السياسات المتعلقة بالصحة والخدمات الصحية. عمل المنتدى مؤخرا على وضع المساواة الصحية على أجندة الرأي العام في عدة مناسبات.

التعليقات