07/02/2017 - 22:16

أسباب وعلاج اكتئاب ما بعد الولادة

الخوف والإرهاق والفتور، ربما كانت هذه مشاعر تعرفها جيدا الأمهات خلال فترة ما بعد الولادة خاصة وإن كان المولود هو الأول لهن لاسيما وأنه ليس هناك على الأرجح تغيرات جسمانية وعاطفية توازي التغيرات التي تتزامن مع الحمل والولادة.

أسباب وعلاج اكتئاب ما بعد الولادة

'كانت الدموع تسيطر علي معظم اليوم، كنت مصابة بالفتور والخوف' 'فجأة كانت هناك حياة جديدة مع الطفل وكان كل شيء غريبا، رغم أنني استطعت رعاية الطفل إلا أني لم أكن قادرة على السعادة به' 'كنت أبكي كثيرا بشكل لا يصدق، كنت أشعر غالبا بأني مرهقة، كلما استمر ذلك كلما كنت أريد الهروب من هذا الموقف'.

الخوف والإرهاق والفتور، ربما كانت هذه مشاعر تعرفها جيدا الأمهات خلال فترة ما بعد الولادة خاصة وإن كان المولود هو الأول لهن لاسيما وأنه ليس هناك على الأرجح تغيرات جسمانية وعاطفية توازي التغيرات التي تتزامن مع الحمل والولادة.

وفي الأسبوع الأول بعد الولادة، كثيرا ما تعاني الأمهات من أيام تنهمر فيها دموعهن ويصبهن الحزن العميق عند تعرضهن لصغائر الأمور دون سبب يعرف. ولكن ذلك غالبا ما ينقشع بعد عدة أيام.

ولكن ماذا إذا استمر الحزن والخوف واليأس مع مرور كل يوم؟ ليس هذا الأمر نادرا 'فسواء في ألمانيا أو في دول أخرى فإن نحو 10% من النساء يصبن وبشكل عام باكتئاب مرضي' حسبما أوضح أولريش هيجرل، رئيس المركز الألماني للمساعدة ضد الاكتئاب ومدير المستشفى الجامعي للأمراض النفسية في مدينة لايبتسيج الألمانية.

أضاف هيجرل: 'نعتقد بأن نسبة النساء الحوامل وصغار الأمهات اللاتي يصبن بهذا الاكتئاب أكبر من ذلك، ربما كان ذلك بسبب التغيرات الهرمونية الهائلة التي تطرأ على المرأة عقب الولادة'.

وحسب بيانات جمعية 'شاتن اند ليشت' (الظل والنور) الألمانية فإن هذا الاكتئاب يصيب نحو 100 ألف أم في ألمانيا سنويا.

أخذت الاقتباسات التي تصدرت هذا التحقيق من الموقع الإلكتروني لهذه الجمعية الخيرية التي تساعد هؤلاء الأمهات في تجاوز المشاكل النفسية عقب الإنجاب. ليس هناك غالبا مؤشرات تمهيدية على احتمال إصابة الأم بهذه المشاكل النفسية. كما أنه من الصعب غالبا تحديد سبب بعينه يمكن أن يكون وراء هذا الاكتئاب الذي ربما كان نتيجة تشابك عدة عوامل منها النفسي والصحي والاجتماعي والجسدي 'فهذا الاكتئاب يمكن أن يصيب أي شخص وربما يحدث من لا شيء' حسب هيجرل.

غالبا ما يكون سبب مرض اكتئاب ما بعد الولادة، حسبما يسميه الخبراء، استمرار الحالة النفسية المتدنية للأم والخوف والأرق وفقدان الشهية وقلة الثقة في النفس وغير ذلك من الأسباب التي قد تدفع بالمريضة إلى إصابة نفسها أو الانتحار.

وبذلك فإن أعراض الاكتئاب الذي يعقب الولادة لا تكاد تختلف عن أعراض الاكتئاب 'العادي' الذي يمكن أن يحدث في أي مرحلة من مراحل الحياة.

ولكن رغم أوجه التشابه الظاهرية فإنه لا يمكن تشبيه أعراض الاكتئاب التي تحدث عقب الولادة بالضرورة مع غيرها من الأعراض حسبما يرى الخبراء 'فالأمومة يمكن أن تغير الأمهات فعلا وهذا ما يتم تجاهله غالبا' حسبما رأى يودي باولوسكي من جامعة رن 1 الفرنسية.

وأوضح باولوسكي أن الباحثين لم يركزوا بالشكل الكافي على معرفة ما إذا كانت الأسس العصبية الحيوية المسببة للمرض تشبه أسباب غيره من أنواع الاكتئاب.

ولخص باولوسكي بالتعاون مع جوزيف لونشتاين من جامعة ولاية ميشجين وأليسون فليمينج من جامعة تورونتو الكندية في مقال مختصر ما هو معروف بالفعل الآن عن تغيرات الأحياء العصبية في مخ النساء اللاتي يصبن بالاكتئاب عقب الولادة.

وخلص الباحثون خلال هذا المقال إلى أنه: ليست هناك تغيرات كثيرة.

وقالو الباحثون في مجلة 'تريندس إن نويروساينس' إن ما توصل إليه العلم حاليا بهذا الشأن يستند إلى 20 بحثا.

ورأى باولوسكي في بيان عن دار شنر 'سيل بريس' التي نشرت المقال أنه 'من الصادم' ألا يكون هناك سوى 20 بحثا بهذا الشأن 'خاصة عندما نأخذ في الاعتبار أن 10 إلى 20% من النساء يعانين من الاكتئاب أثناء الحمل وعقب الولادة'.

