23/10/2017 - 12:11

الجوع يأكل الحياة: أثر الحصار على أطفال الغوطة

بصعوبة شديدة، التقطت الرضيعة سحر، التي أتمَّت شهرها الأول، أنفاسها خلال الساعات الماضية، فيما كان جسدها الهزيل يرتجف، قبل أن يستسلم أمس، الأحد، عاجزًا عن مقاومة سوء التغذية الحاد الذي عانته

الجوع يأكل الحياة: أثر الحصار على أطفال الغوطة

يعاني أكثر من 25% من أطفال الغوطة الشرقية، شرقي العاصمة دمشق، من نقص تغذية شديد، نتيجة حصار النظام السوري لهذه المنطقة منذ ما يقارب 5 سنوات، بحسب مصدر طبي.

وبصعوبة شديدة، التقطت الرضيعة سحر، التي أتمَّت شهرها الأول، أنفاسها خلال الساعات الماضية، فيما كان جسدها الهزيل يرتجف، قبل أن يستسلم أمس، الأحد، عاجزًا عن مقاومة سوء التغذية الحاد الذي عانته، ويهدد مئات الأطفال في الغوطة الشرقية المحاصرة.

وتعاني منطقة الغوطة الشرقية، أبرز معقل للفصائل المعارضة قرب دمشق من حصار خانق منذ العام 2013، تفرضه قوات النظام السوري. ورغم كونها إحدى أربع مناطق يشملها اتفاق خفض التوتر في سورية، فإن دخول المساعدات لا يزال خجولًا، ما يفاقم معاناة المدنيين في ظل ندرة مواد غذائية رئيسية.

وأول أمس السبت، التقط مشاهد لسحر ضفدع، رضيعة عمرها 34 يومًا، بعدما أحضرتها والدتها إلى مشفى دار الشفاء في مدينة حمورية.

وفي مقاطع الفيديو، تظهر الرضيعة وهي الطفلة البكر لثنائي يعجز عن توفير قوته اليومي جراء الحصار. جسدها العاري هزيل للغاية وتبرز عظامها بوضوح.

وزنها 1920 غرامًا، أي أقل من كيلوغرامين، وتتنفس بصعوبة، فيما تبدو عيناها خائرتي القوى. وتحاول البكاء من دون أن تُصدر صوتًا قويًا. وبالقرب منها كانت والدتها الفتية تجهش بالبكاء.

عانت سحر وفق ما قال مصدر طبي في المشفى، حالة سوء تغذية شديدة، في ظل عجز والدتها التي تعاني بدورها من سوء تغذية عن إرضاعها.

ولم يتمكن الوالد العامل في محل لبيع اللحوم مقابل راتب زهيد من توفير الحليب والمكملات الغذائية الضرورية.

ورغم ذلك، حاول الوالدان إنقاذ طفلتهما الوحيدة، لكنها توفيت صباح الأحد في المشفى قبل أن ينقلاها إلى مسقط رأسهما في بلدة كفربطنا ويتم دفنها هناك.

بخطوات متثاقلة، حمل واد سحر رضيعته، الأحد، إلى المدفن، فيما تسير خلفه زوجته المفجوعة والمنهارة وعدد من الأقارب.

نقص حاد

فارقت سحر الحياة، الأحد، بعد ساعات من وفاة طفل آخر السبت في بلدة مديرا في الغوطة الشرقية أيضًا، جراء سوء التغذية، وفق ما أكدت مصادر طبية والمرصد السوري لحقوق الإنسان.

وداخل المشفى ذاته، وكذلك في مركز الحكيم الطبي الذي يتضمن عيادة مخصصة لحالات سوء التغذية، التابعَيْن للمؤسسة الدولية للتنمية الاجتماعية (منظمة غير حكومية مقرها إسطنبول) يؤكد الأطباء أنهم يعاينون يوميًا عشرات حالات سوء التغذية بين الأطفال، خصوصًا في الأشهر الأخيرة.

وتُظهِر صور ومقاطع فيديو من داخل المشفى ومركز الحكيم في حمورية رضعًا وأطفالًا أجسادهم هزيلة، أشبه بهياكل عظمية، ووجوههم شاحبة. أحدهم يتنفس بصعوبة، وثان تبرز عظام قفصه الصدري، وطفل ثالث ممدد على سرير فيما أنبوب موصول بفمه. ويبكي طفل رابع وُضعت ضمادة بيضاء على زنده الرفيع لدى معاينته من قبل طبيب.

ويوضح مدير القسم الطبي في المنظمة الإنسانية، الدكتور يحيى أبو يحيى، أن فروع مركز الحكيم وعددها 11 في الغوطة الشرقية "استقبلت في الأشهر الثلاثة الأخيرة حتى الآن 9700 طفل، يعاني 80 منهم تقريبًا من سوء تغذية حاد شديد، ومائتان آخرون من سوء تغذية حاد متوسط".

وأوضح أن "4000 طفل آخرين يعانون من درجات مختلفة من الحاجة إلى المغذيات الدقيقة"، مضيفًا "هذا مؤشر خطير جدًا وكبير".

مساعدات "غير كافية"

وبحسب تعريف منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف)، فالمغذيات الدقيقة هي عبارة عن فيتامينات ومعادن، تعد "المكونات الأساسية لنظام غذائي عالي الجودة"، في حين تعرف سوء التغذية الحاد بوصفه "الشكل الأبرز لنقص التغذية، ويظهر على وجه الطفل وهيكله العظمي، ويتطلب معالجة عاجلة ليتمكن الطفل من البقاء" على قيد الحياة.

ويشير الطبيب إلى عدم توافر عناصر غذائية رئيسية في الغوطة الشرقية، على الأطفال تناولها يوميًا "كالسكريات والمواد البروتينية والفيتامينات"، في حين أن المواد المخصصة لعلاج حالات سوء التغذية على أنواعها "غير متوفرة".

ويوضح أن "الكميات المرسلة عن طريق الأمم المتحدة (...) لا تلبي إلا 5 إلى 10% من احتياجات أطفال الغوطة"، الذين يعانون من سوء التغذية على أنواعها.

ورغم أن اتفاق مناطق خفض التوتر الذي توصلت روسيا وإيران حليفتا قوات النظام، وتركيا الداعمة للفصائل المعارضة إليه في أستانا، في أيار/ مايو، يشمل الغوطة الشرقية، ودخل حيز التنفيذ ميدانيًا، إلا أن وتيرة إدخال المساعدات الإنسانية لم تتحسن.

ويتحدَّث المرصد السوري عن "نقص كبير في المواد الغذائية المخزنة لدى المواطنين، فضلًا عن ارتفاع أسعارها بشكل جنوني في الأسواق، حيث تتوفر".

وبحسب مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة، فإن آخر قافلة إنسانية تتضمن مساعدات غذائية وطبية ومستلزمات أخرى دخلت إلى ثلاث مدن محاصرة فقط في الغوطة الشرقية، في 23 أيلولL سبتمبر، بعد دخول قافلة مماثلة في حزيران/ يونيو.

ويعيش نحو ثلاثة ملايين شخص في سورية في مناطق محاصرة أو يصعب الوصول إليها، 400 ألف منهم محاصرون، ومعظمهم في الغوطة الشرقية، بحسب الأمم المتحدة.

التعليقات