26/09/2018 - 09:46

ما هو دور الدماغ في تشكيل الهوية الجنسية؟

أكّدت دراسة حديثة أجريت نشرت في مجلة "ذا جورنال أوف نيوروساينس" العلمية أنّ الهوية الجنسية للإنسان تتحدّد في خلايا الدماغ، إذ تشكّل الخلايا المناعية في الدماغ محورًا أساسيًّا في تشكيل السلوك الذكري والأنثوي، وذلك وفقًا لنتائج الدراسة.

ما هو دور الدماغ في تشكيل الهوية الجنسية؟

توضيحية (pixabay)

أكّدت دراسة حديثة أجريت نشرت في مجلة "ذا جورنال أوف نيوروساينس" العلمية أنّ الهوية الجنسية للإنسان تتحدّد في خلايا الدماغ، إذ تشكّل الخلايا المناعية في الدماغ محورًا أساسيًّا في تشكيل السلوك الذكري والأنثوي، وذلك وفقًا لنتائج الدراسة.

وتحاول الدراسة الإجابة عن سؤال البحث الأساسي وهو "كيف يتشكل السلوك الجنسي للذكر والأنثى في الدماغ؟" من خلال دراسة تطور أدمغة الفئران، ودراسة تباين السلوك الجنسي فيما بينها. وتبيّن الدراسة أن ثمة نوعًا من الخلايا يُطلَق عليه اسم "الخلايا البدينة mast cells"، و هي أحد أشكال الخلايا المناعية الموجودة بالمخ، وتُعَد مسؤولة عن تطور الدماغ مدى الحياة ، كما تعدّ مسؤولة عن الاستجابات المرتبطة بالحساسية، إذ تؤدي دورًا أساسيًّا في هذا التطور.

وتشير نتائج الدراسة إلى أن هرمون الإستروجين، وهو هرمون يؤدي دورًا رئيسيًّا في تطوير الصفات الذكورية، ينشط الخلايا البدينة في الدماغ، وأن هذه الخلايا هي التي تقود التطور النوعي للحيوان.

وقام الباحثون خلال الدراسة بإيقاف نشاط الخلايا البدينة لدى أجنة الفئران من الذكور، ثم عكفوا على متابعة سلوكهم الجنسي فيما بعد هذه الخطوة، إذ زوجوا هذه الفئران إناثًا في حالة استعداد للتلقيح، وكان من المنتظر أن تتابعهن الفئران الذكور لمعاشرتهن، لكن ما حدث كان مغايرًا لما هو متوقع في الحالات العادية، فلم تُبدِ الفئران الذكور أي اهتمام بالجنس الآخر، بل تصرفوا كما لو كانوا إناثًا مثلهن.

في المقابل، تلاعب الباحثون في أدمغة الجرذان الإناث حديثات الولادة، وقاموا بتفعيل الخلايا البدينة باستخدام مادة كيميائية محفزة، ووجدوا أن تلك الإناث تبنت سلوكيات ذكرية، وعلى الرغم من عدم امتلاكهن أعضاء ذكرية، فقد أظهرن سلوكًا ذكريًّا في الطريقة التي تصرفن بها مع الإناث الأخريات، إذ بدا وكأن لديهن دوافع قوية لمحاولة الانخراط في السلوك الجنسي للذكور.

وعلى الرغم من أن العلماء يعرفون أن فروق الجنس مبرمجة بالهرمونات في أثناء التطور المبكر، إلا المعلومات التي نملكها حول كيفية إسهام التغيرات التي تحدث على مستوى الخلية في الطريقة التي يتشكل بها الدماغ والسلوك.، ما زالت محدودة.

وتكمن أهمية الدراسة في كونها تحاول أن تبحث على مستوى التغيُّرات التي تحدث في الخلايا وتُسهم في التشكيل النوعي للدماغ والسلوكيات الناجمة عنه، خاصة وأن معظم الأطروحات السابقة ربطت الفروق الجنسية بالتغيرات الخاصة بالهرمونات، بينما ظلت المعلومات على مستوى الخلايا محدودة.

ومن المعروف في علم النفس أن هناك علاقة وطيدة بين الخلايا المناعية والسلوك الجنسي، فكلما حدث اضطراب في الخلايا المناعية أسفر ذلك عن خلل في السلوكيات الجنسية. والدليل على ذلك أن بعض الاضطرابات النفسية مثل الاكتئاب عادةً ما تكون مصحوبةً بنقص في كلٍّ من القدرة والرغبة الجنسية.

ولكن، كانت دراسة سابقة أجراها باحثون بجامعة "ميريلاند بالتيمور" عام 2013، قد كشفت عن أن نوعًا آخر من خلايا المخ، وهي الخلايا الدبقية الصغيرة (Microglia)، تؤدي دورًا في توجيه السلوك الجنسي، لكن الدراسة الأخيرة انتهت إلى أن الخلايا البدينة هي التي تقوم بتنشيط الخلايا الدبقية الصغيرة لتؤدي هذا الدور.

وكانت نتائجها قد أظهرت أن أدمغة الجرذان حديثة الولادة اللواتي تعرضن لجرعة من هرمون الإستروجين الذكري زيادة في الخلايا البدينة في الدماغ؛ أطلقت خلاياها البدينة "الهيستامين"، والذي حفز بدوره الخلايا الدبقية الصغيرة لتنشيط نموذج الدماغ الذكري.

وعلى الرغم من التفاؤل العلمي الذي بشَّرت به نتائج الدراسة الجديدة، تظلّ محدودية تعميم النتائج مطروحة، إذ أنّ الدراسة أجريت على الفئران، ما يطرح احتمال أن تختلف النتائج في حال تطبيقها على البشر.

ويختلف السلوك الجنسي عند البشر عنه عند الحيوان، إذ تدخل معطيات كثيرة داخلية وخارجية في تشكيل السلوك الجنسي البشري، بينها ظروف النشأة والعوامل المجتمعية والبيئة المحيطة وغيرها من التأثيرات، وهو ما يصعّب إمكانية تعميم هذه النتائج على السلوك الجنسي البشري.

 

التعليقات