غير أن بعض هذه الدراسات أشار إلى أن حالات الاكتئاب التالية للولادة ليست ببساطة نوعا استثنائيا من الاكتئاب العادي حيث أظهرت بعض الأبحاث أن اللوزة الدماغية المسؤولة أيضا عن المشاعر تستجيب عادة عند الإصابة بالاكتئاب للمحفزات العاطفية بشكل مفرط في حين أن هذه المنطقة من المخ لا تنشط كثيرا لدى النساء المصابات بالاكتئاب الذي يعقب الولادة. ولا يعرف الباحثون على وجه الدقة ما يعنيه ذلك.

ومن الملفت للانتباه أيضا أن هذه المناطق العصبية تتداخل وتندمج مع تلك المناطق ذات الصلة لدى المرأة برعاية الأم لأطفالها حيث قال الباحثون في مقالهم إن هناك تداخل معقد بين الحالة النفسية للأم والعلاقة بين الأم وطفلها والعمليات الحيوية والعصبية وشددوا على ضرورة الاستمرار في دراسة هذا التداخل.

كما شدد الباحثون على ضرورة الإسراع في تشخيص المرض بصرف النظر عن أسسه العصبية والحيوية وذلك لاختصار وقت المعاناة لدى الأم والأسرة.

وأوضحت أندريا شتورم، رئيسة رابطة القابلات في هامبورج، أن الكثير من النساء يحاولن إخفاء حقيقة أن هناك شيء ما ليس على ما يرام لديهن 'وهناك علاقة بين ذلك والخوف من الفشل حيث تعتقد الكثير من الأمهات أن عليهن أن ينجحن في مهمة رعاية الرضيع كما نجحن على سبيل المثال في وظيفتهن، وعندما لا ينجحن في ذلك فإنهن يخفين هذه المشاكل'.

وذكرت شتورم أنه ليس من السهل على القابلات اللاتي تساعدن الأمهات عقب الولادة التعرف على الوقت الذي تستطيع فيه الأمهات حديثي الأمومة النهوض من كبوتهن النفسية بأنفسهن ومتى يصبح من الضروري التدخل طبيا لعلاجهن 'ولكني أصغي السمع عندما تبدأ النساء في الحديث عن الأرق واتهام النفس بالفشل والقصور أو عندما أشعر بأن النساء يبتعدن بشكل غير معتاد عن أبنائهن'.

كما يعاني شريك الحياة والأسرة والوسط الاجتماعي القريب من الحالة النفسية السيئة للمرأة النفساء ولا يستطيعون في الغالب تصنيف هذه الحالة المتردية بالشكل الصحيح و وضعها في الإطار المناسب خاصة عندما تبدو الأم وكأنها سعيدة بهذا الوضع الجديد 'فحالات الاكتئاب تصيب في الغالب أشخاصا يتمتعون بصحة جيدة وقادرين على العطاء ومستعدين لمساعدة الآخرين، لذلك فمن الصعب على من يحيطون بمثل هؤلاء الأشخاص ملاحظة أنهم بحاجة لمساعدة، نحن بحاجة للكثير من التوعية بهذا الشأن' حسبما رأت شتورم التي تقف منذ نحو 40 عاما إلى جانب الأمهات الجدد.

فإذا تم التعرف على المرض فإن هناك عدة سبل لمعالجته. وعندما يكون هذا الاكتئاب من النوع الخفيف فإن العلاج النفسي يمكن أن يساعد في علاجه، وربما كانت مداواة هذا المرض من خلال علاج إدراكي سلوكي. أما في حالة الأشكال الجسيمة من الاكتئاب فإن الأطباء يصفون للمرضى عقاقير مضادة للاكتئاب 'فهناك مواد فعالة يمكن تعاطيها أيضا في فترة الرضاعة' حسبما أوضح هيجرل.

وهناك حالات تستوجب الحجز في المستشفى سواء بصحبة الطفل أو بدونه.

وأوضح فريق الباحثين تحت إشراف باولوسكي أنه لا تزال هناك حاجة لمزيد من الأبحاث لمعرفة ما إذا كانت سبل العلاج الحالية تؤدي لنتيجة إيجابية وأن فهم الأسس العصبية الحيوية بشكل أفضل ربما ساعد على تطوير إمكانيات علاج جديدة. وقال الباحثون إن فترة الأمومة ليست سعيدة دائما 'وعلينا أن نفهم ذلك وأن نتحدث عنه وأن نكتشف السبب الذي يجعل من الممكن أن تتسبب الأمومة في أمراض نفسية لدى الكثير من النساء، عندما نحسن صحة الأم وراحتها فإننا بذلك نحسن صحة الطفل وراحته وكذلك صحة الأسرة وراحتها'.

وفي حالة توفير العلاج المناسب فإن الاكتئاب يختفي عادة خلال بضعة أسابيع أو أشهر. ورغم أن خطر الإصابة بهذا الاكتئاب قد يعود في وقت ما من العمر بعد التعافي منه إلا أنه من الخطأ حسب أندريا شتورم الافتراض بأن النساء اللاتي أصبن بالاكتئاب عقب الولادة سيصبن به بالضرورة في حالة الإنجاب مرة أخرى حيث يمكن أن يكون الحمل والولادة التاليان بمثابة بداية لفترات سعيدة جدا في حياة امرأة حسبما يفترض في الأساس.

التعليقات